تحذير : تصارع كتل هوائية وهجمات سيبيرية يجمدان الأجواء السعودية
تعرضت أجواء المملكة خلال الأيام الماضية لنفحات برد قارصة وأثر فيها تأثيرا بالغا تدنت على أثرها درجة الحرارة إلى معدلات حرجة جدا خاصة في المنطقة الشمالية منها والوسطى . ومما زاد من الوطأة هو أن البرد كان مصحوبا برياح شمالية أو شمالية غربية مخلفة الصقيع وتدنت درجة الحرارة إلى ما دون الصفر في بعض المناطق المكشوفة. وما زلنا نعيش فترة التدافع بين المرتفعات والمنخفضات الجوية بما يسمى تصارع الكتل أو الجبهات الهوائية فتحاول كل جبهة فرض سيطرتها على المنطقة بكل ما تحمله من قوه فيتولد عنه عدم استقرار الجو. وفي فصل الشتاء وبالتحديد خلال موسم المربعانية والشبط تسيطر عليها كتله هوائية قارية باردة جافة تتقدم نحوها من أواسط آسيا ومن هضبة إيران فتسبب ارتفاعا في الضغط الجوي وانخفاضا في درجة الحرارة وصفاء وجفافا في الجو وقد يتشكل الصقيع خاصة في الأجزاء الشمالية من المملكة بسبب انخفاض درجة الحرارة.
وتظل الضغوط الصيفية موجودة ولكنها تتعرض لتغيرات أساسية تنتج عنه هجمات شرسة من المرتفعات الشمالية الباردة وخاصة المرتفع السيبيري ففي بطاح سيبيريا يستوطن هناك مرتفع جوي يدخل علينا منه لسان من الهواء البارد ومن مظاهره صفاء تام في الجو وزرقة في السماء وتتأثر به بلدان شرق البحر الأبيض المتوسط والعراق والشام وشمال ووسط شبه الجزيرة العربية ولا تتأثر به بقية بلدان الخليج والنصف الجنوبي من شبه جزيرة العرب. وسبب البرودة الشديدة المصاحبة للمرتفع الجوي هذه المرة هو مروره على مساحات واسعة وشاسعة من الأراضي الملبدة بالجليد وانحداره الشديد. وعندما ترتفع قيم الضغط يتكون لدينا مرتفع جوي وفي هذه الحالة تكون المنطقة التي يسودها هذا المرتفع منطقة طرد للسحب وتسودها في الغالب رياح جافة حارة في الصيف وباردة في الشتاء.
وعندما تلتقي كتلتان من الهواء تتكون جبهتان من الهواء البارد والهواء الدافئ فتصطدم هاتان الجبهتان مع بعضهما البعض فيؤدي إلى حالة عدم الاستقرار الأمر الذي يساعد على ارتفاع الهواء الدافئ المحمل ببخار الماء إلى أعلى ونزول الهواء البارد إلى أسفل مما يساعد على نزول المطر.
. والبرد الحاصل الآن يرجع إلى موسم برد الانصراف والذي يتزامن مع هجمات المرتفع السيبيري القاسية على الجزيرة والمثل العامي يقول (لا برد إلا بعد الانصراف ولا حر إلا بعد الانصراف) أي لا يأتينا البرد الفعلي الذي يدخل مع الإنسان في فراشه إلا بعد انصراف الشمس.
والشمس بدأت تنصرف من الجنوب إلى الشمال منذ 21 /12/2007م وبحساب العرب هذا البرد يسمونه برد القلب ويقول العرب (إذا طلع القلب جاء الشتاء كالكلب) ونجم القلب يرى الآن.
ويتوافق برد الانصراف مع اقتران القمر في الثريا في اليوم التاسع الذي يقول فيه العامة (قران تاسع برد لا سع) فالعرب لا حظوا أن القمر يقارن أشهر نجوم السماء وأبرزها عندهم نجمة الثريا وذلك في اليوم نفسه من الشهر القمري الذي يأتي في فصل معين. وعلى هذا الأساس عرفوا أن أول فصل الشتاء هو عندما يقارن القمر نجمة الثريا ليلة الـ 11 منه وقالوا في ذلك (قران حادي برد بادي) أي إذا اقترنت الثريا بالقمر يوم الـ 11 من الشهر الهجري فإن ذلك دليل على ابتداء موسم البرد وبما أن القمر يدور حول الأرض مرة كل (27) يوما ونصف اليوم والشهر القمري نحو(29) يوما ونصف فإن القمر يتقدم نحوا من يومين في كل شهر عن الشهر الذي سبقه فهو يقارن بعد ليلة الـ 11 في ليلة التاسع في الشهر التالي فيقولون في ذلك(قران تاسع برد لاسع) أي أن هذا الاقتران دليل على ابتداء موسم البرد الشديد ويكون هذا في موسم المربعانية ثم يأتي القران الذي بعده في ليلة السابع من الشهر ويقولون في ذلك (قران سابع مجيع وشابع) أي أن هذا الاقتران دليل على ابتداء موسم الربيع لكنه لم يكتمل فمن المواشي جائعة ومنها شابعة.
ثم في الشهر الذي يليه يظهر الكلأ بصورة وفيرة ويزدهر الربيع فيقولون(قران خامس ربيع طامس) والذي يليه (قران ثالث ربيع ذالف)دلالة على نهاية موسم الكلأ وذبول الأعشاب ثم بعد ذلك(قران حادي على الماء ترادي)أي أن الماشية ترد على الماء دلالة على موسم الحر وبداية الصيف.
ومما ينبغي التنبيه إليه أن البرد المتناهي لم يحل حتى الآن وفي مقبل الأيام ستتوالى علينا هجمات البرد المؤلمة والقاتلة إذ إن المرتفع السيبيري الآن التهم بلاد الشام ويستعد للهجوم العنيف علينا من جديد وكل هجمة من جانبه تكون أشد وطأة من سابقتها وخاصة بعد دخول موسم الشبط في مطلع السنة الهجرية الجديدة.
الباحث الفلكي
عضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك