هدايا تحمل مفاهيم خاطئة يقدمها معلمون باجتهادات ذاتية لطلابهم
أبدى تربويون ومختصون تخوفهم من تحول هدايا تقدم لطلاب المدارس المتفوقين من محفز إيجابي إلى خطر حقيقي ينذر بتعليم الطلاب والطالبات سلوكيات خاطئة، كما أنها تتجاهل تحقيق أكبر قدر من تطوير قدراتهم الذهنية والبدنية وكذا رغباتهم النفسية والانفعالية.
وطالب مختصون وتربويون بضرورة تقنين توزيع الألعاب والجوائز والهدايا المدرسية، التي توزع من المعلمين والمعلمات وإدارات المدارس لطلاب وطالبات المرحلة الابتدائية خاصة وجميع المراحل الدراسية الأخرى كنوع من التحفيز والتكريم للمتفوقين والمشاركين في الأنشطة المدرسية.
ونبه المختصون إلى ضرورة النهوض بفكر النشء في انتقاء ما يقدم من الهدايا الطلابية، لما لها من الأثر البالغ في التربية وتنمية العقول ونموها النفسي والانفعالي، وكذا نبذ الألعاب المرسخة لمفاهيم العنف والعدوانية وأنها ستقود لنتائج سلبية على الطالب في المدرسة والمنزل والمجتمع.
أكد البروفيسور يوسف الرميح أستاذ علم الإجرام والجريمة ووكيل كلية اللغة العربية والدراسات الاجتماعية في جامعة القصيم، أن إهداء الألعاب في المدارس من المعلمين لطلابهم هي من الأمور الضرورية جدا خاصة لصغار السن، فهي تساعد على نموهم العقلي والنفسي والاجتماعي ومحاكاة الحياة.
وقسم الألعاب إلى ثلاث: المفيدة التي تعودهم الصبر والتفكير، والقيم الجيدة، والنوع الثاني: هي الألعاب التي تضيع أوقاتهم في التسلية واللهو دون فائدة تذكر، بينما يحوي القسم الثاني من الألعاب إلى جانب كونه سلبيا فهو الذي يقود إلى السلوك السيئ، ويعلمهم العنف والقتل، التي يهديها المعلم لطلابه رغبة منه في تقديم شيء محبب إلى نفوسهم، بينما هي في حقيقة الأمر تعلم القتل وتولد حب العنف والجريمة.
وذكر الرميح أن أمريكا من أكثر دول العالم في جرائم القتل، إذ كشفت دراسات حديثة أن الطفل في عمر سنتين إلى 15 سنة بإمكانه الاطلاع على 14 ألف حادثة قتل عن طريق ألعاب البلاي ستيشن، وهذه تعتبر مأساة حقيقية.
ووصف القسم الثالث من الألعاب التي قد تلامس أيدي الطلاب بأنها تمثل خطرا فكريا، عن طريق التشكيك في الدين والعقائد، وجميع هذه الألعاب لها جوانب سلبية على الطلاب خاصة من لديهم مشاكل نفسية، سلوكية، واجتماعية كالطلاق وعنف الوالدين، وبذلك تنمي هذه الألعاب الخطرة فيهم حب الانتقام والرغبة في القتل ونحوه من الجرائم الأخرى.
ونبه على ضرورة توخي الحذر من وصول عدد من الألعاب الشهيرة إلى متناول أيدي طلابنا مثل ميكي ماوس الذي يعلم الأطفال قيما غريبة كوجود قوى خارقة لديه، وكذا باباي الذي يشعرهم بأنه عندما يفتح علبة من السبانخ
تبرز له العضلات ويكون قويا، وهذا يشجع على أكل المعلبات، بينما نحن نحتاج إلى توعية طلابنا وطالباتنا بأهمية الأكل الصحي ودوره في تنمية قدراتهم ونمو أجسامهم.
وشدد على أن ألعابا من هذه النوعية قد تقود إلى تشوه فكري كأقل ضرر ممكن أن تقوم به إن لم تجعل الطالب أو الطالبة ينحرفان، وهنا يبرز دور المعلم والمعلمة أكثر من رب الأسرة، فهم من يقفون أمام العشرات من الطلاب والطالبات، بينما رب الأسرة قد يكون له ابن أو اثنان.
وتذمر من عدم وجود الألعاب الترفيهية المفيدة في مدارسنا، وعدم معرفة المعلمين والمعلمات بأهميتها ودورها في تكوين شخصية الطالب وقدرته على الإبداع، إذ من الأهمية التركيز على ألعاب تحتوي على فك وتركيب تنمي لديهم قوة الإبداع والتحمل، فعندما يفشل للمرة الأولى لا ييأس يحاول مرة أخرى وهكذا.
وطالب الرميح وزارة التربية والتعليم بتوفير هدايا (تربوية)، حتى وإن تم تحديد نوعها لتفسح المجال للمعلمين بالاختيار منها بدلا من ترك الأمر لاجتهاد المعلم والمعلمة.
في السياق ذاته، أكد الدكتور سلطان العويضة أستاذ علم النفس في جامعة الملك سعود في الرياض، أن ثقافة التفكير في اختيار الألعاب للأسف الشديد غائبة في مدارسنا، ما أفرز في مجتمعنا طلابا وطالبات غير قادرين على حل الكثير من المشكلات التي تصاحب حياتهم اليومية.
وأضاف: ألعاب طلابنا وطالباتنا خاصة من هم في أعمار سنية صغيرة هم في أمس الحاجة إلى ألعاب تنمي جوانب ثلاثة مهمة هي: النمو الوجداني، المعرفي العقلي والذهني، والسلوكي، إذ يفترض للمعلم والمعلمة أن يختاروا هداياهم التي يقدمونها للطلاب بناء على هذه الاعتبارات الثلاثة.
ووصف اختيار الألعاب بأنه أشبه باللعب بالنار، فالكثير منها صمم بناء على فلسفة تسعى لتحقيق أهداف معينة مثل ألعاب البلاي ستيشن، وهنا نتفق مع المجتمع التعليمي أن الهدايا من المحفزات المهمة للطالب، ولكن المهم هو في اختيار النوعية المناسبة لمختلف فئاتهم العمرية.
وأوصى العويضة بضرورة بالبحث عن تقديم هدايا تفيد في تعلم أبجديات التفكير السليم، فكلما كان في اللعبة تعقيد بسيط يحاول الطالب والطالبة فكه وتركيبه بشكل علمي كانت النتيجة فاعلة، على النقيض من ألعاب اللهو والمرح والمتعة، والتي لا يمكنها تقديم أكثر من ذلك.
واعتبر تغييب ثقافة اختيار الألعاب في المدارس بشكل سليم أحد مسببات عدم وجود مخرجات تعليمية جيدة في الجامعات، بدليل عدم قدرة الكثير من طلاب الجامعة على البحث العلمي، والانتقاء، وجودة الإملاء، ما يجعل الطلاب متكتلين بطريقة تثير كل من لديه غيره.
ولخص الحلول بأهمية إحداث قسم في وزارة التربية والتعليم يعنى بالوسائل التعليمية، ويجول الأسواق لاستقراء أبعاد الألعاب المتناثرة، ودراسة الأجدى منها لتقديمها في المدارس، وكذا أهمية تفعيل دور الإعلام المرئي والمقروء والمكتوب لبيان دور الهدية المفيدة في تنمية مهارة الطالب والطالبة، والعكس، أيضا دور الخطباء في المساجد بالتوعية، ورجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في التفتيش عن الألعاب غير الجيدة، وأخيرا دور عمد الأحياء في توعية أهالي الحي بأهمية اختيار اللعب المناسبة.
من جهته، اعترف نايف الطامي معلم صفوف أولية أنه لا تتم انتقاء الهدايا التي توزع على الطلاب، ولا يراعى في ذلك اهتمامات الطالب العمرية والنفسية، وأرجع ذلك إلى عدة أسباب أهمهما: غلاء بعض هذه الهدايا، وتكون مكلفة جدا لو وزعت على جميع الطلاب، خاصة أن ما يقدمه المعلم من جوائز تقوم على جهد ذاتي منه.
وأوضح: أيضا وإن قلنا إن هناك هدايا غير مكلفة ومفيدة في الوقت نفسه، فإنها تكاد تكون معدومة في أسواقنا، ومن الصعوبة الحصول عليها.
وتساءل عن ما يمكن تقديمه لطلاب الرابع والخامس والسادس الابتدائي من هدايا فهم مظلومون فعلا، حتى وإن قدمت لهم كاسات توضع في مطبخ منزلهم، أو ساعات تعلق فما الفائدة المرجوة من ذلك، وهنا لابد من عدم إغفال هدايا الطلاب والتنبيه على أهميتها حتى في علاج الكثير من الأمراض التي تواجه الطلاب كالانطواء والعزلة.
التحفيز والتشجيع من الأساليب الإنسانية المطلوبة في جميع المجالات العملية لأنها تسهم بشكل فاعل في رقي العمل وخلق التنافس فيه بين الموظفين فما بالك إذا كان ذلك التحفيز والتشجيع في مجال التربية والتعليم، فمن منا لا ينتظر التشجيع بكلمة وهو يعلم جيدا أنه يعمل ويجتهد من أجل الآخرين وفي الغالب لا ينتظر شكرا من أحد، فيأتي التشجيع له كالبلسم الشافي المعزز لنجاحه في العمل ورقيه في عمله.
ويرى إبراهيم بن سعد العباد مرشد طلابي في متوسطة أبي برزة الأسلمي
من خلال خبرته أهمية كون الهدية أو الجائزة تناسب المرحلة العمرية التي يمر بها الطالب في المراحل الدراسية الثلاث، ويجب علينا أيضاً أن نفرق بين الطفل في التمهيدي والطفل في الصف الرابع وهذا ما تحتاج إليه مدارسنا فعلا لتوفير ما يلائم سلوك الطلاب وينمي عقولهم.
وشدد على أهمية إشراك الطلاب في اختيار الجائزة التحفيزية بشكل مباشر أو غير مباشر، مستشهدا بتجاربه في عمله بحيث يوضع أمام الطالب نوعيات مختلفة من الهدايا وهو يختار ما يناسبه منها، وعلى ضوء ذلك تعرفت على اهتمام الطلاب بالجائزة شكلاً ومضموناً وبالتالي نعمل هنا على بناء شخصية الطالب ومراعاة ميوله واتجاهاته.
وطالب العباد أن تكون هناك لجنة متخصصة، كرعاية السلوك إضافة إلى عدد من الآباء المؤثرين في الجمعية العمومية لمجلس الآباء لانتقاء الأنسب ليقدم كجوائز مفيدة للطلاب، بحيث تكون ذات قيمة أدبية وتربوية وفي الوقت نفسه تكون مؤثرة في سلوك الطالب وإنتاجه وابتكاره وحضوره الفكري والعلمي.
ويرى سليمان بن حمد الطريف أن هدايا النجاح الموزعة من قبل المدارس سواء الأهلية أو الحكومية غالبا ما تفتقد إلى الهدف الأساسي منها وهو التشجيع والتحفيز على الدراسة، وذلك لأن جميع الطلبة يأخذون هدية "الشاطر وغيره" فهنا يحبط الذي بذل جهدا طوال السنة لأنه تساوى بالآخر.