في ساحة الأطفال الشعراء.. الصوت الأعلى للحداثة غير المقصودة!
الأطفال قصائد تمشي على الأرض، إن ضحكوا جاءت القصيدة ساخرة، وإن بكوا أغرقت في الحزن، وإن مدحوا لم يتمنوا أكثر من حلوى! هم أجمل القصائد وأكثرها شاعرية حتى إن لم ينطقوا بحرفٍ واحد، ولكن ماذا عنهم حين يكتبون الشعر في سنينهم الأولى؟ ماذا عن شعرٍ يكتبه من لم ينهي أسئلته الشائعة بعد؟ حتماً سيكون هذا الشعر مليئاً بالدهشة كما هي أسئلتهم التي لا تنتهي ولا تراعي حرج الوالدين!، اليوم جئنا لكم بشعرٍ بريء لأطفالٍ شعراء، البعض منهم أبناء وأشقاء شعراء معروفين، والبعض الآخر لا علاقة لأسرهم بالشعر ولا تنطبق عليهم العادة العربية الشائعة في تتبع جذر الشعر حين يقال فلان بدأ الغواية، خصوصاً أن الطفل هذه الأيام ليس بحاجة إلى أبٍ شاعر أو عمٍّ أو خال، فقبيلة الفضائيات المختصة بالشعر كافية لجعل غير الناطقين باللهجة الشعبية شعراء شعبيين.
في هذه الساحة البريئة يبدو أن الحداثة "غير المقصودة" هي المتسيّدة للمشهد. فالأطفال الذين يكونون في أوج حاجتهم إلى الأجوبة في سنينهم الأولى حين يتجهون عبثاً ــ ربما ــ لكتابة الشعر ينقلون معهم هذه التساؤلات إلى أبياتهم التي تزنها وتقفّيها البراءة والطهر.. في هذه الرحلة وصلنا إلى الكثير من الشعراء والشاعرات الأطفال، وكما أسلفنا فقد كانت التساؤلات ومحاولة تعريف الأشياء هي أكثر ما يلفت النظر في نصوص هؤلاء الشعراء الطاهرين!، واصطدمنا بكثير من المقاطع التي لا تصلح للنشر!، ولا غرابة، فالطفل الذي يسأل ويسأل ويسأل حتى يملّل والديه، كتب هذه الأسئلة التي كانت في بعضها وجودية وفي بعضها الآخر محاولة لإكتشاف نفسه، في الجانب الآخر عثرنا على نصوص لشعراء كلاسيكيين في هذه الساحة البريئة، وفي مجمل هذه النصوص الحداثية والكلاسيكية كانت طرافة الأطفال حاضرة حتى وهم يعطّرون الشمس وينوون قتل الساعة!.
فهذه شاعرة صغيرة من فئة "الأطفال الحداثيون"، اختارت أن تعطّر الشمس، بعد أن أخذت العطر من الوردة، لكنها قبل تعطير الشمس وضعت حكمها الأبدي على الشعراء بعدم الغياب، وكأنها تقول لهم: الحقيقيون منكم لا يغيبون:
الشاعر ما يغيب!
الوردة: الريحة الحلوة!
الريحة الحلوة ما تغيب
الشمس الحلوة: ريحتها حلوة!
وهذا عبدالمجيد الشريف، جاء نصه على نهج الحداثة غير المقصودة، وهو من عائلة شعر، فأخوه الأكبر هو الشاعر فيصل الشريف، عبدالمجيد لديه ثأر مع الساعة، وربما رؤية، من أجود ما وجدنا في صيدنا، نصه هذا:
الساعة: نعامة!!
رقبتها طويلة..
سريعة..
تطير..
أبقتل الساعة !!
أنهار, ابنة الشاعر خالد قمّاش, كانت هي الأجمل في المحافظة على وقع التفعيلة في نصّها، خاطبت وضّاح، وجعلت للمشاعر قدمين من شعر تمشي للترحيب به، الطريف في نص أنهار قولها "طلعت قلوبي".. وكأنها أرادت أن تشير إلى كثرة ما "طلع قلبها" من وضّاح:
وينك يا وضاح يا وردة الصباح
يا وردة الصباح ونجمة الليل
متى جيت والمشاعر فرحانه
الناس كلهم فرحانه لك يا وضاح
شرفت مدينة الناس كلها
وأنت يا وضاح نجمة الليل ووردة الصباح
المشاعر فرحانة ..ومشاعر تمشي معك يا وضاح
بديت في يوم من الأيام شفتك يا وضاح
جفت عروقي وطلعت قلوبي منك يا وضاح
هلا يا وضاح بك يا وضاح
شرفت في أي مدينة يا وضاح
الناس قالوا ما أحلاك يا وضاح
يا نجمة الليل ووردة الصباح
هلا يا وضاح
في المقابل استخدم الأطفال الكلاسيكيون الطرافة للوصول سريعاً، تماماً كما استخدمها الكلاسيكيون الكبار "مقارنةً بالسن فقط!"، وللأمانة فطرافة الأطفال العفوية ألذ وأكثر جذابية، فهذه مريام تبرر حبها للبطاطس بمحبة والدتها للفلافل!:
أنا أمي يوم جابتني توحّمت على فلافل
عشان كذا جيت أحب البطاطس!!
ثم وفي مقطعٍ آخر تضع مريام مقارنة طريفة بين منزليها في الرياض والديرة، فالمنزل في الديرة كما قالت "فيه حوش" أمّا الذي في الرياض فبلا "حوش" والسبب الذي لا تعلمه مريام هو أن "بيت الديرة" بُنِيَ على مساحةٍ حرّة، كما هي نصوص هؤلاء الطاهرين، حرّة وطاهرة وبريئة، تقول مريام:
يا بيتنا اللي في الديرة فيك حوش
ويا بيتنا اللي في الرياض ما فيك حوش!!