"الدايات" عائدات!

[email protected]

في محادثة هاتفية أجريتها مع أحد الأصدقاء المفلسين في الأرض نهاية الأسبوع الماضي لأبارك له بقدوم مولوده الجديد, ذهلت عندما أخبرني بأنه أجبر زوجته على الولادة في المنزل بعد الاستعانة بقابلة (داية) لتوليدها مقابل 4 الآف ريال سعودي (ريال ينطح ريال) إضافة إلى تكاليف عدّة الشغل!
والحق أقول إنني لا ألوم صديقي الذي أصبح أباً دون الاستعانة بمستشفيات وزارة الصحة فهو لن يتمكن من الاستعانة بها أصلاً حتى وإن نوى ذلك, وبافتراض أن الحظ حالفه لكونه مواطناً صالحاً ومتقيداً بأنظمة هذه الوزارة التي وضعت جميع الدواعي الإنسانية لإنقاذ الحالات الطارئة على الرف, واستبدلتها بأنظمة فتح الملفات في مراكزها الصحية المتهالكة, فإنه في الغالب سيفقد فلذة كبده بعد توجهه للمستشفى بست ساعات تقريباً عندما يزف له طاقم التمريض خبر وفاة الجنين في بطن والدته قبل أن يصلها الدور لتوليدها وقبل أن تتمكن من دخول لعبة الأسرة التي تشبه إلى حد كبير لعبة الكراسي المعروفة.
ولنتخيل أن جميع أموره سارت على ما يرام و قبض على سرير أبيض مائل إلى الاصفرار في أي مستشفى من مستشفيات وزارة الصحة, فهو سيدفع الثمن غالياً من أعصابه وحالته النفسية أثناء مراقبته للمولود الجديد خوفاً من أن تخطفه يد عابرة من هنا أو هناك كما سبق وأن حدث لغيره!
أيضاً سيضطر صديقي المواطن الصالح إلى شراء كاميرا بمواصفات عالية جداً لالتقاط صورة واضحة ومقربة لملامح وجه ضيفه الجديد وسيأخذ بصماته بالحبر الأسود الذي تستخدمه جهات الأدلة الجنائية بمجرد خروجه من بطن أمه, حتى يضمن عدم تبديله بطفل آخر كما يحدث بشكل مستمر لغيره من الآباء الصالحين في هذه المستشفيات, فصديقي الذي أعرفه جيداً لن يتمكن مستقبلاً في حال وجود أي خلل من تحمل التكاليف المادية الباهظة لإجراء تحليل الحمض النووي للضيف الجديد!
وبالأمس تجولت في طريق العليا مروراً بطريق التحلية وأدهشني عدد المحال التي انتشرت على جانبي الطريقين بديكوراتها ولوحاتها الفاخرة التي كتب عليها (دايتكو 2012 - سفن ستار للتوليد – التوليد السريع..إلخ) فقررت أن أتوقف عند أحدها لأستفسر عن الخدمات التي تقدمها هذه المحال ولحسن الحظ كان أحد زبائن المحل الذي توقفت أمامه خارجاً للتو وتبدو على وجهه ملامح السرور فاستوقفته سائلاً عن طبيعة عمل المحل والخدمات التي يقدمها, فما كان منه إلا أن أخرج من جيبه ورقة وأشار إلى أنها فاتورة ضمان من رئيسة مجلس إدارة المحل (الداية أم نيرمين) للمولود الجديد الذي رزق به قبل قليل !
وبينما كنت أكمل حديثي معه صحوت من النوم فزعاً بسبب صوت التلفزيون الذي كان ينقل تصريحاً لمسؤول في وزارة الصحة يؤكد فيه أن الوزارة ستحاسب جميع منسوبيها المقصرين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي