استراتيجيات الجامعات وخطط التعليم العالي
تحتل أخبار الجامعات، وعلى رأسها الجامعة الأم، جامعة الملك سعود، حيزاً ملحوظاً في صحافتنا المحلية. ولعل من بين أبرز أخبار هذه الجامعة، في الوقت الحاضر، موضوع "الخطة الاستراتيجية" التي تسعى إلى وضعها حالياً. وقد دعا مدير الجامعة جميع منسوبي الجامعة، من طلبة وأعضاء هيئة تدريس وموظفين، إلى الإسهام بالرأي في هذه الخطة. وهذه خطوة إيجابية تتبنى ما يُدعى "بالتخطيط التعاوني"، حيث تأتي المشاركة من الجميع، ويتحمل الجميع أيضاً مسؤولية التنفيذ، وأمجاد النجاح والوصول إلى الأهداف المرجوة.
ولعل هذا المقال يسهم بالرأي في "استراتيجيات الجامعات"، وليس في استراتيجية جامعة الملك سعود فقط. وفي هذا الإطار ينظر المقال إلى توجهات الخطط الوطنية القائمة من ناحية، وإلى تطلعات المستقبل المُتجددة من ناحية أخرى. والغاية من ذلك هي البناء على التوجهات القائمة، والاستفادة من التراكم الفكري للتخطيط الاستراتيجي للتعليم العالي في المملكة؛ وهي أيضاً النظر بعيون واسعة إلى ما يجري في مُجتمعنا، وفي مُختلف أنحاء العالم بشأن الحاجة إلى تطوير التعليم العالي، وتعزيز دوره في حياة الإنسان.
لدى المملكة سياسة وطنية للعلوم والتقنية تم إقرارها عام 1423 هـ. ولهذه السياسة أساس استراتيجي، بين عشرة أسس، يختص بشؤون "التعليم والتدريب"؛ إضافة إلى أساس استراتيجي آخر يهتم "بأولويات البحث العلمي".
وإذا نظرنا إلى ما يختص بالتعليم العالي في أساس "التعليم والتدريب"، نجد أن هناك مجموعة من التوجهات أو السياسات المفيدة التي ينبغي أخذها في الاعتبار. وتشمل هذه التوجهات: ربط مخرجات مؤسسات التعليم بالاحتياجات المحلية؛ وضرورة إشراك الجهات المستفيدة في التخطيط ووضع المناهج؛ و تفعيل الجوانب التطبيقية؛ وتفعيل نشاطات البحث العلمي والتأهيل المستمر؛ والاهتمام ببرامج الدراسات العليا؛ وإنشاء معاهد عليا مُتميزة في المجالات العلمية والفنية المهمة؛ وإجراء تقييم دوري يُسهم في التطوير المستمر؛ إلى جانب قضايا أخرى.
أما الأساس الخاص "بأولويات البحث العلمي"، فيطرح مسألة هذه الأولويات من خلال منظور: الأمن الوطني الشامل والتنمية المُستدامة. ومن هذا المُنطلق تأتي هذه الأولويات لتشمل: قضايا الأمن المائي؛ والدفاع؛ وخدمة الشعائر الإسلامية؛ والصناعات البتروكيماوية؛ والبيئة؛ وتقنيات المعلومات والاتصالات؛ إضافة إلى الفرص الواعدة في المجالات العلمية والتقنية المُختلفة.
وبالإضافة إلى اهتمام السياسة الوطنية للعلوم والتقنية بقضايا التعليم العالي، هناك خطة وطنية خاصة بالتعليم العالي يجري إعدادها حالياً، تحمل اسم خطة "آفاق". وتهتم هذه الخطة بثلاث مجموعات من قضايا التعليم العالي الرئيسة: مجموعة منها تختص "بالوظائف" التي تُؤديها مؤسسات التعليم العالي؛ ومجموعة أخرى تُركز على "قطاعات" مهمة في التعليم العالي؛ ومجموعة ثالثة تبحث في الموضوعات التي يُمكن أن "تُفعّل" التعليم العالي.
تشمل مجموعة "الوظائف" قضايا: القبول والاستيعاب، والتكاليف، والتنظيم، وتوافق مناهج التعليم مع فرص العمل، والعملية التعليمية، والدراسات العليا، والبحث العلمي، وخدمة المُجتمع. وتتضمن مجموعة القطاعات قضايا: قطاع التعليم الصحي، والتعليم الهندسي، وتعليم المرأة، إضافة إلى التعليم العالي الخاص. أما مجموعة "تفعيل" التعليم العالي، فتشمل قضايا: أعضاء التدريس، والطلبة، وتقنيات التعليم، وتقنيات المعلومات.
ويجدر بالمشاركين في وضع استراتيجيات وخطط جامعاتنا العودة إلى ما طرحته كل من السياسة الوطنية للعلوم والتقنية، وما ستطرحه خطة "آفاق". ليس هذا فقط، بل الاطلاع أيضاً على التطورات الحديثة في مُختلف جامعات العالم، وقصص النجاح التي شهدتها وتشهدها جامعات كثيرة في الوقت الحاضر، في شتى أنحاء العالم. ويُضاف إلى ذلك ضرورة التفاعل مع مُتطلبات القطاعات المهنية، الحكومية والخاصة، من أجل تعزيز إمكانات القدرات البشرية التي ستعمل في هذه القطاعات، ومن تفعيل البحوث العلمية القابلة للتطبيق وتقديم الفوائد التي تُسهم في التنمية الاقتصادية، والارتقاء بإمكانات المُجتمع وقدراته.