التغيرات الطقسية .. هل بدأ زمن التغيرات المناخية؟
يعرف العالم الآن تغيرات حادة وغير مسبوقة في الطقس، تجسد ذلك في كثرة الأعاصير العنيفة في أماكن متعددة وغزارة الأمطار وجفاف الأراضي في أماكن أخرى، وارتفاع أو انخفاض درجات الحرارة في بقاع ثانية. ولا أدل على ذلك من انخفاض درجة الحرارة على المملكة خلال الأسبوع الماضي لدرجات غير مسبوقة. فقد أشارت الأبحاث الحديثة إلى ازدياد درجات الحرارة العامة للأرض خلال القرن الماضي بنحو درجة واحدة، كما دلت الدراسات الأخيرة التي شملت جميع المناطق في المملكة العربية السعودية خلال فترة العقود الأربعة الماضية إلى وجود ازدياد في درجات الحرارة بمعدل قريب من المعدل العالمي علاوة على وجود انخفاض حاد في درجات الحرارة أيضا.
فالمملكة جزء من منظومة العالم التي طالتها يد التغير المناخي، فحدثت ظواهر غير متوقعة كانخفاض درجات الحرارة إلى معدلات حرجة جدا في فصل الشتاء الراهن وهطول زخات برد كبيرة الحجم على مناح عدة، وهجمات الغبار الكثيف كعاصفة القصيم الشهيرة التي غيرت النهار إلى ليل دامس والتي حدثت في عام 1427هـ.
وقد اعتمد العلماء على أساليب عدة للوصول إلى الحقيقة حول التغيرات المناخية، ومن أهم الوسائل المعتمدة على ذلك دراسة دورات النشاط الشمسي حيث اتضح وجود علاقة ما بين التغير المناخي والتغير في طول دورات نشاط البقع الشمسية. ومن الأساليب الأخرى المستخدمة لدراسة الدورات المناخية، دراسة حلقات الأشجار المعمرة وقياس التركيز في طبقات الجليد وذلك لتقدير دورات التغير التي مرت على أجواء الكرة الأرضية خلال الحقب الغابرة، وقد تبيّن وجود دورات لهذا التغير من عشرات إلى مئات السنين.
إلا أن دراسة الكلف الشمسية هي الأدق، إذ إن جميع الظواهر الحادثة على وجه الأرض متوقفة أساسا على الشمس فهي وراء هذه الكوارث المتولدة من التغير المناخي الأرضي الذي تسببه أشعة الشمس، إذ إن أي زيادة طفيفة في معدل الإشعاع الشمسي كافية لسرعة تهيئة الظروف لتكون الأعاصير وارتفاع معدل درجة الحرارة وتخلق العواصف الرملية، وذلك أن مناخ الأرض متوازن لدرجة حساسة بالنسبة لكمية الإشعاع التي تستقبلها، فأي تغير في نسبة الإشعاع الشمسي أو الرياح الشمسية يؤدي إلى كوارث عنيفة ومدمرة، ودلائل ارتباط المناخ على سطح الأرض بتأثير النشاط الشمسي أصبحت في الفترة الأخيرة متزايدة وملحوظة، وهذا ما تدل عليه السجلات المناخية للعقود المنصرمة.
