أهمية إشاعة ثقافة المصداقية في البناء المعلوماتي الشعبي

أهمية إشاعة ثقافة المصداقية في البناء المعلوماتي الشعبي

من الثابت علمياً وعملياً أن المعلومات المغلوطة والمضللة تنتشر بتشويش تراكمي في ظل غياب مصدر موثوق ومعروف وقابل للوصول إليه بيسر لاستقاء المعلومة، وبالتالي غياب المرجعية في التثبت من صدقها بالحجم والمضمون الذي نُشرت به. وليس المجال هنا للحديث عن مخاطر تناقل هذه المعلومات المغلوطة وأثرها في البناء المعلوماتي الشعبي، أو الرأي العام للمجتمع، وما قد تسببه من رهاب اجتماعي مدمر، أو هدر اقتصادي يستنزف جيوب محدودي الدخل لصالح مروجي هذه المعلومات المزيفة.
ولكن حديثي هنا ينصب على دورنا كأفراد - في ظل غياب الدور المؤسساتي الذي يفترض فيه القيام بهذه المهمة- في التحقق من هذه المعلومات قبل المساهمة في نشرها والتسبب في أضرار لأنفسنا من حيث لا نشعر ـ نفسية، اجتماعية، اقتصادية ...إلخ.
إن من أهم الوسائل التي يجب أن نربي عليها أنفسنا وطلابنا وأبناءنا هي ثقافة التحقق من مصداقية المعلومة التي تصلنا مهما كانت هذه المعلومة، والتحقق هنا ليس مرتبطاً فقط بمصدر هذه المعلومة ومدى مصداقيته، وإنما ينسحب ذلك على الوسائل والأدوات التي توصّل المصدر بموجبها لهذه المعلومات أو الحقائق، وضرورة أن تكون هذه الوسائل متاحة لنا كأفراد ليقوم من يستطيع منا – أو من يرغب- بعمليات التحقق الضرورية، لأننا المستهدفون بهذه المعلومات، وبالتالي نملك الحق الكامل في ذلك. إن شيوع ثقافة المصداقية في المجتمع سيجبر كل من يصدر هذه المعلومات على أن يبذل الجهد العلمي الكافي قبل نشرها.
يجب أن نعلم أننا كأفراد نملك وسيلة حضارية راقية ضد هؤلاء المضللين، فالمصداقية - التي نحن كأفراد من يمنحها أو يحجبها- هي أحد أهم المحددات لاستمرار بقاء المؤسسات، ناهيك عن تطورها. كما تلعب المصداقية دورا مهما في بناء المستقبل الوظيفي للأفراد حسب مجالاتهم الوظيفية، وهي وإن لم تظهر نتائجها بشكل فوري، إلا أنها وحسب المقولة البريطانية الشائعة بطيئة ولكنها أكيدة المفعول. كما أنها توفر وسيلة ضغط على المؤسسات المختصة لتبني مواقف ضد هؤلاء المخادعين، وهذه الوسيلة ناجعة في التعامل مع مختلف المجالات، فهي كما دمرت مستقبل وزير الخارجية الأمريكي كولن باول في كذبته الشهيرة حول أسلحة الدمار الشامل العراقية أمام الكونجرس الأمريكي، أيضا أضرت بعالم الأحياء الطبية الكوري الجنوبي الفذ وانج اوسوك صاحب البحثين الشهيرين المتعلقين باستنساخ خلايا جذعية لجنين بشري، المنشورين في عامي 2004م و2005م في مجلة Science، واحدة من أشهر المجلات العلمية التي يعتبر النشر فيها حلما لدى كل باحث، حيث ثبت بأنه زور بعض المعلومات لإثبات ما توصل إليه، وقد ترتب على ذلك خسارة عالم كبير جداً في علم التقنية الحيوية، إضافة إلى الخسائر المادية التي منيت بها الجامعة، وكوريا الجنوبية كرائدة في مجال الأبحاث التقنية الحيوية.

* دكتوراة في المعلوماتية الحيوية وحوسبة الأحياء
[email protected]

الأكثر قراءة