القمح يقود إعادة هيكلة القطاع الزراعي
يشكل الخبر الذي انفردت به "الاقتصادية" السبت 20 ذو الحجة بخصوص القرارات الاستراتيجية الزراعية الجديدة، وأهمها تخفيض كمية شراء القمح المنتج محليا بواقع 12.5 في المائة سنويا اعتبارا من الموسم المقبل خطوة مهمة نحو إعادة هيكلة الزراعة في المملكة من أجل المحافظة على الموارد المائية وتبني سياسة يراها المشرعون أكثر واقعية لتحقيق مفهوم الزراعة المستدامة.
فما آثار وتبعات هذا القرار الاستراتيجي المتوقعة والمأمولة؟!
الجواب:
لطالما اعتبرت الزراعة في المملكة، كما هو الحال في معظم دول العالم، أهم مستهلك للمياه. مع الفارق في وضع المملكة من حيث اعتماد الري الزراعي فيها على المياه المستخرجة من المكامن الجوفية، وعلى نقيض الدول الأخرى ليست لديها أنهار دائمة الجريان وشحيحة التعويض وتغذية المياه الجوفية الواقعة في الطبقات الرسوبية في الوقت الذي تنتشر فوقها أكثر من مائة ألف بئر. وتقدر بعض الدراسات مجموع سحوبات المياه الجوفية لأغراض الري الزراعي في السنوات الثلاثين الماضية بـ 463 مليار متر مكعب (أي ما يعادل تقريباً ستة أمثال الجريان السنوي الذي يتدفق من نهر النيل) وذلك بحسب وثيقة للبنك الدولي.
وأن ما يقارب 80 في المائة من تلك الكميات من المياه تم استخراجه من ممر الرياض – القصيم – حائل.
كما وأن نتائج الدراسات الهيدرولوجية التي أنجزت حديثاً توضح دون شك تأثر أوضاع المياه الجوفية في الطبقات الرسوبية التي تمت دراستها.
لذلك ينظر الداعمون لقرار وقف زراعة القمح تدريجياً على النحو المذكور إلى أنه بالإمكان توفير 1300- 1500 متر مكعب من المياه عن كل طن قمح يتم استيراده من الخارج بدلاً عن المزروع محلياً! وبالتالي فإن خفض كمية شراء القمح المحلي 12.5 في المائة سنوياً وهو ما يعني أكثر من 300 ألف طن قمح سيؤدي إلى اقتصاد ما يقارب من 400 مليون متر مكعب من المياه سنوياً.
إلا أن التحدي لهذا التوجه هو كيفية منع تحويل مساحات القمح المتناقصة إلى محاصيل أكثر استهلاكاً للمياه وبخاصة الأعلاف؟! قد يكون الجواب هو الاستراتيجية المرتقبة للأعلاف التي تستند إلى دعم مصانع الأعلاف وتشجيع زراعة واستيراد الأعلاف من الخارج، إلا أن هذا التطور على المدى القصير يبقى تحدياً غير سهل التحقيق.
أخيراً، فإنه لا بد من أخذ عدد من الإجراءات بعين الاعتبار من أجل دعم التوجه نحو إعادة الهيكلة المطلوبة للقطاع الزراعي وتخفيض الآثار السلبية المتوقعة جراء السياسات الجديدة خاصة أن المزارعين والمستثمرين لم يتوجهوا إلى هذا القطاع خلال العقود الماضية إلا بناء على توجيه ودعم كريم من الدولة بغرض زيادة القاعدة الإنتاجية وتنوعها في البلاد وتنمية المناطق الريفية ومدن الأطراف وتحقيق توازن استثماري فيها. ومن بعض تلك الإجراءات المقترحة:
1- النظر في تعويض مزارعي القمح الذين يرغبون في التوقف الفوري عن زراعة هذا المحصول لعدم رغبتهم في الخروج التدريجي خاصة في ظل عدم جدوى استمرارهم مع تقليص المساحات وشراء الصوامع محصولهم بسعر ألف ريال للطن الذي بات لا يُغطي تكاليف إنتاجهم. وقد يكون دفع الدولة لهم 500 ريال للطن (لفترة زمنية محددة) مقابل تنازلهم عن شهادات زراعة القمح أجدى لهم حسب مرئيات العديد من المزارعين الذين قمت باستطلاع آرائهم.
2- إعادة توجيه الدعومات المالية للمدخلات بحيث تتوسع نحو تشجيع الإنتاج والتقنيات الحديثة للمرحلة المقبلة لعملية الحصاد والجني للمنتجات الأخرى.
3- إلغاء الرسوم الجمركية وأي مصاريف أخرى على الواردات من القمح الخارجي وإدراج هذه السلعة المهمة مستقبلاً ضمن السلع المدعومة أسوة بالأرز من أجل تخفيض تكلفة المنتجات الغذائية المرتبطة بالقمح على المواطنين جراء الارتفاع المتوقع في أسعارها عند القيام باستيرادها من الخارج .
4- دراسة إعطاء حوافز للمزارعين تحثهم على توجيه مساحاتهم الزراعية لإنتاج منتجات عالية القيمة واستهلاك أقل للمياه والخضراوات والفواكه بدلاً من توجيهها نحو زراعة الأعلاف المستهلكة للمياه عوضاً عن زراعة القمح.
بمثل بعض هذه المقترحات وغيرها نأمل أن تتمكن الزراعة الوطنية من النجاح في إعادة الهيكلة والمضي قدماً نحو المحافظة على قطاع زراعي واقعي وصحي ومستدام.
نائب رئيس اللجنة الوطنية الزراعية