ابحثوا عن العيّارين!
يتمتع بعض الأشخاص في هذا العالم بقدرة فائقة على السخرية الجميلة لانتزاع الضحك من أحدنا رغماً عنه, هؤلاء الأشخاص تسميهم ثقافتنا الشعبية (العيارين) فهم قادرون على جعلنا نضحك حتى من أنفسنا دون أن يبذلوا أدنى جهد في سبيل ذلك, وهم قادرون أيضاً على أن يلزقوا بأي كائن في هذا الكوكب اسماًً جديداً أو وصفاً ملازماً له بسخريتهم الكارثية أحياناً.
أحد أعظم العيارين الذين مروا بهذا العالم المؤلف والكاتب المسرحي الأيرلندي الشهير (برناردشو) الذي تردد كثيرا في قبول جائزة نوبل حين عرضت عليه عام 1925م ولكنه قبلها أخيرا وقال: "إن وطني إيرلندا سيقبل هذه الجائزة بسرور، ولكنني لاأستطيع قبول قيمتها المادية، إن هذا طوق نجاة يلقى به إلى رجل وصل فعلا إلى بر الأمان، ولم يعد عليه من خطر".
ومن طرائف (برناردشو) أن فتاة أرستقراطية قالت له ساخرة: "لو كنت زوجي لوضعت لك السم في القهوة" فالتفت إليها بكل هدوء قائلاً: "عزيزتي لو كنت زوجك لشربت هذه القهوة"!
ويروى أن برناردشو كان من أقرب أصدقاء ونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا, وقد اجتمعا يوماً فقال له تشرشل الذي كان شخصاً بديناً بشكل لافت: "إن من يرى نحول جسمك يا أخي برنارد يظن أن بلادنا تعاني أزمة اقتصادية حادة، وأزمة جوع خانقة", فأجابه برنارد شو على الفور : " ومن يراك أنت يا صاحبي يدرك سبب هذه الأزمة "!
وفي تراثنا العربي مئات الحكايات التي تروى عن العيارين القدماء فهذا أبو العيناء الأعمى يُجيب عندما سُئل عن مالك بن طوق والي الجزيرة في زمنه بقوله: "لوكان هذا الرجل في بني إسرائيل حين نزلت آية البقرة لما ذبحوا غيره!", ويُحكى أن رجلاً وقف بقربه يوماً فلما أحس به قال: من هذا؟ فرد عليه الرجل بقوله: رجل من بني آدم, فما كان من أبي العيناء إلا أن قال: "مرحباً بك أطال الله بقاءك كنتُ أظن أن هذا النسل قد انقطع!".
وأعترف لكم بأنني استفدت من سخرية أبي العيناء في مواقف كثيرة, وآخرها بالأمس عندما عزمني أحد الأصدقاء على الإفطار وقدم لي (شوربة) مليئة بالعظام, ولكم تعبت وأنا أبحث بين جنباتها عن قطعة لحم صغيرة أضاعت طريقها دون جدوى, فالتفت إليه قائلاً هل هذه (شوربة) أم (مقبرة), فانبطح ضحكاً دون أن يعرف أنني سطوت على مقولة قديمة لأبي العيناء للضرورة!.
إن في عالمنا اليوم الملايين من العيارين ولا يكاد يخلو مجلس من مجالسنا العامرة من أحدهم لكنهم متفاوتون في مقدرتهم على استلاب ضحكاتنا منّا فهناك عيّارسادة, وعيار بلس وعيار إكسترا وعيار منتوف الريش, وجميعهم بلا استثناء كائنات مفيدة للصحة, فقد توصلت دراسة أمريكية حديثة إلى أن الضحك أفضل دواء لجميع الأمراض, وأن مجرد التطلع إلى حدث إيجابي مضحك أومشاهدة تجربة مضحكة قد يعزز جهاز المناعة ويقلل التوتر. كما أثبتت الاختبارات التي أجريت على عينات هذه الدراسة أن مجرد توقع حدث مضحك، قد يرفع مستويات الأندروفين والهرمونات الأخرى التي تبعث شعوراً بالمتعة والاسترخاء وتخفض من إفراز الهرمونات المصاحبة للتوتر.
إنني أدعوكم إلى البحث عن (العيارين) وملازمتهم, والاستماع إلى قفشاتهم بشكل يومي حفاظاً على صحتكم, وعلى من لايجد عياراً أن يراسلني فأنا على أتم الاستعداد لإرشاده إلى صديقي الجميل الساخر (طارق السلهام) الذي سينهال علي بأصناف (المحشات) بمجرد قراءة هذا المقال.