أخطاء شركة ديبنهامز .. مادة تدريسية لنا أيضا

أخطاء شركة ديبنهامز .. مادة تدريسية لنا أيضا

[email protected]

في مقالها المنشور في "الفاينانشال تايمز" الذي أعيد نشره مترجما في "الاقتصادية"، تقول الكاتبة إليزابيث رجبي إن شركة ديبنهامز أصبحت حالة مادة تدريسية للأخطاء التي يمكن أن تقع في صفقة أسهم خاصة. ولو أن الكاتبة اطلعت على واقع الشركات المساهمة أو الخاصة المزمع طرحها في سوق الأسهم لدينا لأمكنها وصف الحال هنا بأنه مجموعة من المقررات الدراسية التي تخرج دارسها بدبلوم عال محترم – في الأخطاء التي تقع قبل وبعد وأثناء صفقات الأسهم الخاصة والعامة أيضا. وقبل أن نعرج على واقعنا المحلي أود أن أورد هنا ملخصا لأهم ما ذكرته الكاتبة عن الأخطاء التي تسببت فيما اعتبرته فشلا إداريا شبه مقصود لشركة حالفها النجاح أعواما عديدة، قبل عملية شرائها من قبل تكتل عدة مجموعات أتبعه بداية لسقوط محتمل.

ملخص تحليل الكاتبة
الكاتبة أشارت في مقالها إلى كون الشركة كانت شركة ناجحة جدا في مجالها قبل شرائها من قبل تكتل من شركات الأسهم الخاصة عام 2003 ، وألمحت الكاتبة إلى أن الشركة بعد أن سيطرت مجموعات الأسهم الخاصة عليها قامت بوضع سياسة ربحية قصيرة الأجل مكنتها من تضخيم ربحيتها قبل إعادة تعويمها - طرحها في سوق الأسهم- الذي كان في عام 2006 . هذه الربحية ـ بحسب رأي الناقدين والكاتبة ـ أتت من خلال سياسة تعتمد على إثقال الشركة بالديون وتجريدها من الموجودات، وتقليص عدد الوظائف فيها واستخدام خاطئ للتدفقات النقدية، إضافة إلى البيع السريع عن طريق تخفيض الأسعار, ما سبب - بحسب رأي النقاد - تآكلا في علامتها التجارية. والحقيقة أن هذه السياسة أتت أكلها سريعا حيث أتت الأرباح ضعف ما اعتادت عليه الشركة في نهاية عام 2005. وبعد أن جنت شركات الأسهم الخاصة نصيبها من هذه الأرباح، بدأ التركيز ينصب نحو الخروج من الصفقة وبدأت الشركات الاستثمارية تشير على شركة ديبنهامز بأن الوقت هو الأنسب لطرح الشركة في السوق. وقد تم ذلك بالفعل ونجحت عملية الاكتتاب وإن كان النجاح على الحافة – كما تصفه الكاتبة- حيث وصل سعر السهم إلى 195 بنساً, وهو الحد الأدنى له وذلك في عام 2006، بعد ذلك بدأ مسلسل السقوط حيث إن السياسة الجريئة التي اتخذتها الشركة بتوسيع العمل في النشاط جعلت الشركة عرضة بشكل كامل لأبسط مشكلات النشاط وهو ما حدث لاحقا، حيث وصلت الأرباح إلى نصف ما هو متوقع فقط ما أثر في سعر السهم بطبيعة الحال الذي تراجع ليصل إلى 120 بنساً. ورغم هذه النتائج ورغم كل الشكوك التي تحوم حول نيات رؤساء الشركة للخروج التام منها أو بيعها لجهة منافسة بعد أن تم تحقيق أهداف هذه الصفقة، إلا أنهم ما زالوا يصرون على جدوى سياستهم وينسبون نزول الأرباح والسهم إلى أسباب أخرى لا علاقة لها بالإدارة ويعدون بمزيد من التوسع والخطط الجريئة التي ستحقق لملاك السهم بعض ما خسروه سابقا.
ومادام الحديث عن الوعود فلعلنا نرجع إلى واقعنا في المملكة حيث تكثر الوعود والواعدون لنجري مقارنة بسيطة جدا في ظل هذا الزخم الكبير من الاكتتابات، ما سبق منها وما هي قادمة- لنعرف ما إذا كنا في حاجة إلى هذا الدرس المجاني من الأخطاء الذي أشارت إليه الكاتبة أم لا؟ وأترك التعليق بعد ذلك لكم.

