يا عمي لا تنقد أحسن لك!
يمثل غياب النقد مشكلة أساسية في ساحة الشعر المحكي، حيث بقيت المحاولات الفردية النادرة في هذا الإطار محصورة في مقالات صحافية أو كتب لا تخرج كثيرا عن سياق مشاريع الوجاهة التي لا تؤسس لمشروع نقدي جاد بقدر ما تحاول استغلال الشعر باختلاق خطاب موازٍ له.
ناحية أخرى أسهمت في ترسيخ هذه الأزمة وهي ربط مفهوم النقد بالانتقاد المحض من جانب ، أو المجاملة المطلقة من جانب آخر حيث لا يعرف الناقد أنصاف الحلول إزاء شاعرِ لا يجيد غالباً غير المهايط أو الغرور ، وبالتالي يتحول استيعابه للنقد إلى تأويلات شخصية من قبيل "فلان هاجمني لأنه مقهور مني" أو بترديد الأسطوانة الإعلامية المستهلكة وهي أن "الناقد يبحث عن الشهرة على أكتافه"، وبالتالي فلا بد من الاعتراف أن معظم شعرائنا غير قابلين فطرياً لتفهم النقد، ويعتبرون كل محاولة نقدية ترتكب في حقهم جزءا من مؤامرة تنطوي على نوايا شريرة!
أخيرا ظهرت فرصة النقد من خلال الفضائيات وكان بالإمكان الاستفادة من فرصة كتلك في تقديم عمل نقدي فاعل يتوازى مع كمية المنتج الشعري الذي يتم ضخه في الفضاء بلا حسيب متذوق ولا رقيب ناقد . إلا أن ذلك لم يحدث وبقي مقتصراً على زاوية ضيقة مما يسمى بالنقد الانطباعي في لجان برامج المسابقات الشعرية.
إن الشعر بحاجة إلى نقاد موضوعيين أكثر من حاجته إلى أن يخضع للتقييمات الآنية من خلال قنوات ترتجل الحكم وتعطي لنفسها الحق في إقصاء شاعر أو آخر وفقاً لمعايير اجتهادية أثبتت في كثير من الأحيان أنها لم تكن ملمة بمكامن الجمال الحقيقي في الشعر. بل إنها تجاوزت النقد إلى ما ورائيات اللغة التي يتحدث عنها ذلك الدكتور عندما يتناول استبطان النفس البشرية واستنباط المكون السيكولوجي والدراما الداخلية المتشظية مما يقودنا بشكل إنتربولوجي إلى اكتشاف حقيقة وجودية مهمة وهي أن "الشاعر كان يعبر عن مشاعره"!
وإن كان هناك من منجز يستحق الإشارة إليه في برنامج شاعر المليون على سبيل المثال فهو أنه جعلنا نكتشف مدرسة نقدية جديدة في مشهدنا الشعري المعاصر بجانب مدارس "الانطباعية" و"البنيوية" و"التفكيكية" وغيرها، ألا وهي مدرسة "القصيدة الجزلة" التي تقوم على نظريات "بيض الله وجهك" "ما فيك حيلة" حيث لا يشبه الأمر إلا تحول الناقد المفترض إلى مدرب كرة قدم يجمع لاعبيه ليقول لهم: اليوم راح نلعب بخطة "شدوا حيلكم يا شباب"!