وش "أنت من لحية" يا شاطر؟

وش "أنت من لحية" يا شاطر؟

ما الذي يدفع ناقدا أدبيا مفترضاً إلى سؤال طفل صغير يلقي قصيدة "و ترجع" ؟ وما علاقة ذلك بإصدار حكم على نص ينتمي في النهاية إلى مرجعية واحدة هي الشعر؟
تبلغ اللحظة أشدها حينها وتتضخم نبرة صوت الطفل حينما يعتريه اعتزاز هائل وهو ينطق باسم القبيلة ، ما يشعرك فعلا بالأسف البالغ لعدم انتمائك لتلك القبيلة التي تبعث على كل هذا القدر من التضخم .
مازلنا نتحدث عن طفل يقدم قصيدة في مناسبة شعرية، لا يمكن الوقوف جدياً على حضور مسألة الاحتفاء بالمواهب الأدبية الواعدة من أبعادها التربوية أو الثقافية، فما نراه لا يتجاوز مجرد الفرجة والضحك على أطفال يتلعثم بعضهم ويبدع بعضهم الآخر ويتحداهم ثالثهم ويدافع رابعهم عن انتمائه القبلي بشكل يبعث على أن تعتذر منه رغم أنك لم تذنب أصلا!
لا يمكن استغراب نماذج كتلك في وجود برامج تذكي هذه التقسيمات الفئوية على نحو يشحن الشعور الذاتي بذلك النطاق الانتمائي الضيق داخليا ، حتى تأتي فرصة مواتية لتمثيل ذلك الانتماء بكل ذلك الصخب الذي يحفز عليه البرنامج أصلا لأهدافه الخاصة.
المشكلة الوحيدة هي أن البعض ينجح بامتياز في الترويج لشعارات ثقافية تتلبس الإخلاص للشعر غير أنهم لا يحتاجون الكثير من الوقت للكشف عن مكونات داخلهم هي أقل حتما من أن تمثل صوت الإبداع المحايد وغير المنحاز لشيء غير الجمال، ويزداد حجم الشعور بالمشكلة حينما يعزز المجتمع الثقافي الإحساس القبلي داخل مبدع ناشئ ليعطل في الوقت نفسه انتماءاته الأخرى الأكثر اتساعا وأهمها انتماؤه لدينه ووطنه وانتماؤه لذاته من خلالهما.
الكبار لم يتركوا شيئا للصغار، وكل طفل بأبيه معجب ،وبما يشاهد متأثر، وبما يلقن مؤمن، ومن بين قناعات كهذه يصرخ الأسف في من لا حياة لاستيعابهم والذين لا يكتفون بارتكاب الأخطاء بل يؤصلونها في ذوات الأجيال المقبلة، فما حاجة ذلك الطفل لأن يتلمس ذقنه عفوياً حينما يستبدل الناقد المفترض سؤال ذلك المبدع الصغير " كيف تعيش الشعر باعتباره أدباَ وثقافة وقيمة؟" بسؤال "وش أنت من لحية يا مال الغنيمة"!

الأكثر قراءة