مسوقون يروّجون "لصقات الحجامة" بادعاءات كاذبة وعناوين وهمية

مسوقون يروّجون "لصقات الحجامة" بادعاءات كاذبة وعناوين وهمية

يعد الطب البديل أحد المجالات التي يصعب على المطلع حصر أساليب الغش والتلاعب فيها، رغم أن هذا الطب قديم قدم البشرية، ويعود سبب ذلك إلى عدم وجود قوانين محددة تضبط ممارسته وتراقب صناعة أدويته وخلطاته في كثير من الدول، ونتيجة لهذا كله تظهر بين الفينة والأخرى إعلانات صارخة إما عن طريق نشرات تروجها محال العطارة، أو عن طريق كُتاب مجهولين في منتديات الإنترنت، لاكتشافات جديدة أو قديمة لأدوية ومستحضرات تعالج "كل شيء" ومن هذه الأدوية – إن جاز تسميتها أدوية- لصقات الحجامة حيث تلصق قبل النوم في أسفل القدم وتنزع عند الاستيقاظ ليجدها المستخدم قد امتصت مواد من جسمه يدعي منتجوها أنها "سموم", وأن هذه اللصقات بديلة عن الحجامة المعتادة. مؤكدين أنها مصنوعة من مواد طبيعية.
وظهرت أخيرا إعلانات على أبواب بعض الصيدليات وفي بعض منتديات الإنترنت تعدد فوائد تثير الذهول لهذه اللصقات فهي تعالج الروماتيزم، النقرس، السكري، أمراض الشقيقة، وضغط الدم، وتمتد فوائدها –حسب الإعلان- لتشمل بعض الأمراض النفسية مثل:الكآبة. التوتر. القلق، والأرق، إضافة إلى تخفيف الإجهاد، وإزالة السموم من الجسم والدم، كما يدعي منتجوها أنها تساعد على تحسين توزيع الدم، وتقوية نظام المناعة، واليقظة العقلية.
"الاقتصادية" قامت بالتحري حول هذه اللصقات وأماكن بيعها، وبدأ مسلسل الغرابة منذ اللحظات الأولى لهذا التحري، فقد اتضح أن أغلب عمليات تسويق هذه اللصقات يتم بشكل غير رسمي عن طريق منتديات الإنترنت التي يشترك فيها مروجوها ليعرضوا فيها مميزاتها مذيلة بأرقام جوالاتهم للاتفاق حول طريقة تسليمها، "الاقتصادية" اتصلت بأحد هؤلاء المسوقين الذي أبدى –بحماس- استعداده لتوصيل اللصقات إلى أي مكان يتم الاتفاق عليه، وذلك بعد أن عرض مميزات لصقاته، وحذر من أنواع أخرى بحجة أن مفعولها ضعيف.
أما الطريقة الأخرى لتسويق هذه اللصقات فتتم عبر بعض الصيدليات ومراكز بيع الأدوات الطبية، وهي قليلة لكنها معروفة، حيث سألنا عنها بعض الصيادلة فأرشدونا إليها مباشرة، بعد أن أبدوا سخريتهم منها واتهموا مسوقيها بـ "النصب".
وصلنا إلى المحل المذكور، حيث أكد البائع أن هذه اللصقات مصرحة من وزارة الصحة، ودليله على ذلك أنها لو لم تكن مصرحة لما استطاع بيعها! اشترينا عبوة فيها أربع لصقات بمبلغ ستين ريالا، وكانت معلومات العبوة تذكر أنها موردة من قبل شركة هولندية ليس لها من عنوان سوى موقع على الإنترنت، كما أن المستورد لم يضع اسم منشأته على العبوة وإنما اكتفى بوضع رقم مجاني للاستفسار.
اتصلنا بالرقم فاتضح أنه فاكس، ودخلنا إلى موقع الشركة فإذا هو تحت الإنشاء!!

"الاقتصادية" عرضت أمر هذه اللصقات على غفران حبيب وهي خبيرة أمريكية في مجال الصحة العامة حيث تحدثت أولا عن السموم الموجودة في الجسم وطريقة إخراجها، فقالت :" تتركز السموم في السائل القلوي للأطراف السفلية للجسم كالقدم. وتمتص هذه السموم من خلال الجهاز الليمفاوي وتطرد عادة في الأشخاص الأصحاء وممارسي الرياضة بشكل منتظم، ، لكن عندما يصبح الجهاز اللمفاوي معبأ بالسموم تقل كفاءته، وبذلك تعود الكثير من هذه السموم إلى الجسم؛ لذلك جاءت فكرة هذه اللصقات على القدم كي تنقي –كما يقال- السائل الليمفاوي وتنظفه من كل تلك السموم وتوصل الغذاء اللازم للخلايا وتزيد من كفاءة عملية الأيض".
وأضافت: "يتحدث منتجو هذه اللصقات عن احتوائها على الأيونات السالبة، والأيونات السالبة ليس لها رائحة أو طعم وهي غير مرئية، وهي موجودة في الطبيعة، ولها دور في إحداث تغيرات بيولوجية تزيد من نشاط الجسم، ومن المناعة العامة وتحسن المزاج ويستنشقها الإنسان بكمية كبيرة حسب البيئة المحيطة به، فهي تزيد –مثلا- في المناطق الساحلية أو الجبلية أو المناطق المليئة بالأشجار الخضراء".

مواقع خارج القانون

وأضافت غفران حبيب أن مسوقي هذه اللصقات في البلاد العربية لم يلتزموا بكثير من القوانين العالمية رغم أنهم يفتخرون أن منتجهم مسجل لدى هيئة الدواء والغذاء الأمريكية FDA – بل إنهم زادوا وبالغوا في فوائد اللصقات بأمور لم تذكرها الشركات المنتجة لها، وتقدم خبيرة الصحة العامة بعض الملاحظات على مواقع الإنترنت العربية التي تسوق هذه اللصقات، وهي:
- قامت بعض هذه المواقع بإرجاع الشفاء والعلاج للكثير من الأمراض مثل الضغط والسكري وغيرها على الرغم من أن ذلك لم يذكر في أي موقع للشركات المصنعة لهذه اللصقات.
- من المعروف أن FDA تمنع الشركات المنتجة لمركبات تحتوي على مواد أو أعشاب طبيعية أن تستخدم عبارات تدل على أن هذا المركب يشفي أو يعالج أو يشخص مرضا أو أمراضا معينة, وعلى هذه الشركات أن تستخدم عبارات عامة مثل: تساعد – تقلل – تخفف، وهذا ما التزمت به المواقع الأجنبية ولم تلتزم به المواقع العربية.
- بناء على توجيهات FDA فإن الأطباء فقط يمكنهم التشخيص ووصف العلاج المناسب, بخلاف ما تفعله هذه المواقع.
- إن FDA عندما تعطي الموافقة على المركب العشبي على أنه آمن فإن هذا لا يعني أن المركب سوف يعالج أو يشفي من الأمراض أو أن له تأثيرا إيجابيا على الجسم, وإنما تعني الموافقة: أنه خال من معادن ثقيلة ذات خطورة على صحة الإنسان.
- بعض المواقع العربية تربط هذه اللصقات بأمراض معينة وهذا غير مسموح به من قبل FDA.
- كل المواقع العربية تتحدث عنها دون ذكر أي سلبيات.
- كل المواقع التي تتحدث عنها (عربية أو أجنبية) هي للشركات التي تقوم بترويجها أو لمسوقين، ولا توجد مواقع رسمية أو متخصصة طبيا تثبت صدق ادعاءاتها.
- تستغل هذه المواقع دور الأيونات السالبة في امتصاص السموم، ويقولون إنها موجودة في هذه اللصقات، ويحيلون المتصفح إلى عدد من المواقع التي تتحدث عن دور الأيونات السالبة في سحب السموم رغم أن جميع هذه المواقع تتحدث عن دور الأيونات السالبة عموما ولم تتحدث عن اللصقات قط.
- نظرا للقوانين الصارمة في الغرب فإن جميع مواقع الشركات الأجنبية المنتجة لهذه اللصقات تحتوي على بند إخلاء المسؤولية، والتحذير بأن هذا المنتج يجب أن يؤخذ باستشارة طبيب أو مختص، وأن أي شخص يأخذ هذا المركب من غير استشارة مختص ويحدث له أثار جانبية فهم غير مسؤولين. أما المواقع العربية فلم تلتزم بذكر هذا التحذير.
وزادت حبيب بعض الملاحظات حول هذه اللصقات بصفة عامة وهي:
- لا يوجد هناك أي دراسات وأبحاث علمية طبية على هذا المنتج ودوره الفعال.
- أجسام الناس تختلف؛ لذلك يختلف تأثير هذه اللصقات من شخص إلى آخر, ولا يعني تأثيرها الإيجابي على الكثير من الناس على مصداقية وفعالية هذا المنتج.
- يقولون إن هذه اللصقات مصنوعة من مواد طبيعية، وكلمة "مواد طبيعية" لا تعني عدم وجود آثار سلبية للمركب على الصحة.
- تؤكد هذه الشركات أن هذا المركب ليس بدواء يشفي من أية أمراض معينة وأنه ليست هناك أية أدلة علمية تؤكد صحة ما يقال عنه.

