الأمراض المهنية وأهمية التغطية في التأمينات
الأمراض المهنية هي تلك الأمراض التي تحدث للعامل نتيجة للتأثير الضار لبعض العوامل التي لا تنفصل عن بيئة العمل أو المواد اللازمة لمزاولة النشاط المهني، وبعبارة أخرى هو ذلك المرض الذي يظهر في شكل تغيرات مرضية تخالف في طبيعتها وأعراضها الحالات المرضية العادية.
ونجد مؤتمر العمل الدولي حرص على حماية العمال ونص على العديد من الاتفاقيات الدولية التي تنص على تلك الحماية منها اتفاقية رقم 18 وهي اتفاقية في تعويض العمال عن الأمراض المهنية، وبدأ تنفيذ هذه الاتفاقية في أول نيسان (أبريل) عام 1927، (وتلت هذه الاتفاقية اتفاقيات أخرى وذلك لاتساع دائرة الأمراض المهنية مثل اتفاقية 42 واتفاقية 121).
وبشكل عام فإن وصف المرض على أنه مرض مهني يجب أن يكون معتمدا على علاقة السببية بين المرض وطبيعة العمل, وعليه فإذا تعرض العامل المؤمن عليه للإصابة بأي مرض مهني وفقا لطرق تحديد الأمراض المهنية لكل قانون وهي إما بالطريقة المرنة أو الطريقة الجامدة أو الطريقة المزدوجة حيث يعتبر من ضمن أحكام الإصابات المهنية التي يكفل القانون علاجها.
ويثور في هذا المجال سؤال حول التفرقة بين المرض المهني والمرض غير المهني وكذلك حادث العمل, فبخصوص المرض غير المهني فهو من العوارض المألوفة التي قد تصيب الفرد فتسبب له العديد من المشاكل وتهدد أمنه الاقتصادي، حيث إن ذلك المرض يؤدي من جهة إلى التوقف عن العمل مدة قد تطول أو تقصر يتعرض العامل خلالها إلى فقد دخله من العمل, ومن جهة أخرى يتطلب مصروفات أخرى للعلاج كثمن الأدوية، وقد يتطور ليتحول إلى عجز دائم يقعد الفرد بصفة نهائية عن العمل، وبعبارة أخرى هو المرض الذي لا يتصل بالعمل فإن أصيب العامل المؤمن عليه بهذا المرض فلا ينشأ له الحق في المطالبة بالتعويض عن هذا المرض.
أما بخصوص الفرق بين المرض المهني وحادث العمل فهو مصدر الضرر الذي لحق العامل المصاب فإذا كان سبب حصوله مباغتا وخارجا فنكون بصدد حادث عمل، أما إذا كان حصوله بطيئا وبسبب داخلي فهو مرض مهني، على سبيل المثال (وفاة العامل على أثر عمله في جو شديد الحرارة وتحت شمس محرقة وذلك نتيجة لتعرضه لضربة شمس تعتبر وفاته ناجمة عن حادث عمل لأن ضربة الشمس تتصف بالفعل الخارجي ..) كذلك أيضا من الفوارق تحديد بداية المرض المهني، إذ لا يكون ذلك بالشكل الدقيق أو بالسهل كحوادث العمل.
وإن كان النظام عالج هذا الفارق بحيث اعتبر أول مشاهدة طبية للمرض يعتبر بحكم تاريخ وقوع الإصابة . وبناء على ما سبق من توضيح للمرض المهني والتفريق بينه وبين المرض غير المهني وحوادث العمل فإننا سوف نتطرق إلى النقاط التالية :
أولا : طرق تحديد الأمراض المهنية في الأنظمة المقارنة : في الواقع تختلف طرق تحديد الأمراض المهنية في الأنظمة التأمينية الاجتماعية وهي لا تخرج عن 3 طرق وهي كما يلي :
1 - الطريقة المرنة
ووفقا لهذه الطريقة يقرر النظام حماية العامل المؤمن عليه ضد جميع الأمراض المهنية كمبدأ عام بشرط أن يعرض الأمر في كل حالة مرضية على حدة على لجنة متخصصة للبت فيما إذا كان المرض الذي تعرض له العامل مرضاً مهنيا أم غير مهني، وغالباً تشكل هذه اللجنة من أطباء متخصصين أو من أطباء وخبراء في الأمن الصناعي.
