الجمعة, 2 مايو 2025 | 4 ذو القَعْدةِ 1446


لصوص العقول أشد خطراً وأنكى جرحاً من سائر اللصوص

دعا الشيخ الدكتور سعد بن عبد الله بن بريك الداعية الإسلامي إلى مزيد من الاهتمام بالشبابَ ورعايتهم من قبل أسرهم والمؤسسات التربوية، وقال ليس بِدعًا أن تتواصل الدّعوات وتتابع النّداءات مِن كلِّ المخلصين الصّادقين إلى ضرورة العناية بهم والرّعاية لهم، حتى لا تنحرفَ بهم السّبل وتضلَّ بهم المسالك. وإنّ مظاهرَ هذه العناية وبوادرَ هذه الرعاية يجبُ أن تأخذَ حظَّها منذ لحظاتِ النّشأة الأولى ببذر بذور المعتقَد الصحيح الصافي من الشوائب في نفوسهم، وغرسِ معاني الحقِّ والخير في قلوبهم، واستنباتِ فضائل الأخلاق في ضمائرهم، وزرعِ عواطف الحبِّ لدينهم ولوطنِهم، وبتذكيرهم بمحامدِ خُلق الرِّفق والإحسان واللّين وخفضِ الجناح للمؤمنين، والمعاملة بالعدلِ والإنصاف للخلقِ كلِّهم أجمعين، وبتحذيرهم مِن نزغات الشياطين ونزعات المضلِّين وأصحابِ الأهواء مِن المفسدين والحاقدين الذين دأبوا على بثِّ الدّخيل مِن الأفكار والغريب من العقائد، وأيضًا بدوامِ الحِرص على المتابعة في جميع أحوالهم، وتوثيقِ الصّلة بهم، وبسؤالهم عمَّا يُشكل في عقولهم أو يحيك في صدورهم، وبإرشادهم إلى الأخذ عن العلماء الربّانيّين والصالحين المصلحين المشهودِ لهم بصحيح العِلم وصالح العمل، وهجرِ الأدعياء والمُغرضين والشّاذّين الذين يُضلّون غيرَهم بسوء كلامِهم وسوء فِعالهم التي تحملهم على التغرير بصِغار العقول وحُدَثاء الأسنانِ ودون مخافةٍ من الله المنتقِم الجبّار.
وأبان فضيلته أن لصوص العقول أشد خطراً، وأنكى جرحاً من سائر اللصوص.
فلا بد من تعاهد عقول الأبناء: قال السعدي: "وينبغي للوالد أن يشاور أولاده في الأمور المتعلقة بهم، ويستخرج آراءهم، ويعوّدهم على تربية أفكارهم وتنمية عقولهم". (الرياض الناضرة 1 / 415).
وقال فضيلته إذا كان العقل هو مناط التكليف في الشريعة الإسلامية فإن حفظه ضرورة لا غنى عنها ولا تستقيم حياة الناس دون ذلك. ( الإسلام وضرورات الحياة 112).
والعقل إن لم يجعل مطية للوصول إلى فهم كلام الله وكلام رسوله والتدبر في خلق الله وبديع صنعته فإن وجوده كعدمه، فيجب تسخيره في الوصول إلى الحق والمحافظة عليه من كل دخيل أو مذهب هدام أو نحلة باطلة. وحث على تربيتهم على حب العلم وأهله وذلك:
- بالتنويه بفضل العلم ومكانة العلماء وغرس ذلك في نفوس الأبناء, وبتعليمهم آداب طالب العلم.
- وبإعانتهم على التخصّصات العلمية التي تناسب استعداداتهم وميولهم. ولا بد من العناية بالجانب العقدي: قال ابن قدامة: ( فإذا بلغ الصبيّ فأول واجب عليه تعلّم كلمَتَي الشهادة وفهم معناهما، وينبغي أن يتعلّم الإيمانَ بالبعث والجنة والنار...).
وبين أن البناء الاعتقادي يكون بـ:
- تعليم الأبناء المسائل الإيمانية والمباحث العقدية.
- ضبط عاطفة الأبناء بضوابط العقيدة الصحيحة.
