الأمراض النفسية وسوء العلاقة الأسرية تدفع المراهقين للانتحار

الأمراض النفسية وسوء العلاقة الأسرية تدفع المراهقين للانتحار

توقفت كثيرا وأنا أتابع وسائل الإعلام المختلفة, وهي تطرق ظاهرة الانتحار, هذه الظاهرة التي أصبحت تتنامى, فلا تخلو وسيلة إعلامية من حدث يتناولها, يا ترى ما الذي جعل هذه الظاهرة تتزايد وتتجاوز الحالات القليلة والنادرة لتصبح ظاهرة خطيرة يخشاها الجميع؟ ما الذي يدفع الفتاة التي تعيش مع والديها فجأة لتبحث عن حل لإنهاء حياتها؟ وما الذي يدفع ذلك الشاب الذي تشبع بالتربية الدينية لتتغير حياته للأسوأ فيبحث عن إنهاء حياته؟ إنها تساؤلات عديدة تبحث عن حل. فحالات الانتحار تتزايد في أوساط المراهقين والمراهقات في مجتمعنا, فماذا تقول الدراسات عن فشو هذه الظاهرة وأسبابها؟ ولماذا المراهقون هم المعنيون بالأمر أولا وهم الفئة التي تتجاوز سنها العشرين قليلا؟

تحليل أسباب الانتحار
أردت أن أقف على حقيقة هذه الدراسات فوجدت أن التبحر حول هذه القضية مفيد جدا حتى يمكن معالجتها, فالتفت يمنة فإذا تلك الإحصاءات التي أصدرتها وزارة الداخلية عن حقيقة هذه الظاهرة المتنامية التي اكتوت بنارها كل مدن ومحافظات بلادنا المترامية الأطراف, فأخذت أتأمل بعض الكتابات حول هذه الظاهرة فوجدتها تسير في الطريق البعيد الذي لا يمكن أن يصل إلى فكر هؤلاء المراهقين أو المحطمين نفسيا نتيجة ظروف مختلفة, فهذه عدة دراسات تحدثت عن تحليل أسباب الانتحار لدى المراهقين والمراهقات، توصلت إلى أن تنوع الظروف الاجتماعية والفردية للمراهق تمثل الجانب الأهم في هذه المنظومة, وتشير هذه الدراسات إلى أن أهم الأسباب أيضا التي تدفع المراهقين إلى الانتحار نظام حياته الاجتماعية وعلاقاته الأسرية مع أهله من جانب وعلاقاته بالآخرين من جانب آخر, الذي ينتج عنه ضغوط متنوعة يقاومها المراهق أو المراهقة هي قسوة الأسرة ورفض السلوكيات الخارجية والتأخر في العودة للمنزل والسهر مع الأصدقاء والصديقات والتعرض للفشل في الدراسة، وقد يكون ذلك نتيجة علاقات مشبوهة وجنسية وضغوط اجتماعية وضعف الوازع الديني أو أحد المقربين, وقد تسهم المشاحنات بين الزوجين في زعزعة حياتهم ما يجعلهم يلجأون إلى هذا الحل القاتل .

ماذا يقولون عن هذه الظاهرة؟
لكن ماذا عن المعنيين بهذه الظاهرة .. ماذا يقولون عنها؟ فهم يمثلون الأكثرية فيها وهم فئة الشباب والفتيات حيث يتحدث الشاب سعود الغامدي عنها بقوله مع الأسف الشديد أن هذه الظاهرة أصبحت تهدد المجتمع وهي في الفترة الأخيرة لمسنا أنها تصدر من بعض الشباب والفتيات ونأمل من أولياء الأمور أن يحسنوا تعاملهم مع الأبناء لأن ذلك أحد الأسباب الرئيسة لحالات الانتحار. ويؤكد عبد الله الفهد أن هناك أمراضا نفسية تسهم في وقوع حالات الانتحار في المجتمع نتيجة سوء التعامل معهم في المجتمع وتأثرهم بذلك, إضافة إلى وجود حالات يأس لدى بعض المنتحرين تجعلهم يلجأون إلى الانتحار . وفي الجانب الآخر وبدورها تقول مشاعل السعد إن وقوع حالات انتحار من قبل بعض الفتيات ربما يعود لوقوعها في حالة اضطهاد وسط أسرتها أو ارتكابها بعض الأخطاء غير الأخلاقية فتريد التخلص من بقائها في المجتمع نظرا للنظرة الدونية لها من قبل الآخرين فتكون النتيجة قيامها بالانتحار.