2 - الطريقة الجامدة
تعتبر هذه الطريقة من أقدم الطرق لتغطية الأمراض المهنية وهي الأكثر شيوعا في دول العالم وأخذت بها اتفاقيتا هيئة العمل الدولية رقم (18) الصادرة سنة 1925 ورقم (42) الصادرة سنة 1934، حيث يتم بموجب هذا النظام إرفاق جدول بالأعمال المختلفة والأمراض المهنية التي يسببها كل نوع من أنواع الأعمال، وهذا الجدول يطلق عليه اسم الجدول المزدوج بحيث يحدد في أحد شقيه أسماء الأمراض المهنية التي يرى المشرع إدراجها فيه، وفي الشق الآخر من الجدول وأمام كل مرض الأعمال والمهن والصناعات التي تسبب حدوثه، وقد يكون الجدول مغلقاً تحدد فيه الأمراض المهنية والأعمال التي تسببها على سبيل الحصر، ولا يكون للجهة المسؤولة عن تطبيق أحكام قانون الضمان الاجتماعي أو لأي جهة أخرى الحق في إضافة أمراض جديدة إلى الجدول, وقد يكون الجدول مفتوحاً حيث يسمح بإضافة أمراض مهنية جديدة إلى الجدول إما بموجب إجراءات تشريعية مبسطة أو حتى بموجب قرار إداري من الجهة التي تباشر التأمين.
3 - الطريقة المزدوجة
حيث تجمع هذه الطريقة بين طريقة التغطية الشاملة وطريقة الجدول بمعنى أن يحدد النظام جدولاً يشمل مجموعة الأمراض المهنية التي كشف عنها الطب وقت وضعه، فإذا أصيب العامل بأحد هذه الأمراض كان مرضه مهنيا، أما إذا أصيب بمرض غير وارد في الجدول فإنه يعد مرضا مهنيا إذا ثبتت العلاقة بين المهنة و العمل الذي يمارسه العامل, وهذه الطريقة تجمع بين مزايا الطريقتين السابقتين.
وبناء على ما سبق من توضيح لطرق تحديد الأمراض المهنية في الأنظمة المقارنة فإننا نجد نظام التأمينات الاجتماعية السعودية أخذ بالطريقة الثانية وهي الطريقة الجامدة طريقة الجداول (المفتوحة) وذلك لما ذهب إليه من إمكانية تعديل الجدول المخصص للأمراض المهنية، حيث أشار النظام على تحديد الأمراض المهنية بموجب قرار يصدره مجلس الإدارة ويقوم بمراجعته كلما دعت الحاجة إلى ذلك
شروط تغطية الأمراض المهنية
أشار نظام التأمينات الاجتماعية السعودية إلى أنه تعد إصابات عمل الأمراض التي يثبت أن سببها العمل، كما تعد بالوصف ذاته الأمراض المهنية المحددة وفق الأصول المنصوص عليها في النظام، ويعد تاريخ أول مشاهدة طبية للمرض بحكم تاريخ وقوع الإصابة. كما أن النظام اشترط لاعتبار المرض مهنيا أن يكون مدرجا ضمن جدول الأمراض المهنية، وأن تكون المهنة التي سببت للمشترك هذا المرض من المهن المحددة في الجدول المذكور, وفي غير ذلك تعرض على المحافظ الحالات التي تتوافر فيها أدلة على أن المرض كان بسبب العمل.