مقارنة ما حدث في "ديبنهامز" بتجاربنا المحلية
ابتداء لا بد من الإشارة إلى أنه لا توجد في المملكة حتى الآن - حسب علمي- شركات أسهم خاصة, ولذلك فإن المقارنة ستكون هنا حول مسألة الاكتتاب الأولي للشركات وما يتبعها أيا كان مصدرها، وليس حول شركات الأسهم الخاصة فقط. كذلك من المهم الإضافة أن صاحب الشركة التي ينوي صاحبها تعويمها ـ هنا - لا يحتاج إلى أن يضخم أرباحها لفترة بسيطة فقط كما فعل ملاك " ديبنهامز"، فذلك مطلب صعب بعض الشيء، ولكن ليتبع الخطوات التالي ففيها دليل مختصر حول طرق الخلاص من شركة عبر إنزالها للسوق. جل ما يلزم صاحب الشركة – كي ينزلها إلى السوق ويأكل الكعكة - أن يقوم بنقل الخسائر خارج الميزانية المعتمدة عبر إحضار إخصائي تجميل ميزانيات محترف للقيام بهذا الدور وما يتبعه من أدوار بسيطة، مثل تقليص المديونية أو حتى إلغائها – إن دعت الحاجة. بعد ذلك تأتي الموافقات الرسمية وموافقة هيئة سوق المال على إدراج الشركة بعلاوة إصدار شهية ومن ثم يتم الإدراج - سريعا إن لزم الأمر- ولا بأس بعد ذلك أن يتخلل عملية الاكتتاب بعض التوصيات الإعلامية للشركة أو للنشاط بدلا من الشركة (في حال الرغبة في إضفاء بعض المصداقية على هذه التوصيات)، أما بعد نزول السهم للتداول فالموضوع لا يحتاج إلى أكثر من الحفاظ على سعر السهم طوال الفترة القانونية التي لا يستطيع الملاك الأصليون البيع خلالها - من خلال التجمعات المالية والشائعات، واختيار التوقيت المناسب بعد انقضاء هذه الفترة للخروج, ولا بأس خلال ذلك أن يستعان بمحللين فنيين (إنترنتيون) أو فضائيين، يثبتون من خلال الرسوم البيانية - أو من دونها حتى - أن الوقت هو الوقت الأفضل للشراء كي يتمكن مالك السهم من البيع بسعر مرتفع يحقق من خلاله ربحا مضاعفا، يضاف إلى تلك الأرباح التي حصل عليها خلال فترة تملكه السهم، التي تم خلالها تجريد الشركة من معظم موجوداتها وإثقالها بالديون والوعود كذلك.

الخلاصة
إحقاقا للحق فقد بذلت هيئة سوق المال منذ إنشائها جهدا كبيرا رغم كثرة العوائق وحداثة التجربة وقسوة الناقدين، وإن كانت قد أخطأت قليلا فقد أصابت في كثير. وقد يكون مفهوماً الدوافع التي جعلت هيئة سوق المال في الفترة السابقة أكثر مرونة وسهولة مع الشركات المزمع إدراجها في السوق لامتصاص سيولة السوق وجعلها أكثر عمقا وذلك بعد السقوط القوي للسوق الذي كان نتيجة وجود فقاعة كبيرة في السوق من أهم أسبابها عدم وجود العمق الكافي رغم وفرة السيولة. إلا أن الإفراط والتفريط وجهان لعملة واحدة، وخروج بعض الشركات في الفترة السابقة من دون شفافية كافية – إن لطفنا العبارة - في قوائمها المالي وفي نشراتها الاكتتابية لا يقل سوءا عن الحظر السابق على إنزال شركات جديدة للسوق, وهو أمر غير مفهوم في الوقت الحالي, خصوصا مع وصول المؤشر إلى مستويات منخفضة نسبيا، والتدقيق في أمر بعض الشركات المزمع طرحها أصبح أمرا غاية في الأهمية، فالوقاية خير من العلاج.
إن في تجارب الآخرين لعبرا, وما سيق أعلاه هو لتجربة حديثة وفي سوق ناضجة ولشركة عريقة بدأت مسلسل السقوط، وكلي أمل أن نعي من دروس الغير قبل أن تكون أخطاؤنا هي الدروس. والله الموفق.

الأكثر قراءة