ماذا يقول العلم الشرعي؟
من جهته, يؤكد المفتي العام للمملكة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ أنّ من أعظم النّفوس حرمةً عند الله نفسَ الإنسان التي بين جنبيه، فالنفس أمانة في عنقِه, فلا يتعدّى عليها، ولا يتعرض لها بسوء، فأنتَ مسؤول عنها، فيجِب المحافظة على النّفس، ومحاولةُ قتل النفس من كبائر الذنوب، سببٌ للعذاب يومَ القيامة وسخطِ الله وغضبِه، قال الله تعالى: "وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ ?للَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا" [النساء: 29]، فنهانا عن قتلِ أنفسنا لأنّه تعالى بنا رحيم، ولذا وجَب على المسلم الصبرُ على البلاء، وحرم عليه الاستعجال بقتل نفسِه، بل نُهي عن تمنّي الموت، وأُمر بالصّبر والاحتساب, ففي الصحيح أنّه قال: "من قتل نفسَه بشيء في الدّنيا عُذِّب به يومَ القيامة"، أي: يكون عذابُه بذلك النّوع الذي أزهَق به نفسَه، وفي الصحيح أيضًا أنّه قال: "من تردّى من جبل فقتل نفسَه فهو في نار جهنّم يتردّى فيها خالدًا مخلّدًا فيها أبدًا، ومن احتسَى سُمًّا فقتل نفسَه فسمُّه في يده يحتسيه في نارِ جهنّم خالدًا مخلّدًا فيها أبدًا، ومن قتل نفسَه بحديدة فحديدته في يدِه يجأ بها بطنَه يوم القيامة في نار جهنّم خالدًا مخلّدًا فيها أبدًا"، ويقول: "الذي يطعَن نفسَه يطعنها في نار جهنّم، والذي يقتحِمها ـ أي: النار ـ يقتحمها يومَ القيامة، والذي يخنق نفسَه يخنقها في النار يوم القيامة".
وأبان أن قتل النّفس سببٌ لسوء الخاتمةِ وورودِ النّار والعياذ بالله. في عهد النبيّ رجلٌ غازٍ مع النبيّ لا يدَع للمشركين شاذة ولا فاذة إلاّ قضى عليها، فقال النبيّ: "هو في النّار"، فقال بعض الصحابة: إن يكن هذا في النّار فمن يدخلُ الجنة؟! لِما رأى من شجاعتهِ ودفاعِه، فلمّا آلمته الجِراح أخذ سهمًا من كنانتِه فانتحر وقتلَ نفسه، فجاء الرجل إلى النبيّ يعدو وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنّك رسول الله؛ الذي قلتَ: إنّه في النار قد صدَق الله حديثَك، قد أخذ سهمًا من كنانتِه فانتحر. وفيهِ أيضًا أنّ رجلاً أصابته جراح، فجزع فأخذ سكّينًا فحزَّ بها يدَه فلم يرقأ الدّم حتى مات، فقال الله: "بادرَني عبدي بنفسِه قد حرّمت عليه الجنّة".
فعلى المسلم ألا يكونَ فريسةً للأعداء، يقضون به أهواءَهم وينفِّذون به أغراضَهم. فلا بد من محاسبة النفس قبل الإقدام على هذه الجريمةِ وهي قتل النفس، الانتحار، تفجير النّفس؟! فعلى الراغب في الانتحار أن يسأل نفسه لماذا يفعل هذا؟ ولمصلحة من يفعله؟
فهو يقدم على أمرٍ خطير فيه إنهاءٌ لحياتِه، فهل تكون حياته حياةَ شقاء ويختِم حياته بسوء الفعل ويلقى الله بهذه الخاتمةِ السيّئة؟! إنني أقول لمن يريد أن يفعل هذا الفعل إنه عندما تعزم على قتل نفسه, فإنه يعصى ربّه, ويخالف هديَ نبيّه, ويضرب به عرضَ الحائط.
ومن جانبه قال الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان, حيث أكد أن المنتحر أو قاتل نفسه في النار, وقال فضيلته إن النفس البشرية محترمة ويجب المحافظة عليها إلا في الأحوال التي شرع الله قتلها فيها لمصلحة أعظم, ولذا حرم الله على الإنسان أن يقتل نفسه لأي دافع قال تعالى: "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما. ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيرا", وصح في الحديث أن من قتل نفسه فقد أوجب الله له النار, وأن من قتل نفسه بالسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم, ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها نفسه في نار جهنم, ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم, وأوضح الشيخ الفوزان أن من ذلك قتل النفس بما يسمونه الانتحار أو قتل النفس في التفجيرات التي يسمونها الجهاد في سبيل الله ويزعمون حصول الشهادة لمن يفعل ذلك وهو قاتل لنفسه يستحق النار والعذاب والجهاد بريء من هذا العمل, وكذلك لا يجوز تعريض النفس للخطر الذي تترجح في التعرض له مصلحة شرعية قال تعالى: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" فالنفس البشرية محترمة ما لم يهنها صاحبها بالكفر والمعاصي .