كما أنه لا يستحق التعويض عن المرض المهني إذا ثبت للجنة الطبية أن هذا المرض بحالته ظهر على المصاب قبل تاريخ بدء اشتراكه في فرع الأخطار المهنية. وبناء على ما تقدم فإن شروط الأمراض المهنية وفقاً لنظام التأمينات الاجتماعية السعودي كما يلي :
الشرط الأول : أن تكون هناك علاقة سببية بين المرض والعمل: إذا ثبت أن المرض الذي أصيب به العامل المؤمن عليه قد حدث بسبب العمل وإن لم يكن هذا المرض، من ضمن الأمراض الواردة في جدول الأمراض المهنية فإنه يمكن اعتبار هذا المرض مرضاً مهنياً إذا توافرت تلك العلاقة حيث يتم رفعه لمحافظ المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية وذلك لأخذ الموافقة.
الشرط الثاني : أن يكون المرض الذي أصاب العامل المؤمن عليه من ضمن الأمراض في المهنة المدرجة في الجدول: حيث اشترط نظام التأمينات الاجتماعية السعودي أن يكون المرض الذي أصاب العامل المؤمن عليه من الأمراض المدرجة في الجدول وإلا لا يعتبر من إصابات العمل واستثناء إلى ذلك إذا ثبت أن المرض الذي أصاب العامل المؤمن عليه كان بسبب العمل فيمكن اعتباره من إصابات العمل وفقاً للشرط الأول.
الشرط الثالث : ألا يكون المرض الذي أصاب العامل المؤمن عليه بحالته قبل التحاقه أو اشتراكه في فرع الأخطار المهنية : ويقصد بهذا الشرط أن يكون المرض الذي أصاب العامل المؤمن عليه بعد التحاقه واشتراكه في نظام التأمينات الاجتماعية ولكن لو كان هذا المرض الذي أصيب به كان قبل اشتراكه أساسا في نظام التأمينات الاجتماعية فإنه لا يعتبر مرضا مهنيا ولكن في حالة استثنائية يمكن اعتبار هذا المرض مرضا مهنيا وهي حالة زيادة هذا المرض بسبب العمل فإنه يمكن اعتباره مرضا مهنيا لأن حالة المرض التي كان يعانيها العامل المؤمن عليه قبل اشتراكه في النظام زادت وتغيرت بسبب العمل.
وهذا ما أشار إليه النظام حيث لا يستحق التعويض عن المرض المهني إذا ثبت للجنة الطبية أن هذا المرض (بحالته) ظهر على المصاب قبل تاريخ بدء اشتراكه في فرع الأخطار المهنية .. وبناء على ذلك ووفقاً لمفهوم المخالفة إذا تغيرت حالة المرض ولم تبق على حالتها السابقة فإنه يمكن اعتبارها إصابة عمل كمرض مهني.
الشرط الرابع : أن يظهر المرض خلال مدة معينة حتى يتم اعتباره مرضا مهنيا : وبناء على هذا الشرط حقيقة راعت المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية تحديد مدة معينة للمرض المهني وذلك لصعوبة تطبيق ذلك في الواقع العملي واختلاف كل حالة عن حالة أخرى وعليه صدر قرار محافظ المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية على أنه لا توجد هناك مدة قصوى بل كل حالة تدرس على حدة, وتقرر اللجنة الطبية مدى اعتبار هذا المرض مرضاً مهنياً والمدة الكافية لظهور هذا المرض.
ولقد وفق في ذلك القرار في حقيقة الأمر في عدم تحديد مدة معينة لظهور المرض، حيث الفقه ينتقد مثل هذا التحديد لأن من الأمراض المهنية ما لا تظهر أعراضه إلا بعد انقضاء فترة طويلة مما يفقد معه العامل الحماية التأمينية دون مبرر، وهذا يدل على أن المؤسسة حريصة كل الحرص على الحفاظ لحقوق المشتركين في نظام التأمينات الاجتماعية وعدم ضياع حقوقهم.
