ما بين اللحيدان والعلماء

[email protected]

قد يتبين لكثير من الناس الفرق بين المفكرين والوعاظ والقصاص الإسلاميين وبين العلماء ولكن قد يخفى ويلتبس عليهم الفرق بين علماء الملة وعلماء الناس. فعلماء الملة هم العلماء الربانيون المتبعون لكتاب ربهم وسنة نبيهم رضي الناس أم سخطوا. وأما علماء الناس فهم علماء عامة الشعب، علماء ما يطلبه المستمعون، فهم متبعون لرضى الناس متجنبون لسخطهم، فهم (أي هذا الصنف من العلماء) ميسرين تارة لما شدد الدين فيه وحرص عليه بينما تراهم معسرين مشددين تارة أخرى لما يسر الدين فيه أو سكت عنه، وتراهم شجعانا حينا وحكماء مداهنين أحيانا أخرى طالما أنهم في كلا الحالين هم محبوبو الجماهير. تراهم يحرمون ما أحل الله تارة ثم يستحلونه تارة أخرى مستندهم في ذلك إلى الاستحسان الموافق لهوى الناس. لو تتبع أي منصف آراءهم وفتاواهم خلال فترة زمنية أو مساحة جغرافية لوجد فيها تناقضا واختلافا كبيرا. هذا الصنف من المنتسبين للعلم الشرعي هم من عسر على الأمة أمر دينها ودنياها وأوقعها في الحرج والضيق لاتباعهم الهوى وإلا فما جعل الله علينا في الدين من حرج. فهم من اعتبروا بلاد الغرب دار حرب ثم أيدوا اللجوء إليهم . هم من وصفوا الانتحاريين بالاستشهاديين ثم عادوا وسموهم إرهابيين. وهم من حرموا ما لم يحرمه الله ورسوله ثم عادوا واستحلوه بأدنى الحيل، وهم من سار في ركاب الإرجاف في زمن الفتن ثم عادوا وتبرأوا من ذلك. وما حدث ذلك التناقض والاختلاف إلا لاتباعهم الهوى الموافق لهوى الناس، وصدق الله "ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا".
وفي خضم هذه الفوضى والتخبط ، يقف علماء الملة الربانيون وقفة حق وصدق في الحالين، يصححون ويرشدون الناس إلى منهاج النبوة صابرين على أذى الناس الذين استخف بعقولهم علماء ما يطلبه المستمعون.
علماء الملة الربانيون يسيرون على منهاج النبوة في كل الأماكن والأزمنة لا يميلون عنه، ولا يحيدون لا تناقض ولا اختلاف، سندهم وحجتهم قوله تعالى "قل إني على بينة من ربي".
علماء الملة الربانيون يختلفون في مناهجهم الاستنباطية ويجتمعون في القرآن والسنة. فهم على مدارس فكرية متعددة أكتفي منها باثنتين لاجتناب التشتيت والإطالة. فمنها الاتباع المطلق وهي مدرسة الصديق، أبي بكر وعبد الله بن عمر وأحمد بن حنبل ومن بعدهم من المعاصرين كالشيخ محمد بن عبد الوهاب. والمدرسة الثانية مدرسة الاجتهاد والتي يمثلها الفاروق عمر وعبد الله بن مسعود وابن تيمية ومن المعاصرين كالشيخ بن عثيمين رحمه الله. ويتفرع من هذه المدرسة اتجاه فكري خالط الثقافات المختلفة وعايش التقدم العلمي السريع المعاصر فتميزت قدرة التصور لدى علمائه بإدراك فقه المتغيرات المعاصر. كل هؤلاء العلماء على خير وعلى ثغر من ثغور الدين، واختلاف مناهجهم الفكرية مع اجتماعهم في القرآن والسنة هو من أوجد التوازن في الدين. فهو من حفظ أصل الدين من التحريف والتغيير بينما قدم له ديناميكية التكيف مع المتغيرات التي تطرأ على حياة الناس وخاصة في العقود الأخيرة.
الشيخ صالح اللحيدان من البقية الباقية من علماء الملة الربانيين الذين حمى الله بهم الدين وحفظ بهم بلادنا من الفتن، لم يتناقض في الآراء والأقوال ولم يِِزل أو يتقلب في المواقف والفتن التي زل بها الكثير ممن أصبحوا علماء الناس في الوقت الحاضر. الشيخ اللحيدان جبل في العلم اقترن بذكاء حاد وبصيرة ثاقبة قد أشغله القضاء (أشرف مهنة عرفها الإنسان) عن الاشتغال بالفتوى والتدريس.
إن المنهج الفكري السلفي النقي الصافي للشيخ، حفظه الله، مقترنا بعمق علمه وإخلاصه مع غلبة نزعة القضاء على حياته قد ارتقى وسما بآرائه الفقهية عن أفهام عامة الناس التي أفسدها علماء ما يطلبه المستمعون. "وكم من عائب قولا صحيحا.. وآفته من الفهم السقيم". الشيخ حفظه الله تعالى أحد أعمدة الدين التي يبعثها الله في الأمة ليثبت بها الدين ويمنعه من التغيير والتحريف كلما رفع الله واحدا منها بعث جل شأنه آخر.
قد تطاول السفهاء والجهلة على الأنبياء والرسل، والعلماء هم ورثة الأنبياء فلا بد أن ينالهم نصيبهم من الإرث النبوي الشريف. ألا يستحي من يتطاول على أمير القضاة وشيخهم من لو عُرضت عليه مسألة واحدة من بعض المسائل التي تُعرض على الشيخ صباحا ومساء لأمسى نزيلا في مصحة عقلية. ألا نقف وقفة صدق بها في هذا الشهر المبارك فنتساءل هل يحب أحدنا أن يبعث ويحشر يوم القيامة في حزب وزمرة من تطاول وأرجف على الشيخ أم في حزب وزمرة الشيخ؟
ما بين الشيخ صالح اللحيدان وعلماء الملة الربانيين تشرق أنوار المدينة وتتراءى خطى رسولنا عليه السلام وأصحابه الكرام الغر الميامين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي