القصب.. مدينة ((الملح))كتب عنها الحموي في معجمه وأهلها يتركونها
من اسمها يمكن تخيل أنها مدينة زراعية صغيرة، فعندما تقول "القصب" ترتسم هذه الصورة ويقف الأمر عند ذلك، بينما توجد خلف ما يمكن تخيله تفاصيل كثيرة، أبرزها الملح، الذي تشتهر بإنتاجه هذه المدينة، ما دفع "الاقتصادية" للذهاب إليها والقيام بجولة كاملة، تزيح الكثير من التساؤلات وأولها ما يدور حول كيفية خروج الملح من "القصب" وهي تقع في وسط صحراء! وحين الوصول إلى المدينة الصغيرة أدركنا أبعادا أخرى من الجمال، خاصة لمن يحب التراث القديم، وهي المدينة المعروفة في نجد منذ زمن، حتى إن ياقوت الحموي أحد الأئمة البارزين في تاريخ الأدب الجغرافي عند العرب ذكرها في معجم البلدان فكتب : "والقصبات بفتح القاف، والصاد، والباء، بعدها ألف، فتاء من قرى اليمامة" وهي ما يعرف اليوم بمدينة القصب.
تقع (القصب) على مسافة لا تزيد على 170 كيلو مترا شمالي الرياض (قريبا من محافظة شقراء)، وتتمتع بالخدمات الأساسية المتكاملة، فهي موصلة بالكهرباء بشكل كامل، وتصل الخطوط الهاتفية الثابتة إلى مختلف أطرافها، كما أن تغطية الهاتف الجوال تصل إلى أنحاء المدينة، إضافة إلى أنها تحوي محكمة، مركزا إداريا وبلديا، مركز شرطة، مركزا للهلال الأحمر السعودي، والخدمات الأساسية الأخرى.
وأهم ما يميز المدينة اشتهارها على مستوى المملكة بـ"ملح القصب" الذي يصل إلى جميع المناطق من خلال العاملين في"المملحة" التي تقدم إنتاجا كبيرا على مدار العام، حيث استفادت القصب من موقعها قريبا من أرض سبخة لا تبعد عنها سوى بضعة كيلومترات لتنتج الملح اعتمادا على المياه الجوفية القريبة من الأرض، التي تحتوي على نسبة ملوحة عالية.
قياسا بما سبق، تتمتع القصب بمجتمع زراعي صغير لا يكاد يغطي تكاليفه في الأراضي السبخة نفسها، حيث تزرع القمح في مواسم الأمطار وبعض أنواع الخضار والورقيات في كل عام.
شارع يقسم المدينة نصفين
بدأت الزيارة لهذه المدينة بجولة في المنطقة القديمة، منطقة البيوت الطينية التي هجرها أغلب أهلها إلى المدن الكبيرة أو إلى البيوت الحديثة، وأصبحت تؤجر على العمالة التي تساعد على أعمال البناء والزراعة في المدينة.
تشكلت البيوت الطينية على الطراز النجدي المعروف، لكنها تميزت بمصاطب المياه الطويلة، إذ إن المنطقة كانت تعيش الأمطار باستمرار في القديم، عدا ذلك، فالمدينة لا فرق بينها وبين البيوت الطينية النجدية المشهورة.
يقسم المدينة شارع رئيس إلى قسمين (حديث وقديم)، تقع الخدمات كلها في الجانب الحديث من المدينة، فيما عدا المحكمة التي تقع على مقربة من البيوت القديمة.
"المملحة" على بعد 4 كيلومترات
عوداً إلى الملح، فهو ينتج بشكل بسيط من دون تعقيد في منطقة لا تبعد سوى أربعة كيلومترات شرقي المدينة على الطريق المؤدي إلى مرات، وتسمى هذه المنطقة: "المملحة"، وتشتهر المنطقة بأراضيها السبخة وتستخرج الملح من مياهها الجوفية شديدة الملوحة، وكانت في السابق عملية مضنية وشاقة جدا لكنها اليوم أسهل بكثير من السابق.
"البركة" و"الجفارة الدنيا"
تبدو عملية إنتاج الملح من أبسط أنواع الإنتاج؛ لأنها عملية للحصول على مادة موجودة كما هي بعد كشف الأتربة عنها دون تكرير أو معالجة، ولكن الحقيقة أن إنتاج الملح يتطلب جهداً ووقتاً ومتابعة مستمرة، وهذا سبب قلة العاملين في هذا النوع من الإنتاج، حيث كان العاملون في المملحة في السابق يحفرون حفرة يصل عمقها إلى ثلاثة أمتار أو أكثر قليلا ويخرج الماء بعد ليتجمع في حوض يحيط بالحفرة –يسمى "البركة"- ويتم أخذ الملح بعد ذلك من أطراف الحوض التي يتجمع فيها ويجفف ثم ينتج وهذه الطريقة التي كان يعمل فيها في " الجفارة الدنيا".
"الجفارة القصوى" وأجهزة الضخ
طور أهل المنطقة الطريقة في الثمانينيات الهجرية لينقلوا الماء من "عين الجفر"، وهي العين التي يؤخذ منها الماء المالح إلى أحواض ترابية، وهذه الأحواض هي أساس إنتاج الملح، وفيها يتم تبخير الماء وترسيب الأملاح ويزاد الماء إلى الأحواض باستمرار كل يوم بمعدل 500-600 لتر يوميا حتى ترتفع نسبة الملح، بعد أن يترك فيها الماء فترة معينة تصل إلى ثلاثة أشهر في منطقة جديدة أبعد بنحو كيلومتر واحد تسمى " الجفارة القصوى" حتى يجف بفعل حرارة الشمس ومن ثم يوزن الملح ويباع حسب الطلب.