التحليل يكشف المستور

من جانبها قالت لـ "الاقتصادية" الدكتورة هيا الجوهر رئيسة قسم الأجهزة والدراسات في المختبر المركزي لتحليل الأدوية والأغذية في وزارة الصحة في تعليق لها حول هذه اللصقات إن من يقرأ الادعاءات الطبية في النشرات الموجودة معها أو على صفحات الإنترنت يعتقد أنه سوف يشفى من جميع الأمراض المنتشرة في الدنيا، وأضافت أنه حتى لو كان في هذا الموضوع جزء من الصحة، فما يكتب وما يتناقل عبر وسائل الإعلام غير منطقي؛ فليس هناك علاج سحري لكل الأمراض؛ لذلك "أقول للمستهلك إذا رأيت أي مستحضر ذكر أنه يعالج عددا لا حصر له من الأمراض فاعرف أن فيه غشا وتدليسا".
وأضافت الدكتورة الجوهر أنه ذكر أن هذه اللصقات تعتمد على إنتاج الأشعة الحمراء دون الحاجة إلى مصدر كهربائي! بسبب المواد الطبيعية الموجودة بها، وهذه الخاصية –كما يدعون- هي التي تجعل هذه اللصقة توسع المسامات وتنشط الدورة الدموية فيبدأ الجسم بطرح السموم، وهذا شيء عجيب؛ فلم يُعرَف أن هناك نباتا ينتج أشعة حمراء تلقائيا.
الجدير بالذكر أن الدكتورة هيا الجوهر قامت بتحليل هذه اللصقات في مختبرات وزارة الصحة، وخرجت بنتائج عجيبة، وقالت: "ذكر منتجو ومسوقو هذه اللصقات أن عملها يعتمد بشكل كبير على الأيونات السالبة، وأنها تحتوي على عدد هائل منها، وبتحليل عينات من هذه اللصقات لم نجد فيها أي أيونات سالبة، كما أن المكتوب على عبوات بعض اللصقات يختلف عن المنشور المصاحب لها؛ فعلى العبوات ذكر أنها تحتوي على خل الخشب "مكتوب بالإنجليزية بأحرف خطأ"، نشاء، صبغات، وبولي سكرايد (اللصقة الحارة)، أما اللصقة الباردة فتحتوي على خل الخشب، سيليكا، ونشاء "لامتصاص الرطوبة وهذا ما يغير لون اللصقة"، أما النشرات فكتب عليها خل الخشب، خل الخيزران، فيتامين سي، تورمالين "وهو حجر طبيعي كريم يدعون أنه المسؤول عن توليد الأشعة الحمراء والأيونات السالبة"، وأكدت الدكتورة الجوهر أنه لو كانت هذه اللصقات تحتوي على هذه الأحجار لكان سعرها أغلى، ولما ذابت كلياً في الماء, كما أكدت أنها استخدمت هذه اللصقات لترى صدق ما يدعون، ولم تجد أي فرق أو تحسن يذكر. مبدية استغرابها من احتواء بعض العبوات على أربع لصقات وأخرى عشر وكلها تباع بالسعر نفسه.

ادعاءات من دون دراسات

وقالت الدكتورة الجوهر إنها حاولت أن تبحث في الإنترنت عن أي دراسة حقيقية تثبت مدى صحة هذه الادعاءات من الروابط المرفقة مع الدعايات لهذه المستحضرات ولم تجد أي دراسة، وكان كل ما وجدته كلاما عاما عن الأيونات السالبة، أو بعض التصوير الحراري للأقدام ونتائج تحاليل غير موثقة.
ونفت الدكتورة الجوهر ادعاءات مسوقي اللصقات بأنها أفضل من الحجامة التقليدية موضحة أن ذلك غير منطقي؛ فالحجامة - رغم أنها تضخم في هذه الأيام مثل أي نوع من أنواع المعالجات- تعمل بشكل واضح، ولها عدة أنواع منها الحجامة الجافة، الحجامة الدموية، والفصد، حيث يسحب الدم الفاسد وغازات الجسم، ولها شروطها وأوقاتها.
وأضافت: "يوجد لدينا في الطب القديم ما يشبه هذه اللصقات ولكنها لحالات محددة وتسمى "اللبخات" لعلاج بعض الأمراض الجلدية أو ضربة الشمس، وارتفاع درجة حرارة الجسم، ولكن ليس لتنقية حليب الأم، والغبار المسبب للحساسية، والكوليسترول".
وحول الطرق الصحية لإخراج السموم من الجسم أوضحت الخبيرة غفران حبيب أن ذلك ميسر عن طريق التعرق، وخصوصا عبر حمامات السونا والبخار. إضافة إلى الحجامة التقليدية، وممارسة الرياضة، والالتزام بالهدي النبوي بالصوم كل اثنين وخميس وثلاثة أيام من كل شهر، ودعت الدكتورة هيا الجوهر إلى الإكثار من شرب الماء، وعمل "حلة" أي: استخدام مسهلات كل شهر مرة كما كان يفعل النبي صلي الله عليه وسلم.

الأكثر قراءة