أما البناء الأخلاقي فمطلب في غاية الأهمية: قال ابن القيم: (ومما يحتاج إليه الطفل غاية الاحتياج الاعتناء بأمر خُلُقه؛ فإنه ينشأ على ما عوّده المربي في صغره ). (تحفة المودود 146). ويتمثل البناء الأخلاقي في :
- تعريف الأبناء بأهمية الأخلاق وغرسها في قلوبهم. قال: صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق ".
- الوقوف بهم على معالم الأخلاق وحدودها وضوابطها.
- تنشئتهم على القيم الأخلاقية في جميع المراحل العمرية، مع استخدام جميع الأساليب التربوية في ذلك.
قد ينفع الأدبُ الأحداث من صغر إنّ الغصون إذا قوّمْتها اعتدلت وليس ينفع بعد الشيبة الأدبُ ولن تلين إذا قوّمتها الخُشبُ.
وأضاف فضيلته أنه إلى جانب ما ذكر يجب العناية بالبناء التعبّدي: قال أبو الوليد الباجي لابْنيْه موصياً لهما: "وتنقسم وصيّتي لكما قسمين: فقسم فيما يلزم من أمر الشريعة ؛ أما القسم الأول فالإيمان بالله عز وجل... والتمسك بكتاب الله.. وإقام الصلاة فإنها عمود الدين.. ثم أداء زكاة المال لا تؤخّر عن وقتها.. ثم صيام رمضان فإنه عبادة السرّ وطاعة الربّ... ثم الحج إلى بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلاً..." ( الوصية للباجي 28 - 30 ).
مشيرا إلى أن البناء التعبّدي يتركز في:
- تنمية روح المحبة للعبادات بالتعريف بها وذكر فضلها وأهميتها.
- تنشئة الأبناء على العبادة منذ المراحل الأولى، وتدريبهم عملياً عليها بالأساليب التربوية.
- تحلية نفوسهم بالنيات الحسنة، وتطهيرها من النيات السيئة. قال: صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى ".
قال محمد بن عمران الضبي: (سمعت أبي يحكي قال: مرّ سفيان الثوري بزياد بن كثير، وهو يصفُّ الصبيانَ للصلاة، ويقول: استووا، اعتدلوا، سوّوا مناكبكم وأقدامكم، اتّكئ على رجلك اليسرى، وانصب اليمنى، وضَع يديك على ركبتيك، ولا تسلّم حتى يسلّم الإمام من كلا الجانبين، فقام سفيان ينظر، ثم قال: "بلغني أنّ الأدب يطفئ غضب الربّ). ( الحلية لأبي نعيم 7 / 79).
عوّد بنيك على الآداب في الصغر فإنما مثل الآداب تجمعها هي الكنوز التي تنمو ذخائرها كيما تقرّ بهم عيناك في الكبر في عنفوان الصبا كالنقش في الحجر ولا يخاف عليها حادث العبر.
وأكد أهمية التربية على الاندماج وعدم إغفالها في المجتمع:
قال القاسمي: ( الوقت الذي تمضيه في أداء الواجبات الاجتماعية ليس بوقت ضائع؛ لأن حبّ الغير ومعاونته والعمل على نشر العلم وتقليل وطأة الفاقة كلها من دلائل السعادة) (جوامع الآداب في أخلاق الإنجاب 16 ). وأوضح أن البناء الاجتماعي يكون بـ:
- تنمية روح الأخوة الإيمانية لدى الأبناء. (إنما المؤمنون إخوة).
- تعريفهم بأهمية الوحدة الإسلامية (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)
- تعليمهم الحقوق الاجتماعية، مع بيان أهميتها في بناء كيان المجتمع.

الأكثر قراءة