3 - المنطقة المكشوفة
تتمثل التفرقة بين المرض والإصابة الناشئة عن حادث في أن الحادث يقع فجأة وسببه خارجي عن جسم المصاب، بينما المرض ينشأ بطريقة بطيئة نتيجة خلل داخلي في جسم الإنسان وليس كل مرض يصاب به العامل يعد مرضا مهنيا بل لا بد أن يكون منصوصاً عليه بالجدول، وقد ترتب على التفرقة أن الأمراض غير الواردة في الجدول لا يستحق عنها العامل تعويضات الإصابات المهنية حتى ولو أثبت علاقة السببية بينها وبين ممارسة العمل، وقد جرى الشراح على تسمية هذه الأمراض بالمنطقة المكشوفة، ومن أمثلة ذلك أمراض القلب التي تصيب العامل، وهذا المرض كثير الوقوع في العصر الحاضر ويرتبط ارتباطا مباشرا بطبيعة العمل دون أن تعد أمراضا مهنية لعدم ورودها في الجدول، ومما لا شك فيه أن عدم تغطية هذه الأمراض يؤدي إلى المساس بمصالح العمال لأن العامل إذا أراد أن يعوض عنها فليس أمامه إلا اللجوء إلى القضاء وإثبات خطأ صاحب العمل وفقا لقواعد المسؤولية التقصيرية، وهذا الإثبات يكون مستحيلا في معظم الأحوال، ومن هذا المنطلق حاول بعض القضاة والفقه في بعض الدول توسيع الحماية التأمينية، بحيث تغطي مثل هذه الأمراض، إذا أثبت العامل العلاقة السببية بين مرضه والعمل الذي يمارسه.
وبخصوص موقف نظام التأمينات الاجتماعية السعودية من تلك المنطقة المكشوفة نجد النظام نص صراحة على أنه تعد إصابات عمل الأمراض التي يثبت أن سببها هو العمل حيث إذا ثبت أن المرض الذي أصاب العامل بسبب العمل حتى ولو لم يرد من ضمن جدول الأمراض المهنية حيث يتم رفعها إلى محافظ المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بعد توافر الأدلة على أن المرض كان بسبب العمل وذلك حتى يصدر الموافقة منه.
أبرز الأمراض المهنية الشائعة
1 - إصابات العين
تتأثر العين نتيجة التعرض المتكرر للوهج والحرارة المرتفعة والضوء الشديد إلى الإصابة بأمراض قد تكون خطيرة، مثل: إعتام عدسة العين وضعف البصر.
2- أمراض السمع
بعض المهن تكون شديدة الضوضاء مما يؤثر سلبًا على السمع، كما قد يمتد الأمر للوصول لمرحلة فقدان السمع تمامًا، ومن هذه المهن: الحدادة، والنجارة، والمهن التي تتوافر في المحاجر
3 - أمراض في العظام والمفاصل
الاهتزازات الموضعية التي تتطلبها بعض الأعمال، مثل: أعمال الحفر والبناء والحفر بالصخر تُؤثر على العظام والمفاصل الصغرى لليدين بشكلٍ خاص
4 - أمراض الجهاز التنفسي
الإصابة ببعض أمراض الجهاز التنفسي، مثل: الربو تحدث نتيجة استنشاق بعض الأتربة الصناعية والمواد الكيماوية الضارة، وهذا يحدث كثيرًا مع عمال المناجم وعمال المحاجر وعمال صناعة الزجاج وعمال البلور
5 - السرطانات
الإصابة بالسرطان تحدث غالبًا نتيجة التعرض لغازات خانقة وكيماوية، وهي تكثر في صناعة مواد التنظيف
6 - آلام الظهر
التعرض لآلام الظهر يحدث نتيجة الجلوس لساعات طويلة على المكاتب أو الوقوف لفترات طويلة كما في مهنة التدريس
7 - متلازمة الإجهاد المزمن
الإصابة بمتلازمة الإجهاد المزمن تحدث نتيجة العمل لساعات وفترات طويلة دون أخذ قسطًا من الراحة
8 - أمراض أخرى
الضغوطات النفسية وآثارها السلبية على صحة العامل قد تؤدي للإصابة بأمراض القلب والسكري واضطرابات النوم.