سمعة.. أحبه الناس ممثلاً ومطرباً

سمعة.. أحبه الناس ممثلاً ومطرباً

هو الممثل الكوميدي الأردني المعروف موسى جزاع حجازين والشهير بـ "سمعة"، بدأ رحلته الدرامية الحقيقية من خلال المسلسل الأردني الشهير "حارة أبوعواد"، ثم بعد أن لمس النجاح وبعد أن طالت الخلافات بين الأصدقاء في حارة أبو عوّاد عمل في مسلسل "العلم نور" والذي حقق نجاحاً كبيراً في الشام والخليج بالذات، يقول موسى حجازين "سمعة" متحدثاً عن نفسه في أحد اللقاءات:
عشت أقصر وأجمل رحلات عمري..ارتحلت مع أهلي من الكرك (جنوب الأردن) عام 1957 إلى قرية الزبابدة في مدينة جنين الفلسطينية التي استقبلتنا بدفء أهل وحنان أم.. كانوا يعتبروننا أهل (مشرق) ويفرشون لنا صدر بيوتهم، ينطبق عليهم، بيت الشعر القائل (يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت صاحب المنزل) .في العيد كانوا يزوروننا ويتركون أحد أبنائهم ليقوم بخدمتنا وضيوفنا.. وبموسم الزرع يمتلئ بيتنا ويفيض بما يجودون علينا من كروم الزيتون والعنب.. وكنا نبعث "تنكات" الزيت والفواكه الفائضة إلى الكرك.أتذكر مقبرة الشهداء في جنين.. ويسرح الخيال في قباطيا وطوباس وتلفيت وفي الكروم التي كنا نلهو وننام فيها أحيانا. سمعت لما عدت في رحلة صيفية إلى الكرك عام 67 أن النكسة وقعت، فبكيت على الكرات الزجاجية "الغلول" الكثيرة التي كنت ألعب بها..كنت طفلاً يلاحق الفراشات.. ولما سمعت صوت الرصاص أغمضت قلبي على الذكريات!!
تحولت من طفل يغني في مدارس قرية السماكية في الكرك إلى طالب علم عليه أن يحزم حقائبه، ليدرس الموسيقى في جامعة حلوان في القاهرة بعدما قام الأقارب برحلة إقناع لوالدي بأن صوتي جميل وأنني سأعود له مدرسا للموسيقى وليس (رقاصاً).
اختاروني مع سحر العدوان وفتحي عبده موسى وآخرين للسفر بعدما اجتزنا امتحان القدرات في وزارة التربية والتعليم.. ذهبت لمعاينة مطار ماركا.. راقبت حركة الطائرات قبل أن أحلق فوق سماء القاهرة.. كان علي أن أهيئ نفسي لرحلة أبعد من الكرك والوسيلة سفر غير (الحمار).
زاملت هاني شاكر،و تتلمذت على يد المرحوم أحمد فؤاد حسن قائد الفرقة الماسية.. وبعد خمس سنوات عدت إلى عمان بشهادة من كلية التربية الموسيقية لأعمل مدرساً في المدارس الأرثوذكسية. صادقت آلة العود منذ الصغر.. وتعلمت أصولها في الكبر.. كنت أخاف أن "أخون" العود وأصادق آلة أخرى.. كان يراني شرقياً مخلصاً.. وكنت أراه متطوراً أكثر من "الربابة".
صليت كثيرا وأنا أرتجف في الطائرة.. كانت الرحلة الأولى على متنها والعناق الأول لبلد فيه "أم كلثوم، عبد الوهاب، فريد الأطرش، نجيب محفوظ وسعد زغلول". صادقت الشوارع والناس والموسيقى والجامعة. دعيت لحفل أقامته الجالية الأردنية في فندق الشيراتون لكبار الأدباء والمثقفين المصريين.. وقد دعا ذوقان الهنداوي سفيرنا في مصر المطرب محمد عبد الوهاب كضيف شرف. وتواجد عبد المنعم المدبولي وحشد من وجوه البلاد الثقافية والفنية.. لكنهم لم يكونوا هدفاً لنظراتنا ومراقبتنا.. فقد كانت البوصلة تتجه ناحية "اللواء".
قدمت فرق موسيقية أردنية وصلات غنائية رائعة.. وكنت أهمس في سري ماذا لو غنيت له، كل ده كان ليه.. لكنه كان يتحسس حتى من مصافحته الناس.. فكيف يستمع لصوت شاب غير معروف جاء من جنوب الأردن.. محملاً بالأحلام!!
