آبيات الحكمة المحكية حين تنافس أشعار زهير والمتنبي

آبيات الحكمة المحكية حين تنافس أشعار زهير والمتنبي

رحلت عن الدنيا أوائل هذا الشهر المطربة المغربية رجاء بلمليح، وظهرت إذاعة الرياض ببرنامجها الصباحي المنوع الأكثر قدرة إذاعيا على تناول الموضوع في حينه، من خلال تقرير واف لأبرز محطات النجمة العربية. التقرير استعان ببعض المقاطع لأجمل ما يمكن تذكره من أغنيات المطربة الراحلة، لتظهر الجدية هذه المرة في اختيار النص المناسب الذي يلائم التقرير المفعم بأخبار رحلة المرض والنهاية التي ألمت بصاحبة الصوت الرخيم، التي ودعت الدنيا في منتصف الأربعينيات من عمرها، ليختار المعد البارع في النهاية الأغنية الأجمل للفنانة والتي تناسب أية مناسبة من هذا النوع، عبر قصيدة تدعو للتسامح كتبت بلهجة محكية بيضاء، عبر كلمات تشتم فيها رائحة بخور المغرب وتسمع فيها صدى أمواج الخليج:
هكذا الدنيا تسامح
من غلط لا بد يعذر
و الكل آتي ورايح
و السبب هو المقدر
لا تشيلوا شي ثقيل
الثقل عـ الأرض خلوه
ومن غلط سامحوه
ليلي مضى و الصباح
أشرق بصبحه علينا
و الأمس ولى و راح
ماضي ولا به درينا
اجعلوا اللقيا قريبة
البعد لا تطولوه
ومن غلط سامحوه

تظهر الألحان الرائعة بثوب لائق حين تتدثر بكلمات لا يخجل منها أصحابها حين يخلدون إلى النوم كل يوم خوفا من عقاب المجتمع لهم و تكون رصيدا مضاعفا لهم - على الأقل جماهيريا- حين يخلدون إلى النوم الأبدي.
تلك الكلمات الرائعة التي تشبه الصدقة الجارية تتجسد في البيت الأشهر لشاعر الصحراء بندر بن سرور الذي قال عشرات الآلاف من الأبيات شرقا وغربا في المعاني و الأغراض و كانت حياته مزيجا من كل شيء غير أن محبيه حفظوا له بيته الأبرز:
وابرك من الدنيا إذا ادبر الليل
الركعتين اللي لوجهه نفيله
لتكون أفضل داعية لصلاة الليل من فم شاعر شعبي قال في القصيدة ذاتها يدعو إلى العفة:
احدٍ يحاول بالردى بنت عمه
واحدٍ يحاول ستر عذارى عوانيه
و في الحكمة أيضا يوصي الشاعر القديم الشريف بركات ابنه مالك بأمور عدة لتتحول قصيدته التي ناجى بها ابنه إلى إحدى أهم مرويات الشعر المحكي في منطقة الحجاز.
هرج النميمة والقفا لا يجي فيك
إياك عرض الغافل إياك وإياك
من نم لك.. نم بك.. ما فيه تشكيك
والياه قد زرى رفيقك.. وزراك
عندك هرَج فينا وعندي هرج فيك
والياك كارهنا.. وحنا كرهناك
و لا يبدو أن الشعر المحكي الداعي إلى الفضيلة والتسامح والقيم قد آل إلى الزوال مع شعر العمليات الانتحارية التي تذهب تطرفا إلى أحد جانبين متزمتين يدعو الأول إلى البغض والكره باسم أمته والآخر إلى الحب المفرط للنفس وتدليلها واقتحام المنتقدين بأبيات انتحارية وقنابل مسيلة لدموع الضحك والبكاء معا.
لن تزول أبيات الحكمة من الشعر المحكي حتى وإن خجل نجوم الشعر من ترديد أبيات حكمة قد تفقدهم نجوميتهم، وتسلبهم حياتهم الخاصة المشبعة بالغزل، غير أن الأذكياء منهم يستطيع الخروج من نفق التقليدية في شعر الحكمة الذاهب غالبا إلى مقولة "أوصيك"، دون الطيران في عوالم المجهول من معان وألفاظ، كاللافت دائما فهد عافت في رائعته التي جعل فيها تلك الأم التي يحلم بنموذج مشابه لها في الأمومة كل من قرأ القصيدة توصي ابنها بأروع الوصايا:
معي في الذاكرة بنت توصيني بمشط وشال
وصوت أمي يوصي لا تجي ربعك بخاطر عمس
وأنا أمك لا تنام بليلة إلا وانت خالي بال
و خل ادنى طموحك لا نظرت لنجمتين اللمس
وأنا امك لا صعدت اصعد مثل دعوة فقير الحال
والا منك نزلت انزل مثل غيثٍ بيحيي غرس
وعلى حد العطش ارسم فمك غيمة وخمس اطفال
وعلى حد الظلام اشعل يدك عصفورتين وشمس

الأكثر قراءة