ترسيخ الثقافة السياحية في المجتمع .. الصعوبات والتطلعات
لم تعد السياحة ترفيها بل أصبحت صناعة اقتصادية تهتم بها الدول وتنفق عليها الملايين وذلك لمردودها الاقتصادي والاستثماري الكبير، ولأن السياحة أصبحت خيارا اقتصاديا واجتماعيا مهما فقد أصبح من المهم أن تواكبه الثقافة والوعي السياحي لدى المجتمع بما يسهم في نجاح المشروع السياحي وتطوره.
فما أهمية ترسيخ الثقافة السياحية لدى الأسرة السعودية بشكل عام والنشء الجديد بشكل خاص؟ وما الأثر الإيجابي لذلك؟ وما المعوقات الاجتماعية لنشر الثقافة السياحية المأمولة في المجتمع؟
"الاقتصادية" من الرياض
يرى الدكتور علي الخشيبان مدير عام إدارة برامج المجتمع في الهيئة العليا للسياحة، أن الثقافة السائدة في المجتمع ما زالت تتوجس من مصطلح السياحة، مشيرا إلى أن هناك بوادر توحي بتجاوز قضية الثقافة الاجتماعية ومدى قبولها للسياحة بالتفاعل ولو الجزئي مع معطيات السياحة، حتى وإن كان هذا التفاعل على استحياء.
ويقول: في مجتمعنا هناك قضية مازالت عالقة بين السياحة كمفهوم وبين الثقافة السائدة التي تتوجس كثيرا من المصطلح "السياحة"، حيث علقت في الأذهان مفاهيم لم تكن واردة فقط من الممارسات التي واكبت مفهوم السياحة على المستوى الاجتماعي، ولكنها أتت من تقييم مسبق من الثقافة نفسها التي تردد عدم احتمالها لمفاهيم سياحية مثل زيارة الآثار أو الترفيه، إضافة إلى الصورة السلبية التي رسمت عن السياح والسياحة الخارجة من المجتمع. مشكلة السياحة في المجتمع أن الثقافة (الفكر الاجتماعي) مازالت لا تحتمل إمكانية وجودها كمصطلح وكممارسة وهنا لب المشكلة، ومع أن السياحة في أنظمتها العالمية (قوانين منظمة السياحة العالمية) لا تتعارض مع القيم والأخلاق والثقافات، إلا أن السياحة مازالت تشكل الكثير من المعاني غير المرغوب فيها في ثقافة المجتمع العربي كله وليس مجتمعا بعينه ، وفي مجتمعنا شكل من السياحة ليس له مثيل من حيث التزامه بالثقافة السائدة بل هو يبني رؤيته ومهمته على معطيات الثقافة وقد يتعارض مع بعض كماليات السياحة ولكن هذا يجب ألا يكون مبررا لرفض الفكرة برمتها.
ويضيف: إن وصف السائح في مجتمعنا عندما يخرج إلى دول أخرى بأنه سائح أعمى لا يعرف أين يذهب أو كيف يكون سائحا حقيقيا هذا الوصف ليس مبالغا فيه فتلك صفة سائدة بل تسهل مشاهدتها، ولا بد أن هناك أسباباً خلف هذه الصيغة من وصف السائح في مجتمعنا، إن الكثير ممن نسميهم سياحا هم في الحقيقة يهربون من ثقافة المجتمع التي تحاصرهم حتى في اجتماعهم مع أسرتهم في مكان واحد، نحن وبكل أسف نفتقد إلى ثقافة السياحة فنحن لا نفهم من السياحة إلا ما شاهدناه في أنفسنا عندما ندّعي أننا نذهب للسياحة، لذلك تكونت لدينا الصورة مشوهة بل مشبوهة في كثير من الأحيان.
ويرى الدكتور الخشيبان أن منح فرصة أكبر للهيئة العليا للسياحة ماليا وتنظيميا وثقافيا ستكون نتيجته المؤكدة تغيير المفاهيم لدى المجتمع حول السياحة فالسياحة ليست ترفيها فقط السياحة معرفة وتشكيل للفرد وحفظ لتاريخ المجتمع وهويته بين الأمم.
ويؤكد بندر بن سعود المقبل مدير عام مدارس نجد على ضرورة ترسيخ الثقافة السياحية لدى الطلبة، مشيرا إلى برنامج التربية السياحية المدرسية (ابتسم) الذي تقوم به الهيئة العليا للسياحة بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم بهدف إعداد جيل يحمل مفاهيم إيجابية عن السياحة، وتعميق المفاهيم الصحيحة للثقافة السياحية في المجتمع التعليمي، فضلاً عن تعزيز الانتماء الوطني من خلال استشعار أهمية المكتسبات الوطنية، والاعتزاز بالمقومات السياحية ومظاهر الحضارة والأماكن التاريخية في المملكة والمحافظة عليها.
ويقول: إذا أريد للسائحين في بلادنا أن يتمتعوا بالتعرّف عليها وعلى آثارها والحرية في اكتشاف التنوّع الأخّاذ فيها والأجواء المختلفة المظاهر لابد أن يكون إنساننا مثقفاً ثقافة سياحية رائعة تنمّ عن سعة صدر، وحب التبادل في أطراف الحديث مع الآخر منطلقاً من مبدأ أساسه (الدين المعاملة). إن المحاولة تبدأ صعبة لكننا في المستقبل القريب إن شاء الله نتعوّد السياحة وتتعوّد علينا فيكمل أحدنا الآخر.