مكثت ومحمود سعيد ومازن عجاوي شهرين في بغداد لتمثيل عمل مشترك اسمه (زعتر وعنتر) إلى جانب نجوم العراق "هند كامل، آسيا كمال، شذى سالم، سامي قفطات والمرحوم هاني هاني".
كانت الحرب العراقية الإيرانية تلقي بظلالها على وجوه الناس.. وكان السواد.. لون المكان. لم تترك الحرب بيتنا إلا وقتلت أو أسرت أو شردت فردا منه.. ولم يترك عباقرة البلاد طريقاً إلا وسلكوه لبناء الجسور والمصانع والطرق.. كانت المدافع تلمع في مكان ناء عنهم.
زرت بابل ومتحف البانوراما الحربية.. وسحرني المناخ والشعب الأبي الكريم.. أعجبتني كلمته (تدلل) التي تعبر بصدق عن حال شعب لا تطلب منه شيئاً حتى لو كان مستحيلاً.. إلا وقال لك (تدلل عيني).
عرض علي تقديم عروض مسرحية في رام الله.. من أناس أحببتهم.. عرفوني في التلفزيون الذي كان حاديهم.. وحادي أهل جنين. أصدقاء العمر والروح ليتذكروني. جاء الأستاذ فيكتور مدرسي هناك وبحث عني.. ذكرني بنفسه وبالزبابدة "والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين" الذي لم يعد آمنا منذ داسته "الخنازير".
حدثوني عن الشوق وعن الأعمال المسرحية.. وعن متعة اللقاء على التراب الطهور.. فحدثتهم عن "الخدمة العكسية" التي قد تولدها زيارتي لهم.. وعن رغبتي المبدئية في عدم تلويث جواز سفري.. بكلمة "إسرائيل".
عرفني الناس من خلال (حارة أبو عواد) التي ألفها الرباعي (محمود الزيودي وفؤاد الشوملي ومحمد الشواقفة وهشام يانس) وتقربوا مني في مسرحيات (شي غاد) و(زمان الشقلبة) وبعد الانفصال عن أصدقاء العمر (نبيل وغسان مشيني، ربيع شهاب، عبير عيسى، حسن إبراهيم، رشيدة الدجاني) أحبوني أكثر في أعمالي التي كتبها وأخرجها محمد الشواقفة (هاي أميركا، هاي مواطن، مواطن حسب الطلب، إلى من لا يهمه الأمر).
حاولت تعرية الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي نعايشها وتعايشها المنطقة ككل.. اجتهدت فأصبت وأخطأت.. تألقت وخبوت.. لكن الشوق الدائم للقاء الجمهور ظل هاجسا.. وعملي في (لا تجيبوا سيرة).. كان عودة الروح للجسد.. أحببت أن أذكر الجمهور الأردني بي وأن ألقى عليهم التحية.. لأنه لا يزال (في فمي ماء).
حاولنا مع الأستاذ رفائيل بقيلي قتل نار (الإقليمية والعنصرية). حملنا على عاتقنا راية (العلم نور) فقدمنا نماذج لأناس بسطاء نصادقهم من (نابلس والخليل ورام الله والرملة وصفد) ونحبهم في (عمان والسلط وإربد الكرك).. فولد (عطا)" ابن الأردن النقي الذي يقدم فداء لصديق ويفتح بيته لضيف.. ويصرخ في وجه الظلم ..ويبتسم للحق ببراءة. كان يسوق (البيك آب) وكنت وما زلت أحلم أن أكون مثله .. فاعلاً للخير كما أمرنا الخالق.. صادقاً، بريئاً، نابضاً بكل ما في مثل الأديان السماوية من أخلاق عذبتي وأنا أجاهد أن أحافظ على نضارتها في زمن لونه الغش بلونه وفتح الخداع والكذب له أحضانه. زرعت التعاليم والمثل العليا بالتعاون مع زوجتي التي لعبت دور الأم والأخت والصديقة في شخوص بنتي(هزار) طالبة الصيدلة في جامعة العلوم والتكنولوجيا وابني خليل (18سنة) وخلدون (14سنة).. فقاموا بحمل الأمانة معي .. وتطلعت معهم لغد أكثر إشراقا.

الأكثر قراءة