عيادات القراءة
نشأت منذ زمن متقدم عيادات ألحقت ببعض الجامعات في أوروبا وأمريكا تُعنى بإصلاح عيوب القراءة والإرشاد إلى أصولها وقواعدها. إضافة إلى آلاف الكتب والمقالات التي عالجت هذا الفن، وأمدت العالم الغربي بخبرات رجال التربية وعلم النفس في ضبط أصول هذا الموضوع الحيوي، وآتت هذه الجهود ثمارها في ولادة جيل يعشق القراءة ويهيم بها.
والقراءة فن له قواعد وأصول، ومهما اجتهد القارئ فلن يحصل على ثمرة مجهوده إلا إذا اتبع تلك القواعد والأصول ولن ينتفع بالكتاب إلا من تضطرم في قلبه جذوة الشوق إلى المعرفة.
والدور المناط بعيادات القراءة يتمثل في ثلاثة محاور:
غرس حب القراءة لدى الجميع، وخصوصاً عند الناشئة وفق رؤى وبرامج.
وصفات مرشحة من الكتب والقصص منسجمة بدقة مع العمر والثقافة تراعي الفروق الفردية والمؤثرات والمتغيرات المتعلقة بالمكان والزمان.
منهجية القراءة وهي القواعد والأصول التي يسير عليها الراغبون في القراءة وهي محصلة تجارب أفذاذ علماء التربية والنفس، في الطريقة المثلى للقراءة.
وكل الجهود في إنشاء جيل قارئ لابد أن تصب في محيط هذه المحاور.
والكتاب الجيد من أثمن النعم لمن حباه الله الذوق والفهم، لأنه في الحقيقة خلاصة حياة عظيمة غنية واسعة الآفاق، والكتاب الجيد أيضاً يفتح أعيننا على ألوان من المعارف لم نكن نعرفها من قبل، والإنسان منهوم بحب الحياة، ود لو عاش أعماراً مضاعفة وتذوق كل ما تفيض به الحياة.
فالكتب تضيف أعماراً إلى أعمارنا، فهي سياحة في المكان والزمان.
إن الشعوب القارئة تستشرف المستقبل بخطى واعية ثابتة، وتقرأ العبرة من تاريخها الغابر، فلا تقع في حبائل أعدائها، فهي تملك من الوعي ما يجنبها عثرات الطريق.
إذن الطريق إلى الثقافة يمر عبر الكتاب، والطريق إلى الكتاب لم تمهد طرقه وتعبد في بلادنا العربية، وإن كانت البلدان العربية متفاوتة في معرفة الطريق إلى الكتاب، فهي ليست على درجة واحدة.
ولكن من الواضح أن المدرسة لم تقم بدورها في غرس حب القراءة في نفوس طلابها، والمكتبات المدرسية قاصرة عن مراعاة حاجات الطلاب السنية والنفسية، وغالب الكتب التي في المكتبة المدرسية لا تناسب ثقافة المرحلة ولا سنها. والكتب عبارة عن مراجع وقواميس لغوية ومجلدات كبار في أدق التخصصات!
ومكتبات القطاع الخاص الكبيرة مثل: مكتبة جرير والعبيكان والرشد.. وغيرها لها دور جيد في نشر الكتاب المفيد من جهة، ولكنها مقصرة من جهة أخرى في فتح عيادات للقراءة تسهم في التواصل مع الآخرين.
والمكتبات الحكومية مثل: مكتبة الملك فهد الوطنية، والملك عبد العزيز العامة. وكذلك مركز الملك فيصل وغيرها تمثل ثروة عظيمة من أثمن ثرواتنا، ولكنها تصب جُلّ اهتمامها في جمع الكتب والمجلات والوثائق والمخطوطات وإتاحتها للباحثين وهذه خدمة عظيمة تستحق التقدير. ولكنها تقف بعيدة أمام المحاور الثلاثة التي سبق ذكرها للعيادة.
أما بعد فعندما يستشعر الأب أهمية إنشاء مكتبة صغيرة في البيت، وتُفعّل المدرسة دور المكتبة، ويسهم القطاع الخاص والقطاع الحكومي والجامعات والمراكز البحثية في إنشاء عيادات للقراءة، تقوم بدورها باحتراف ومهنية عالية، عند ذلك ننتظر ولادة جيل طموح يعشق القراءة ويهيم بها. وطابت أيامكم.