أوضح الشيخ محمد المنجد الداعية الإسلامي المعروف أن الانتحار جريمة كبرى وسوء خاتمة, فالذي يقتل نفسه فرارا من مصيبة أو ضائقة أو فقر أو نتيجة انفعال وغضب, إنه بهذا يعرّض نفسه لعقوبة الله, فقد قال سبحانه وتعالى: "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما . ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا", وثبت في الصحيحين عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يُلجم بها بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا, ومن قتل نفسه بسُم فسمّه في يده يتحساه في نار جهنم ... الحديث, وقال عليه الصلاة والسلام: " يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال ذرّة من إيمان, وأضاف أن المسلم مهما وقع تحت ضغط نفسي أو كربة شديدة فإنه لا يمكن أن يقدم على قتل نفسه لأنه يعلم أن عاقبة ذلك هي النار والعذاب الأليم كما قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بحديدة فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ - يطعن - بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا" رواه البخاري
 وتجويع الشخص نفسه بامتناعه عن الطعام إلى درجة الموت هو نوع من الانتحار والقتل المتعمد للنفس وكيف يقدم مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر على الانتقال من عذاب في الدنيا إلى عذاب وأشد وأنكى وأطول في الآخرة, إن هذا لا يفعله عاقل, ثم من أجل أي شيء؟ سواء كان من أجل امرأة أو أي أمر آخر متعلق بحياته والصبر من الأمور المعينة "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب" و"سيجعل الله بعد عسر يسراً( وعلى من يصيبه هم أو غم أن يلجأ إلى الله وذكره مما يُسكن النفس ويعيد لها الثبات .
ومن جهته, قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, إن المنتحر وهو القاتل لنفسه من أهل الكبائر قالوا: الذي يقتل نفسه أو يقتل غيره متوعد بالوعيد الشديد جاءت الأحاديث بأن من قتل نفسه يعذب يوم القيامة، وأن من قتل نفسه بسكين فهو في نار جهنم يجأ بها بطنه، ومن قتل نفسه بسم فهو يتحساه في نار جهنم، ومن قتل نفسه بالتردي من جبل وغيره فهو يتردى في نار جهنم، وهذا عند أهل العلم من الوعيد، إن كان استحل هذا، ورأى أنه حلال هذا يكون كفرا, أما إن لم يستحله فهو من الكبائر له حكم أهل الكبائر، لا يخرج من الملة، لكن عليه الوعيد الشديد، نعم. وطبعا إذا كان معه عقله فهو طبعا مكلف، هذا فيؤاخذ, أما إذا كان غير مكلف ثم قتل نفسه، هذا غير مكلف، لكن الواجب على وليه أن يلاحظه وألا يهمله، وألا يترك في يده شيئا يقتل به نفسه.

الأكثر قراءة