أما اليوم فقد أصبح الأمر أسهل في ظل تسهيل أجهزة ضخ المياه من العين إلى الأحواض الترابية بشكل يومي لا تحتاج سوى تشغيل الجهاز والحرص ألا يزيد منسوب المياه في الأحواض عن القدر الذي يمكن فيه احتواؤه.
الإنتاج بين "غثاية الملح" و"الصالوخ"
في القديم، كان صاحب الحوض أو الأحواض وأهل بيته من الرجال مسؤولين عن الأحواض بشكل مباشر فيقومون بشؤونها، ويحرصون بعد إنتاجها على جمع الملح الذي أنتج كل شهرين أو ثلاثة، ولا يبقى الملح في البركة حتى تصديره بل يتم تجفيفه خارج البركة في أرض مستوية بجانبها وتسمى هذه العملية "غثاية الملح" ويكون الملح بعد جفافه جاهزا للتصدير، ويباع بعدها إلى الموزعين داخل المدينة وخارجها.
والآن أصبح العمال من الجنسيات الآسيوية غالبا ما يقومون بهذه المهمة ويوزعون الملح على أكياس تحمل اسم المدينة، وكلها في وزن واحد تمهيدا لتوزيعها عبر الموزعين إلى أنحاء المنطقة الاستهلاكية.
وهناك بقايا الملح أو الملح المختلط بالتراب في آخر الأحواض، وتستخدم في دبغ الجلود، وكذلك نوع آخر يسمى "الصالوخ" وهو ملح أقل نقاوة أو مختلط بالتراب ويستخدمه رعاة الغنم والإبل بشكل أساسي، وهو يستخرج من البرك المتجمعة المهملة أحيانا أو تلك التي لا يرتفع منسوب مياهها عاليا.
200 ألف ريال في الجفر الواحد
المشكلة الكبرى التي تواجه العاملين في مملحة القصب هي التكلفة المادية العالية لعملية الإنتاج، التي تصل إلى 200 ألف ريال في "الجفر" الواحد، ويتوزع هذا المبلغ بين مصروفات العملية الإنتاجية والعمالة والمتابعة والمولدات الكهربائية، وفي المقابل ليس هناك مردود كبير، إذ إن الأرباح الشهرية ليست جيدة، وكذلك فالمملحة تخضع لسيطرة العمالة الآسيوية بشكل كبير إدارة وإنتاجا وتوزيعا.
إنتاج التمور والخضراوات أيضاً
بعيداً عن الملح، تنتج مزارع مدينة القصب: التمور، البطيخ، الطماطم، الخيار والنعناع، وتتركز سوقها الزراعية داخل المدينة، وفي محافظة شقراء والقرى المجاورة، لكنها سوق محدودة جداً، الجيد فيها من يغطي تكاليف مزرعته دون أي أرباح تذكر.
المغادرة من أجل الوظيفة والدراسة
تعتمد القصب على الوظائف الحكومية بشكل أساسي، ويغادرها خريجو الثانوية إلى العاصمة أو إلى المناطق الأخرى للدراسة الجامعية والعمل، وبالرغم من تركز مصنع للملح يكرر150 طنا يوميا، إلا أنه لا يعمل فيها سوى نسبة ضئيلة من السعوديين، وقد استبشر مجتمع القصب بإنشاء المصنع، إذ كانوا يتوقعون أن يفرز فرصا وظيفية للشباب السعودي، إلا أن ذلك لم يحدث بالشكل المطلوب.
مدرسة لكل مرحلة للبنين والبنات
التعليم متوافر في القصب بمعدل "مدرسة لكل مرحلة" سواء للبنات أو البنين، وهي حاليا في مبان مستأجرة، والعمل جار حاليا على تجهيز المباني الحكومية المخططة بشكل كامل ليتم الانتقال إليها، وهي تتمتع بطاقم تدريس متكامل وتشارك سنويا في الأنشطة الثقافية والاجتماعية التي تنفذها وزارة التربية والتعليم.
افتقار إلى المنشآت الشبابية
تعاني هذه المدينة انعدام المرافق الرياضية الترفيهية التي يحتاج إليها الشباب لمزاولة أنشطتهم المختلفة، ويقتصر الموجود على ملاعب ترابية مجهزة باجتهادات شخصية، وهناك مكتبة عامة مستأجرة كانت تشرف عليها إدارة التعليم، وانتقلت حاليا إلى إشراف وزارة الثقافة والإعلام .
حفل سنوي للعيد من تبرعات الأهالي
يقيم الأهالي -بتبرعات خاصة منهم- حفلا سنويا في العيد تزيد تكاليفه على 150 ألف ريال سنويا، كما تقام في العطلة الصيفية مراكز تقدم أنشطة للشباب في كل عام تكلف نحو 40 إلى 50 ألفا سنويا، وتوقفت في العام الماضي لعدم توافر كوادر يمكنها الإشراف على هذه المراكز، كما أن "دار طيبة النسائية " تقدم برامجها للنساء والفتيات من دورات في الحاسب الآلي وحفظ القرآن ودورات في التجميل بشكل مستمر ويكون الإقبال عليها جيدا، وتقام محاضرات ثقافية ودينية ضمن برامج مكتب الدعوة ووزارة الشؤون الإسلامية.
لجنة التنمية الاجتماعية
نشاط الأهالي امتد إلى تكوين لجنة تقدم برامج تطويرية للمجتمع بشكل مستمر اسموها "لجنة التنمية الاجتماعية"، حيث تشرف على مهرجانات العيد بشكل خاص كل عام، وقد أقامت اللجنة عدة برامج للتدريب على الحاسب الآلي وبرامج تطويرية أخرى في جدول شهري، وتهدف إلى الاستفادة من الطاقات البشرية الكامنة في مدينة القصب.