مذهب الصدمة: صعود رأسمالية الكوارث!
يطلق مصطلح مدرسة شيكاغو على حركة قانونية معاصرة ساعدت على إحداث ثورة في التفكير القانوني في الاقتصاد في السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين. ترتكز فلسفة هذه المدرسة على فكرة أن الكفاءة الاقتصادية يجب أن تكون هي هدف القانون والسياسة القومية.
ثم يأتي دور ميلتون فريدمان، الذي أسس المذهب النقدي الحديث في الولايات المتحدة؛ هذا المذهب الاقتصادي يقوم على أساس أن توافر المال (والتغيرات التي تطرأ عليه) هو المحدد الأساسي للدخل والأسعار الاسمية في الاقتصاد.
فرضت هذه المدرسة، إضافة للدور الذي لعبه ميلتون فريدمان، مجموعة من السياسات الليبرالية الجديدة الاقتصادية مثل: التخصيص، حرية التجارة، وتخفيض الإنفاق الاجتماعي.
تعد هذه السياسات الاقتصادية الليبرالية الجديدة كارثية من ناحيتين. أولا: من ناحية نتائجها التي تتلخص في الركود الاقتصادي، الفقر الجماعي، ونهب الشركات الخاصة للثروات العامة. وثانيا: لأن الوسائل التي تتبعها هذه السياسات تعد عنيفة، فهي تعتمد على الاضطرابات السياسية والكوارث الطبيعية كذرائع لإصلاحات اقتصادية تهدف لتحقيق حرية الأسواق بما لا يقبله الناس في الظروف العادية، حيث يستغل "مذهب الصدمة" الفوضى العامة في أعقاب الصدمات الجماعية الهائلة مثل الحروب والهجمات الإرهابية والكوارث الطبيعية لتحقيق الهيمنة من خلال فرض حلول اقتصادية معينة.
يؤرخ الكتاب عشرات السنوات من مثل هذه الكوارث والتي منها البيع الفاسد لاقتصاد دولة روسيا للأقلية في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي، وتخصيص المدارس العامة في ولاية نيو أورليانز الأمريكية عقب إعصار كاترينا، واستيلاء الشركات المستثمرة في مجال القرى السياحية على قرى الصيد المحطمة عقب إعصار تسونامي الآسيوي.
التحليلات السياسية والاقتصادية التي قدمها الكتاب ليست دائما على الدرجة نفسها من الدقة. يشبه الكتاب علاج صدمة الأسواق الحرة بالتعذيب الصدمات الكهربائية، وتدمج كل خطايا الديكتاتورية اليمينية ببرامجها الاقتصادية.
كما يرسم صورة مبسطة للصراع الدائر على أرض العراق على أنه صراع على الليبرالية الجديدة التي تحاول الولايات المتحدة فرضها هناك. لكن من الحقائق التي يذكرها الكتاب أنه في الوقت الذي تمر فيه الحرب الأهلية العراقية بأكثر منعطفاتها فوضى، نجد قانونا جديدا يصدر يعطي لشركات نفط أمريكية الحق باستغلال احتياطي النفط الهائل في العراق.
إلا أن الكثير من النقد الذي يوجهه الكتاب يصيب كبد الحقيقة ويكشف كيف يرحب واضعو أيديولوجيات السوق الحر، بل ويشجعون انهيار النظم الاقتصادية للدول الأخرى. وتكون النتيجة هي إدانة شعبية قوية للمبادئ الاقتصادية السائدة.
كما يكشف الكتاب عن الرابطة بين التجارب التي أجريت بتمويل من وكالة الاستخبارات الأمريكية في فترة الخمسينيات من القرن العشرين حول الصدمات الكهربائية والحرمان الحسي، وبين أدلة التعذيب المستخدمة في جوانتانامو في الوقت الحالي.