بروتوكولات نواف

بروتوكولات نواف

[email protected]

"بابا.. بابا.. بابا.." أسمعها ولا أصحو عادة، يقفز على صدري ويقرب خده الأيمن حتى يتأكد أني أخذت "بوسة الصباح"، أنهض من سريري لأغتسل، ويتبعني بقماشة أطول منه يسحبها وراءه، يقف على الباب حتى أنتهي من اغتسالي، ثم يركض أمامي إلى الغرفة ليناولني أغراضي واحدا تلو الآخر بالترتيب الذي تعوّد أن يراه، أخرج من الغرفة وهو أمامي وخلفي، يمشي ورأسه إلى الأعلى، يتفحص تقاسيم وجهي، تارة يمشي إلى الخلف، وتارة إلى الأمام! أنا أراه ولا أراه بسبب ثقل "دماغي" بعد الصحو، أجلس لتناول إفطاري فيحضر مفاتيح السيارة، يهز رأسه هزة الاستفهام "تروح الدوام؟" لاستجداء كلمة "إيه يا بابا بروح الدوام"، يركض إلى الداخل ويعود حاملا علبة سجائري بحماس! يقدمها لي وأنا أردد بداخلي السؤال اليومي نفسه: "هل يعلم أني سأعاقبه إن تآلف مع هذا المرض كما عاقبني والدي"؟! يركض عائدا إلى حذائي ليضعه عند قدمي، يرفع رأسه لي مرة أخرى ويهزه هزة استجداء "بابا أروح معك؟"، "لا يا بابا أنا بروح الدوام"، أمشي إلى الخارج ويركض في الاتجاه المعاكس لخطه الأحمر (باب المنزل)، يحمل معه "مركا" يضعها على الكنبة ويخرج رأسه من الشباك ملوحا "بابا تجيب لي حلاوة"؟ من الشارع وقبل أن أركب سيارتي يجب أن ألوح له وأجيب "إيه يا بابا أجيب حلاوتين بعد" سيغضب إن لم أفعل! هذا الـ "نواف" يوقت موعد عودتي ليقف على الشباك مرة أخرى، محرم عليه تخطي "الخط الأحمر"، يطلق ضحكاته التي يسمعها الجيران والمارة في الشارع قبل أن أوقف سيارتي في مكانها، أنزل ويجب أن أجيبه على سؤاله اليومي عند العودة "بابا جيت من الدوام"، "إيه يا بابا جيت من الدوام"، أدلف إلى منزلي وأصعد الدرج، مع كل خطوة أحس باقتراب "الجنة"، أحضنه وشقيقه وأقبلهما حتى إشباع أنفي برائحتهما، أجلس ثم يمد يده إلى "شماغي وعقالي"، يأخذهما إلى الغرفة ويعود ليسحب الحذاء ثم الجوارب بنشوة ويذهب ليضعهما في المكان الذي تعود على رؤيتهما فيه!
تلك الليلة عدت متأخرا، رأيت الشباك خاليا من الضحكة وتلويح المنتصرين، كرهت نفسي وأشغالي لوهلة، دلفت إلى المنزل ناقصا من روحي زوادتها، دخلت إلى الصالة وأمه تشير بصمت إلى الشباك، فرأيت "المركى" ورأس نواف يستند إليها غارقا في نوم ناقص أيضا، حملته بهدوء وفتح عيناه بثقل وهو يبتسم، سألته: "تحبني" أجاب بنبرة تتضاءل: "إيه"! هذا "النواف" الذي ترون صورته مكان صورتي هذا الأسبوع يحفزني على الحياة شأنه شأن شقيقه،أحبه وهو يحبني، وأحيانا من شدة حبه لي "أكرهني" إن تخاذلت يوما عما يسعده!

الأكثر قراءة