رد الزيارة ياملتقى الحلم .. ياليت شعرك تحقق أكثر من أسبوع !!

رد الزيارة ياملتقى الحلم .. ياليت شعرك تحقق أكثر من أسبوع !!

انطلقت أولى أمسيات الملتقى الذي يأتي هذا العام بمزيد من الاهتمام الإعلامي والجماهيري، حيث ضمت الأمسية كلا من الشعراء أحمد البلوي ومحمد عيضة وفهيد العديم وأدارها الإعلامي علي الخضيري.
وقدم الفرسان الثلاثة نصوصا تنوعت بتنوع التجربة فيما بينهم في حين اتفقوا جميعا على كسب إعجاب الحضور وتفاعلهم؛ حيث نجح أحمد البلوي القادم من مدينة العلا في رسم لوحات شعرية تواءمت فيها روح البيئة مع البعد الإنساني العميق والبسيط في آن واحد، فتفيأ معه الجمهور ظل بيوت الطين حيناً، وبيوت التناهيد حيناً آخر، ارتدى البلوي جاكيت البراءة، ودلل طفلة الماء، وغنى للمزارع عم عبده، وردد همس الشوارع.
بينما جاءت قصائد فهيد العديم مكتنزة بالكلمة والصورة واللغة التي تتوسد ثقافة عالية تجسدها نوعية المفردات واختلاف المفهوم الشعري الذي تقوم عليه التجربة، كان البحر حبرا يفضفض به الماء ويهيجن فيه الملح، وكان الشاعر حينها متزملا بالقوافي وهو يرتب الشعر الذي ارتبك منبعه، كان الشعر فتحا مبينا يأخذ القلب على قد حزنه، يعيد اكتشاف الروح ويرضي خاطرها دون أن ينتظر أن يقال له (يا مبدع تمام)!!
في حين اتسمت قصائد الشاعر محمد عيضة بالتنوع في توظيف العبارات الإنجليزية ومفردات التقنية الحديثة ضمن النص، وكأنه يعيد قراءة اللغة كما يقول في أحد أبياته عندما اعتبرها وسيلة اتصال أحيانا وعابر سبيل في أحيان آخر، وقد حظيت تجربة الشاعر بتفاعل الجمهور الذي لمس التنوع ما بين أمنيات الشاعر والشارع، ما بين أغاني الهواء الطلق والحب الذي يجرب مرة فيطلب كل مرة، وكان للشيلة الجنوبية التي ختم بها الشاعر رونق خاص حظي بإعجاب واضح من الحضور.
هذا وقد قدم الدكتور السبيل نيابة عن وزارة الثقافة والإعلام في بداية الأمسية درعاً تقديريا للشاعر مساعد الرشيدي على رعايته الملتقى، كما قام الأستاذ عبد الله الجار الله المشرف العام على الملتقى بتقديم دروع للشعراء المشاركين بعد نهاية الأمسية التي مثلت بداية مشجعة وواعدة بالمزيد من الإبداعات في الأيام المقبلة للملتقى.