يقدر التأثير الإشعاعي للنظام المناخي نتيجة للتغير في الإشعاع الشمسي بمقدار 0.3 ± 0.20 وم-2 للفترة 1750 حتى الآن، ويقدر أن معظم التغير قد حدث خلال النصف الأول من القرن العشرين. والمصدر الأساسي لجميع الطاقة في النظام المناخي للأرض هو الإشعاع القادم من الشمس. ولذا فإن التباين في إجمالي الإشعاع الشمسي يمثل عامل تأثير إشعاعي. ولا يعرف أن القيمة المطلقة لحدوث مجموع الإشعاع الشمسي المتكامل طيفيا على الأرض تزيد على نحو 4 وم-2 إلا أن علميات الرصد بالتوابع الصناعية منذ أواخر السبعينيات تبين أن الفروق النسبية طوال الدورتين الماضيتين للنشاط الشمسي اللتين يبلغ كل منهما 11 عاما تبلغ نحو 0.1 في المائة، وهو ما يماثل الفرق في التأثير الإشعاعي البالغ نحو 20.2 وم-2. ولم تكن تتوافر، قبيل عمليات الرصد هذه بالتوابع الصناعية أية قياسات مباشرة موثوق بها للإشعاع الشمسي إلا أنه لم يتسن إجراء تدقيق كاف للتقنيات المستخدمة لإعادة تكوين القيم التاريخية لمجموع الإشعاع الشمسي المتكامل طيفيا من عمليات رصد تقريبية (مثل البقع الشمسية).
وتتباين الفروق الشمسية بدرجة أكبر في المنطقة فوق البنفسجية، وتشير الدراسات التي أجريت بالنماذج المناخية أن إدراج الفروق في الإشعاعات الشمسية المحلولة طيفيا، والتغيرات في أوزون الستراتوسفير المستحثة شمسيا قد تحسن من واقع المحاكاة النموذجية لتأثير التقلبية الشمسية على المناخ. واقترحت آليات أخرى لتضخيم التأثيرات الشمسية على المناخ إلا أنه لم يكن لها سند نظري أو رصدي مؤكد.
وأهل العلم اختلفوا حيال التغير المناخي وما يترتب عليه من حوادث غير مسبوقة، فمن العلماء من يقول إن التغير المناخي ناتج عن الاستهلاك البشري للوقود والذي يزداد يوما بعد يوم فيؤدي إلى تمزيق طبقة الأوزون المفلترة للإشعاع الشمسي فيؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة على الأرض وزيادة انصهار الجليد عند القطبين الشمالي والجنوبي، ما يزيد من كمية المياه في البحار والمحيطات وانحسار اليابسة ومنهم من يقول إن هذا يخضع لدورات طقسية.
ولكن الثابت علميا أن ميل محور الأرض في تناقص مستمر، فلقد سجل الصينيون القدماء منذ آلاف السنين أن الميل الكلي للشمس (أقصى درجة انحراف للشمس تجاه الشمال والجنوب) بلغ 23 درجة و50 دقيقة وفي زمن بطليموس العالم اليوناني الذي عاش في الإسكندرية في القرن الثاني للميلاد بلغ الميل 23 درجة و35 دقيقة، وفي القرون الماضية كان الميل الكلي المسجل 23 درجة و30 دقيقة تقريبا وفي نهاية القرن التاسع عشر كان الميل 23 درجة و28 دقيقة، وفي كل المؤلفات التي ألفت في القرن العشرين كان الميل 23 درجة و27 دقيقة، أما الآن في عصرنا الحاضر فقد أصبح الميل 23 درجة و 26.4 دقيقة، بمعنى أن كل هذه التغيرات تدل على أن الميل الكلي للشمس في تناقص مستمر بمعنى أنه سيأتي يوم في المستقبل البعيد غير المنظور ستنطبق فيه الشمس على خط الاستواء، ما يعني أن الفصول ستبقى ثابتة كما هي ولن تتغير، علما بأن طوفان محور الكرة الأرضية حول نفسه يتم كل 26800 سنة أرضية، بمعنى أن محور دوران الأرض يتناقص كل سنه 57 ثانية ودرجة واحدة في كل 2000 سنة أرضية والكرة الأرضية 360 درجة قوسية.
وخلاصة القول إن هناك تغيرا ملحوظا في نوع الطقس عبر السنين محليا وعالما ويعود ذلك إلى ملوثات البيئة علاوة على دورات الطقس، إلا أن هذه الأسباب ينقصها التأكيد، إذ إن معظم بلدان العالم لا يوجد فيها سجلات للطقس في العقود الماضية.
الباحث الفلكي
عضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك.
0505144022