ويضيف: لنبتعد عن المعوقات الاجتماعية التي تسيء إلى الثقافة السياحية مثل: مثل عدم الاختلاط بالغير (السائح) خوفاً على عاداتنا وتقاليدنا منه،
المطالبة بالابتعاد كلياً عن المنشآت السياحية على اعتبارات أنها جالبة للتغيير السلبي، والتعامل في مجال السياحة مع أشخاص منغلقين على أنفسهم لا يعرفون شيئاً عن الغير (السائح). كل هذه الأمور يجب تجنبها حتى تتمكن السياحة في مملكتنا من تنفس الصعداء والسير قدماً في سبيل تحقيق سياحة تحت عنوان (ابتسم).
وفي حين يرى مرعي سعد القحطاني مدير إدارة النشاط الطلابي في وزارة التربية والتعليم أن ثقافة السياحة الآمنة الهادئة الهادفة بدأت تدخل إلى الأسرة السعودية، فإنه يؤكد ضرورة إعطاء أهمية كبرى لنشر هذه الثقافة التي أدرك التربويون أهميتها وعملوا على إدراجها في مناهج التعليم على جميع المستويات، حيث إن توعية النشء بأهمية السياحة كثقافة وعلم تؤدي إلى صناعة وطنية ينتج عنها آلاف الوظائف والأعمال التي تدعم الاقتصاد الوطني وتنمي الدخل القومي.
ويرى أن من أهم الوسائل لترسيخ الثقافة السياحية هي وسائل الإعلام وكذلك استخدام التقنية الحديثة من خلال استهداف جميع شرائح المجتمع بدءا بالتربية والتعليم ثم الجهات الحكومية الأخرى وتدريب المجتمع على الثقافة السياحية من خلال دورات قصيرة للأسرة (الأب والأم) وعمل ندوات في الأماكن العامة وطباعة النشرات التوعوية والكتيبات والطرق التفاعلية مثل المسابقات والمواقع الإلكترونية والألعاب المسلية.
مشيرا إلى أن من أبرز المعوقات الاجتماعية لنشر الثقافة السياحية المأمولة في المجتمع هي عدم التوعية الكافية بأهمية السياحة وخاصة السياحة الأسرية والنظرة القاصرة إلى أن السياحة بمعناها الممتع لا تكون سوى للعزاب أو الأفراد دون الأسر.
ويرى أن ترسيخ ثقافة السياحة في المجتمع هي أهم السبل لتطوير ونجاح السياحة الداخلية ويقول: البعض يعتقد أن السياحة ليست سوى ترف لا حاجة إليه، بينما الواقع يؤكد أن السياحة، وأخص هنا السياحة الداخلية أصبحت حاجة عائلية، فبالإضافة إلى أثرها النفسي فإن لها أثرا كبيرا في ترابط العائلة والأسرة الواحدة حين يعيشون جوا واحدا ويسكنون مكانا واحدا ويتفرغ بعضهم لبعض بعد أن أشغلتهم الارتباطات العملية.
ويضيف: إن الرحلة العائلية أصبحت فرصة لتبادل الآراء في جو من الصفاء الذهني وتوثيق الروابط الأسرية والعائلية وهذا له تأثيره النفسي الكبير خاصة على الأطفال والمراهقين بالإضافة إلى تأثيره على العلاقات الزوجية، وأنصح كثيرا الأسر بتخصيص وقت من الإجازة الصيفية للسياحة الداخلية وخاصة في مكة المكرمة والمدينة المنورة حيث تؤدي الأسرة العمرة وتزور المسجد النبوي وتصلي في الحرمين الشريفين وهذا مكسب عظيم، ثم تستغل تلك الأيام في قضاء وقت ممتع وجميل في الترفيه المباح.
ويؤكد يوسف سعد الخلفان المشرف التربوي في محافظة الأحساء أن السياحة شجعت المواطن على الاعتزاز بمظاهر الحضارة والأماكن التاريخية في المملكة مشيرا إلى أن ما تحمله السياحة الداخلية من قيم اجتماعية وثقافيةً وإنسانية سترسخ القبول الاجتماعي للسياحة.
ويقول: سياحتنا الداخلية تحمل في طياتها قيماً اجتماعية وثقافيةً وإنسانية قلما نجد لها مثيلا في كثير من بقاع العالم، ولاسيما أنها مستمدة من قيمنا وعاداتنا الإسلامية الأصيلة. فهي تحترم الآخر وتتعايش معه وتحث على ترويح النفس والتأمل في ملكوت الخالق جل وعلا.
فأصبح المجتمع ينظر للسياحة نظرة إشراق واعتزاز للمقومات السياحية ومظاهر الحضارة والأماكن التاريخية في المملكة إضافة إلى أنها صناعة تسهم في خطى التنمية الحضارية.
ونختتم التحقيق بما ورد في باب (الآثار الاجتماعية والثقافية) في مشروع تنمية السياحة الوطنية في المملكة العربية السعودية (1422-1441هـ) الذي أعدته الهيئة العليا للسياحة من الإشارة إلى أنه "تؤثر السياحة في البيئة الاجتماعية والثقافية وتتأثر بها، وعلى الرغم من وجود بعض المخاوف من أن تنمية السياحة في المملكة قد تؤدي إلى ظهور بعض التغيرات الاجتماعية غير المرغوبة، فإن التقويم الذي أجري بهذا الصدد يشير إلى أنه من غير المرجح أن يكون للسياحة في المملكة أية آثار اجتماعية أو ثقافية سالبة، وذلك لأن النمر الرئيس المتوقع سيكون ناتجا عن سوقين أساسيين هما سوق السياحة المرتبطة بالعمرة للمسلمين القادمين إلى المملكة للأغراض الدينية، والسوق المحلية المتمثل في المواطنين والمقيمين الذين يعملون ويعيشون في المملكة وهم يحترمون عقيدتها ويراعون تقاليدها.