جامعة الملك سعود والوفاء !
الدكتور عبد الوهاب عزام أول مدير لجامعة الملك سعود – يوم كان اسمها جامعة الرياض - ووافته المنية بالسكتة القلبية بعد عصر الثامن من رجب 1378هـ - 18 كانون الثاني (يناير) 1959م، والقلم بين أصابعه ولا ندري ما كان يكتب؟ ربما كان مشغولاً بأمر الجامعة الناشئة يرسم سياساتها ويبني كيانها. وعبد الوهاب عزام عالم مصري وأديب وشاعر وسفير ووزير، وتاريخه حافل بالعطاء والتفوق، كان يجيد – رحمه الله - اللغة الإنجليزية والفرنسية والتركية والفارسية والأوردية، وهو مطلع على آداب هذه اللغات والنتاج العلمي لكبار كتابها من نثر وشعر. وهذا الانفتاح شكل ملكات عزام الفنية وجعله مرهف الإحساس عذب العبارة، وصار له أسلوب متميز في الكتابة جمع بين الجزالة والسلاسة، مع عاطفة دينية جياشة وتواضع جم وخلق رفيع.
في عام 1923م نال درجة الدكتوراة من جامعة لندن ثم عاد إلى القاهرة فمنح شهادة الدكتوراة في الأدب من جامعتها، ودرّس الفارسية في كلية الآداب في الجامعة المصرية، ثم كان عميداً لتلك الكلية، إلى أن عين وزيراً مفوضاً لمصر في السعودية عام 1948م، ثم انتقل إلى باكستان سفيراً، ثم عاد إلى السعودية سفيراً سنة 1954م وبعد انتهاء عمله طلبت منه الحكومة السعودية آنذاك إنشاء جامعة الرياض.
ومن مؤلفاته: (فصول من المثنوي)، ترجمها من الفارسية وعلق عليها و( ذكرى أبي الطيب بعد ألف عام)، ( محمد إقبال سيرته وفلسفته وشعره)، الأوابد، (الشوارد)، (النفحات)، ( رحلات) و( المعتمد بن عباد) وغيرها. وهو من أعضاء المجامع العلمية في سورية، مصر، العراق، وإيران.
وحين مات عبد الوهاب عزام تم نقله بالطائرة إلى القاهرة ودفن في حلوان.
وصمتت الجامعة، ومضت 50 عاما على وفاة عزام تعاقب على الجامعة مديرون اتفقوا على عقوق هذا الرجل. أكرم المصريون عبد الوهاب عزام بعد وفاته وكنا أحق بالوفاء والإكرام منهم، فضلاً عن كونه من أعلام الأدب والثقافة في العصر الحديث، فإن له حقاً على السعوديين عموماً وعلى جامعة الملك سعود خصوصاً، فهو المؤسس وواضع اللبنة الأولى في بنائها الشامخ. كان المأمول من الجامعة أن تحيي ذكر عبد الوهاب عزام بجمع مقالاته الكثيرة في تضاعيف المجلات وتطبعها وتنشرها للناس وهي تمثل ذخيرة علمية قيمة، وتعيد طباعة كتبه وتسهم في نشرها، وتطرح أدبه وحياته ضمن رسائل الماجستير والدكتوراة في كلية الآداب، وتسمى إحدى قاعتها باسمه، وتكرم أبناءه وذويه أن تقدم لهم منحا تعليمية مجانية في الجامعة تقديراً وعرفاناً لأبيهم. ومما يؤسف له أن الغربيين أكثر وفاءً منا لأصحاب الفضل والعلم والمقامات، والتنكر عند الشرقيين يكاد يكون ظاهرة ملموسة.
وجامعة الملك سعود تشهد الآن حراكاً علمياً وثقافياً ومعرفياً غير مسبوق ومديراً نابهاً يسعى جاهداً إلى الارتقاء بالجامعة، وإني لأرجو أن يجد هذا الكلام صدى يرفع العقوق ويحفظ الحقوق، وطابت أيامك.