دلال قصائد ، غناء إنسان

تواصلت فعاليات الملتقى الثالث للشعراء الشباب المقام حاليا في مركز الملك فهد الثقافي في الرياض، حيث شهد مساء الأحد 20 ذو الحجة إقامة الأمسية الشعرية الثانية بمشاركة الشعراء محمد الوسمي وعبد الله السقيان وأحمد حجاج بإدارة الشاعر الإعلامي وليد المالكي الذي اعتبر النصوص حمائم يطلقها الشعراء لتحلق في سماء الجمهور.
وبالفعل انطلقت الأمسية محتدمة منذ بدايتها بتجارب شعرية متميزة كان لكل منها طابعه الخاص، في حين جاءت النصوص متنوعة في مختلف أغراض الشعر ما بين تناول الذات وطرق هموم المجتمع ومداعبة العواطف الإنسانية بالكلمة العذبة والإحساس المرهف، لم تغب كذلك المفردة الفصيحة تارة، والعبارة الإنجليزية تارة أخرى ، لتستمر فضاءات التجريب في التجلي دون أن تؤثر في بناء النص وطابعه العام.
كان محمد الوسمي أول فرسان الأمسية الذين امتطوا غمار الشعر بثبات وإتقان فقدم عددا من نصوصه التي تميزت بسلاستها ، وكأنما القصيدة طفلة يدللها الشاعر ويحكي لها حكايات عمره وطفولته. ويشكو لها التعب الذي أصاب خطى ذاكرته، والجرح الذي يصيح (لا ما نسيت) قبل أن يتقدم بالشكر للأحلام التي تقف مع الإنسان في صعوبة واقعة، وإلى الأغاني التي تردد لحن روحه وقلبه. وقد تفاعل الجمهور مع نصوص الوسمي التي نجحت في مداعبتهم عاطفيا وإنسانيا.
الفارس الآخر عبد الله السقيان كان هاطلاً بالحزن ومكللاً بوجع إنساني تجسد كثيرا في نصوصه، وكأنما حان حسب توقيت دمعته الأوان ليناجي القلق الذي استعمر أطراف المكان، وليكابد احتمال الهموم التي تثاقلها الزمن وحملها كتفاه. تأكد شاعرنا من أن صدقه جزء من ضعفه وقال في خاتمة اقتناعه (أنا اللي جيت للدنيا كبير وطحت من عيني)!!
في حين جاءت تجربة الفارس الثالث أحمد حجاج مليئة بتجسيد الواقع الإنساني واستقصاء التفاصيل التي يتخيلها الشاعر شيئاً فيحولها الزمن شيئا آخر مختلفا، غنى حجاج بكلماته مع المعدمين الغلابا، ولم يطفئ شموعه عقب ماضوّن، يتساءل حينا (وشلون بعض الناس به قلب يجرح) وأحيانا يرسم صورته لتلونها الحبيبة بعينيها.
وبعد نهاية الأمسية قام الأستاذ عبد الله الجار الله بتكريم الشعراء المشاركين، والتقاط الصور التذكارية معهم.
وقد شهدت الأمسية حضور الناقد الدكتور عبد الله المعيقل الذي هو من المهتمين بالملتقى منذ بداياته، حيث أشاد بما سمع من تجارب الشعراء ولا سيما الشاعر محمد الوسمي، وأبدى المعيقل حرصه على حضور بقية الأمسيات وتفاؤله بتقديم المزيد من الإبداع.

دعابة فكر وتوارث شعر

ضمن فعاليات ملتقى الشعراء الشباب الثالث أقيمت مساء الإثنين الأمسية الثالثة في الملتقى التي أحياها كلاً من الشعراء: عبد الرحمن الرويس، فيصل الشريف وعبد الله الراشد، وأدارها الصحافي فهد الوايلي، وقد تميزت هذه الليلة في الملتقى بأن أغلب نصوصها كانت تدور في الجانب العاطفي، إضافة إلى بعض النصوص الوطنية والاجتماعية، وقد بدأت الأمسية بكلمة رحب فيها فهد الوايلي بالحضور، بعدها أعطى نبذة مختصرة عن شعراء الأمسية، وقال إن هذه الأمسية تقف على مشارف سويعات من عام 2008، وسلم الميكرفون إلى الشاعر فيصل الشريف الذي ألقى نصا وطنيا، ثم انتقل إلى الشاعر عبد الرحمن الرويس الذي أهدى أول نصوصه إلى شقيقه "زايد" الذي كان من ضمن الحضور، أعقبه قصيدة وطنية للشاعر عبد الله الراشد الذي تميز بتواصله مع الجمهور، ومن ثم ألقى بعدها كل شاعر مجموعة من القصائد، وجاءت نصوص الشاعر فيصل الشريف تدور بين الحداثة والتقليدي مع ميله إلى الفكاهة في بعض قصائده، التي تحدث في إحداها عن "زواج المسيار"، و برغم أننا في فصل الشتاء إلا أنه شبه نفسه في إحدى قصائده بـ "فصل الخريف"، واستشهد في أخرى بـ "هيبة السامر" و"شهرة ياسر القحطاني"، أما الشاعر عبد الرحمن الرويس فقد أمطر حبيبته بوابل من القصائد جاء في مرة منتشياً، وفي أخرى معاتباً مثلما فعل في قصيدة "يا نايمة"، و"جرب يحب" مرة أخرى، حتى يثبت لحبيبته أنه يستطيع الحب متى أراد! وبروحه الجميلة كان عبد الله الراشد حاضراً في قصائده التي تفاعل معها الحضور، وداعب من خلالها الشباب"العزاب" بنص يحث على "الزواج، وغض البصر، وفي نص آخر طالب الحضور بإغماض أعينهم، والسفر معه إلى عالم "الأطفال"، كما قدم نصاً سامياً عن "سلطان القلوب" الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد الأمين، وقدم عددا من النصوص "الغزلية " التي تفاعل معها الجمهور، بعد ذلك سلم الأستاذ عبد الله الجار الله مدير عام التراث والفنون الشعبية في وزارة الثقافة والإعلام الدروع وشهادات الشكر للشعراء المشاركين، وتوجه الجميع لحفل العشاء ، وحضر الأمسية الثالثة الأمير محمد بن بندر بن فهد وعدد من الإعلاميين والشعراء.

تنوع جمالي، خطاب عاطفي

اليوم الرابع جاء بنكهة مختلفة، فالجو أقل بردا مما كان عليه، وملتقى الشعراء الشباب الثالث يدخل مراحله الحاسمة بعد أن قدم ثلاث أمسيات مميزة تزايدت معها أعداد الجمهور والإعلاميين، بينما أصبحت صداقات الشعراء وعلاقاتهم تلقي بظلالها بمزيد من الحميمية التي يمكن لمسها بينهم أثناء تجولهم ووقوفهم في أروقة مركز الملك فهد الثقافي.
الشعراء المشاركون إلى جانب زملائهم من فرسان الملتقى السابق إلى جانب شعراء آخرين ينتظرون أدوارهم في ملتقيات مقبل، كانوا يشكلون مجتمعا أدبياً جميلا تدور فيه الأحاديث حول الساحة والشعر وتقييم ما يتم تقديمه مع قدر لا بأس به من الصور التذكارية المتبادلة والقصص والمواقف التي لا تنتهي.
وما إن تقترب الساعة من الثامنة حتى يتلاشى ضجيج الصالة في الدور الأرضي ليصعد الجميع إلى المسرح للاحتفاء بثلاثة فرسان يمتطون غمار أمسية شعرية جديدة.
الأمسية الرابعة، أدارها محمد علي العمري الذي لم يستطع تحييد ذاته الشعرية التي تفاعلت بذائقة عفوية مع اللقطات الاستثنائية في قصائد الشعراء، بل إنه كان صارماً في رفض المحادثات الهاتفية للجمهور أثناء إلقاء النصوص.
وبالعودة إلى فرسان تلك الليلة جاءت اللوحة متكاملة في أمسية أجمع الكثيرون على أنها من أجمل أمسيات الملتقى، حيث بدأها الشاعر فيصل بن محفوظ بنبرة شعرية ناضجة راوحت بين الحكمة والفخر والمناجاة الوجدانية ، دون أن يغفل كذلك تناول الهم الإنساني بشكله العام ، لم يكتف بذلك فأدخل أسلوب الحكاية والنص الفصيح، كما حضرت لديه روح البيئة بشكل واضح، وقد تميز عن بقية الشعراء بإلقاء جميل أوصل كلماته بعفوية إلى الحضور، ولم يفت بن محفوظ أن يستغل مساحة صمت قبل قصيدته الأخيرة ليحيي الملتقى ويشكره معلقا بقوله (جميل أن الرياض تحتفي بالشعر بينما يقيم الآخرون برامج تتكسب من ورائه !!).
بدوره جاءت قصائد الشاعر عبد الله التركي مسكونة بوجع ذاتي تمت بلورته شعريا بمنتهى الإتقان، ولئن كانت العاطفية سمة بارزة لديه إلا أنه نجح في التعامل معها بدبلوماسية أدبية ، هذا ربما ما جعله (يدوزن الوجد) كما قال في أحد أبياته، وقد لمس الجمهور في قصائده نبرة خطاب عالية، إلى درجة أن احد النصوص أدخلنا بشكل عفوي ضمن أجواء الشاعر المعروف حامد زيد.
من جانبه كان الشاعر عبد المحسن الطليحي نجما لافتاً في هذه الأمسية ولم يخيب ظن الكثيرين ممن راهنوا عليه منذ بداية الملتقى، فهذا الشاعر لا يشبه إلا نفسه تماما كما (لا تشبه بلادي غيرك بلادي) ، هو تجربة مختلفة وواعدة بالكثير على مستوى الشعر الجديد المتجدد، شاعر لا تخونه التعابير فعلا فقد أمتع الجمهور بنصوص تميزت بحضور الصورة والرؤية والمشهد، هدهد كراسة التبرير حتى جاءها النوم، ووضع بينه وبين الحب نقطة نظام ، قبل أن يتنفس الشعر من خلاله ويردد الجمهور معه (ملعون جد الأوكسجين !!)

العودة ترتب فوضى الغياب

كان واضحا أن الملتقى وصل ذروته فناً وإبداعاً وهو يزف ليلته الأخيرة في موسمه الثالث، فالحضور الكبير عكس مجددا نجاح هذا المشروع على مدى أيامه الماضية في ترسيخ حضور نوعي على أمسيات الرياض في أجندة شعرائها وضيوفها على نحو جعل منها الراحة التي تنتهي بها وإليها متاعب يوم كامل من العمل.
أجمل ما استطاع هذا الملتقى تقديمه للشعر غير الشعر هو أنه جمع عددا كبيرا من المبدعين في جو أخوي استمر حتى اللحظة الأخيرة، دعم ذلك وجود فرسان الملتقى السابق الذين أثروا الملتقى بلقاءاتهم الجانبية ونقاشاتهم على هامش الأمسيات في حضور عدد من المتذوقين والمهتمين .
أما الأمسية الأخيرة فقد أراد مديرها الشاعر ياسر الكنعان أن يجعل منها تتويجا يليق بما تحقق لهذا الملتقى، فتحدث في مقدمة مقتضبة عن الشعر من حيث هو مكون فكري وجمالي وديوان للعالم يحتضن ثقافته وفنه، منتقلا فيما بعد إلى ما اعتبره استثمارا من وزارة الثقافة والإعلام للإنسان باعتباره مشروعاً قادرا على صنع التغيير واستشراف آفاق المستقبل، مراهنا على الشعراء الشباب واعتبرهم (خريجي) هذا العمل الأدبي.
توجه الكنعان بعدها بالشكر إلى من وصفهم (بعرابي) الملتقى مثنيا على جهودهم وفي مقدمتهم الدكتور عبد العزيز السبيل وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية، وكذلك الأستاذ عبد الله الجار الله مدير إدارة التراث والفنون الشعبية، كما شكر راعي الملتقى الشاعر مساعد الرشيدي، وراعي الملتقى السابق الشاعر فهد عافت، وأثنى كذلك على الدور الذي لعبه الشاعر عارف سرور في دعم الملتقى منذ بدايته، كما شكر الكنعان اللجنة المنظمة برئاسة الشاعر سامي الجار الله وعضوية هيثم السيد ومحمد جراح، والقائمين على الملتقى عموما.
لينطلق بعدها الشعراء في إلقاء قصائدهم في أمسية تميزت بالخروج على النص التقليدي المتبع في الإدارة حيث أسهمت أحمدية البساط التي انتهجها ياسر في كسر الحواجز النمطية، فبدأ الشاعر أحمد يوسف الغامدي بقصيدة يبرز فيها حب الوطن وانتقاد بعض المعطيات الزمنية بدءا من تبلد المشاعر وليس انتهاء بمسابقات الشعر الفضائية، لتتواصل فيما بعد نصوص الشاعر (الممتلئ باليقين) في رسم لوحات مختلفة راوحت بين العاطفية والوطنية والإنسانية، كان نص (ليل الرياض) مؤثرا، لكنه رغم ذلك اعتبر القلب شجراً يتسلق للجمال، وطالب محبوبته باحتلال يمنحه الحرية، واعداً في المقابل أن يهجر الساحة الشعبية من أجلها !!
أما الشاعر نايف عوض فقد شكل حضورا نوعيا، نجح بامتياز في كسب إعجاب الجمهور على نحو يمكن لمسه في أقصى حالاته عندما أصبح كل بيت يحظى بتصفيق منفصل عن الذي يليه، وفي الحقيقة كانت متابعة نايف حينها تشبه التجول عبر دروب فارهة للشعر، حيث الفوضى ترتب نفسها، وحيث القصيدة حسناء تعبر شاطئ عينيها وتمسك ياسمينة على يدها، وتجمع قطرة طفولة مع قطرة شعر ليكتمل المطر.
وقد أكد بعض الحضور أن نايف نجح في إلقائه إلى جانب تمكنه الشعري كما استطاع كسب الجمهور عبر بعض القصائد التي حملت بعداً كوميدياً.
انتقل الدور بعدها للشاعر أحمد الطرقي الذي جاء بشخصية مميزة على منبره يحيطه إلقاء مهيب وقصائد متماسكة تحمل بصمات الوجع الإنساني أحيانا، والفخر أحيانا أخرى، فعالج نفسية الطين، وعبر الطريق الذي (تسوسن) نحو أمنيات تنتحر الخرافة أمامها، تناول مع فرج واحد صبر سادة بدون هموم، وطلب بعدها حلما بصحة القمر!!
كانت الأمسية ختاما لافتا حيث حضرها الدكتور السبيل برفقة جمعية المسرحيين المنتخبة أخيرا، إلى جانب حضور الشاعر المعروف محمد صلاح الحربي وعدد كبير من المثقفين ومتذوقي الشعر والأدب. وتم فيما تكريم الشعراء المشاركين، لينصرف الجميع تملؤهم السعادة بنجاح الملتقى في دورته الثالثة ويملؤهم شغف كبير وتفاؤل أكبر نحو الموعد المقبل بعد عام من الآن وبحضور أكثر تألقا وإشراقا إن شاء الله.

الأكثر قراءة