تربية الطفل
"الطفل أب للرجل" كما يقول الإنجليز، وهو قول صحيح لأن الرجولة مهما اختلف لونها، ليست إلا ثمرة لهذه البذور التي نبذرها في تربية الطفولة البريئة، "إن خيراً فخير وإن شراً فشر"، وأصدق من ذلك قول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:( مامن مولود يولد إلا على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه).
ولهذا أصبحت أقوى الطرق في التأثير وأسرعها في تغيير الشعوب ما كان مستهدفاً الأطفال ، يقول الفيلسوف ليبنتز قوله المشهور: ( سلمني قياد التربية وأنا كفيل بتغيير وجه أوروبا في قرن واحد من الزمان) يريد بذلك أنه يستطيع أن يصنع ما يشاء من الرجال مادامت تربية الأطفال بيده يتوجه بها حيث شاء.
فما أحوجنا إذن إلى وضع الخطط والبرامج المحكمة التي تقود أطفالنا إلى رجولة قوية واعية، واثقة بنفسها، معتزة بدينها وقيمها، مزودة بالعلوم العصرية الحديثة.
وليس من شك في أن أمثل الطرق التي تحقق لنا هذا الغرض، هي ما سارت مع طبيعة الطفل وغريزته، بمعنى أن نقدم له من وسائل التربية ما يتفق مع غرائزه التي تختلف باختلاف مراحل عمره، والواقع يشهد أننا أقل الشعوب عناية بالأطفال وتلبية متطلباتهم وحاجاتهم النفسية، وإن كنا نشهد إفاقة محدودة عبر مدارس رياض الأطفال التي بدأت تنتشر، وبعض الكتب والقصص من هنا وهناك، ولكنها دون المطلوب بلا شك، وتعجز أن تفي بحاجات الطفل فهي محاولات ينقصها الاحتراف والإبداع والجذب والتشويق، وقد زرت عدداً من مكتبات مدارسنا في المرحلة الابتدائية فرأيت عجباً، رأيت كتباً لاتناسب ثقافة المرحلة ولا سنها. والكتب عبارة عن مراجع وقواميس لغوية ومجلدات كبار في أدق التخصصات! وهذا بطبيعة الحال يمثل إهمالا كبيرا من وزارة التربية والتعليم في هذا الجانب. وقد سبقتنا الأمم الأخرى واهتمت بهذا النوع من التأليف وأنفقت في سبيل ذلك أموالاً طائلة، وقد كانت فرنسا أسبق الأمم إلى إخراج كتب الأطفال ففي القرن السابع عشر بدأت حركة العناية بالطفل من الكُتّاب والأدباء والشعراء، وظهر اسم ( بيرو) الشاعر الشهير فقد أخرج بعض القصص بأسلوب سهل وعبارة جذابة، ثم أخرج مجموعة ( أقاصيص وحكايات الزمن الماضي) وكان لها صدى عند الأطفال آنذاك، وظهر في القرن الثامن ( جان جاك روسو) ونشر آراءه في تعليم الأطفال وتربيتهم. وظهر بين عامي (1747-1791) أديب كبير منح الأطفال قسطاً كبيراً من عنايته فأنشأ لهم صحيفة خاصة بهم أطلق عليها ( صديق الطفل) وامتاز بأسلوب في منتهى السهولة واللين، ولم يكتف بما في لغة بلاده بل نقل كثيراً مما ورد في لغات الأمم الأخرى، وبهذا استطاع أن يسد فراغاً كبيراً، وأن يشبع رغبة الصغار في القراءة، ولم تشرق شمس القرن التاسع عشر حتى كثر عدد الذين زاولوا هذا النوع من التأليف.
وفي القرن العشرين بلغ عدد ما يطبع سنوياً من قصص الأطفال بضعة ملايين، كما أن الصحف الخاصة بهم كثرت وانتشرت في كل مكان.
وتأثر الإنجليز بالفرنسيين، في وقت مبكر حيث ظهرت أسماء لامعة في العناية بأدب الطفل، منهم ( نيوبري) صاحب أكبر مكتبة خاصة للأطفال، والكاتب الكبير ( توماس داي)، وبعد ذلك ( دي فو) مؤلف قصة ( روبنصن كروزو) التي نالت شهرة واسعة ونقلت إلى جميع لغات العالم. ونسجت على منوالها قصص كثيرة في أوروبا وغيرها، وتتابع الحراك الثقافي والأدبي فيما يخص الطفل لتظهر فيما بعد قصة ( أليس في بلد العجائب) لمؤلفها (لويس كارول - وبيتربان ).
وفي عصرنا هذا حفل أطفال الإنجليز بكل ضروب العناية وأخذ تعليم الطفل وتربيته أبعاداً كبيرة وفق تخصصات أكاديمية ومسارات جامعية ومدارس ومراكز لها عناية فائقة بالطفل إضافة إلى بحر زاخر من البحوث والدراسات، وسار على منوال إنجلترا باقي دول أوروبا، وسابقت أمريكا دول أوروبا فأنشأت مكاتب عامة للأطفال، ووكلت إدارة بعضها إلى مجموعة من الأطفال، وتطبع اليوم في أمريكا ملايين القصص وتصدر مئات الصحف التي يشرف عليه الأطفال ويحررونها.
وفي عالمنا العربي مازلنا نحبو في هذا الميدان ، مع الاعتراف بأن هناك محاولات فردية كتب لبعضها النجاح.