الهوية الوطنية بين التاريخ المشترك و القيم المشتركة

الهوية الوطنية بين التاريخ المشترك و القيم المشتركة

لورد جولد أميث، النائب العام السابق، أصدر تقريراً الشهر الماضي بعنوان "المواطنة: الرباط المشترك" يحاول إعادة تعريف ما معنى أن تكون مواطناً بريطانياً. إنه نوع من المجهود الذي يضحك منه الصحافيون. فهنالك توصيات معينة تجعلهم بالفعل يضحكون: يوم عطلة وطنية احتفالاً بالمواطنة، إحياء قانون تريسون عام 1351 و الفكرة – تذكر فقط على نحو عابر- لمهرجانات يقوم فيها الشباب البريطانيون بترديد قسم الولاء للملكة.
مقترحات لور جولد سميث لا تأتي من منطلق الحنين إلى الماضي كما أنها ليست غير منطقية مثلما تبدو. فالمواطنة ترتبط بالهوية. والهوية الوطنية ظلت تقليدياً تنشأ من إحساس الشعب نفسه "كشعب"، من منطلق عرقي أو تاريخي. ولكن في عالم العولمة و الهجرات الجماعية، فإن الترويج لذلك النوع من الهوية يبدو تعصباً. الجمهوريات القديمة مثل الولايات المتحدة وفرنسا يبدو أنها وجدت سهولة في ذلك. حيث إن فهمهم لأنفسهم كان ينطلق من عقيدة - تقوم ليس على الانتماء إلى شعب معين وإنما على التمسك بمعتقدات فلسفية أساسية. لماذا لا تستطيع بريطانيا أن تضع معتقداتها الأساسية – مع افتراض أنها تستطيع أن تحدد ما هي تلك المعتقدات – بطريقة توحد كل الطبقات و العرقيات؟ لورد سميث معجب بهذه الفكرة. حيث كتب في الخريف الماضي يقول: " الأجيال الأكبر سناً كانت تميل إلى النظر إلى الهوية البريطانية بأنها تاريخ مشترك، وتنظر إليها الأجيال الشابة كقيم مشتركة".
لكن ليس من السهل رسم الخط الذي يفصل بين التاريخ المشترك و القيم المشتركة. بريطانيا ليست مجرد مجتمع تاريخي عضوي، كما أن فرنسا و الولايات المتحدة ليستا مجرد مفاهيم فكرية. كل الدول الحديثة تجمع بين الاثنين. قسم الولاء للملكة ظل ينظر إليه كنوع من الغلو في النزعة الوطنية وبأنه إجراء غير ديمقراطي و يعود إلى العصور القديمة، ولكنه أيضاً عرضة للنقد المضاد بأنه تقليد غير لائق لعهد الولاء المعمول به في الولايات المتحدة، الذي يردده الطلاب في المدارس كل صباح. مثل هذه المجاهرة بالولاء المدني ينظر إليها على أنها "لا تتفق مع النهج البريطاني". ولكن هل هي كذلك؟ ليست الولايات المتحدة ولا فرنسا أصرتا في يوم من الأيام على قسم ولاء مكلف مثل الذي يتم خوض الحرب الأهلية الايرلندية في ظله بعد عام 1992. ومن الغريب أن أقوى مبرر لقسم الولاء أنه مواكب وحديث. و هو يقوم على فكرة متطرفة وهي المساواة بين البشر، بالتأكيد على عدم معاملة المواطنين الأصليين معاملة مختلفة عن الأجانب. وكما ذكر لورد جولد سميث، فإن المواطنين البريطانيين المولودين في الخارج يقطعون على أنفسهم وعداً بأنهم حين يحصلون على الجنسية البريطانية، "سيدينون بالولاء والإخلاص الحقيقي لصاحبة الجلالة الملكة اليزابث الثانية، و لورثتها و من يخلفونها".
مبدأ المساواة بين البشر من الممكن أن يقلل من قيمة المواطنة. و الإصرار على معاملة المواطنين وغير المواطنين على قدم المساواة تحد مركزي للمواطنة المعاصرة في الدول المتقدمة في العالم. بيتر سبايرو، المفكر القانوني الأمريكي ذو النفوذ ذكر في كتاب جديد باسم ما بعد المواطنة: الهوية الأمريكية بعد العولمة Beyond Citizenship: American Identity After Globalization بأن معدل تحول الأشخاص المقيمين إقامة دائمة في الولايات المتحدة إلى مواطنين منخفض بدرجة تدعو للدهشة. و من المحتمل أن يعود ذلك إلى أن الفوائد المكتسبة من التجنس لا تكاد تذكر. وكتب سبايرو يقول: "الجائزة الحقيقية هي الإقامة القانونية، وليس الجنسية". وقال: "كل الأمر يتعلق بالبطاقة الخضراء، وليس شهادة التجنس". القضايا المرفوعة أمام المحكمة العليا الأمريكية مثل قضية بلايلر ضد دوو تجعل من الصعب التفرقة بين الاثنين من خلال الجنسية، مثلما يفعل قانون حقوق الإنسان لعام 1998 في بريطانيا. فهنالك القليل من الحقوق المشروعة لحملة الجنسية؛ فمعظم الحقوق هي حقوق الإنسان. وما هو الطابع "البريطاني" الخاص في مجال حقوق الإنسان؟
أكبر ميزة في تقرير لورد جولد سميث تكمن في فهمه بأنه ينبغي العمل على التفريق بين أولئك الذين ولاؤهم لبريطانيا طوال مشوار حياتهم و أولئك الذين يعتبرونها فقط كقاعدة عمل سهلة المنال. وهنا فإن يحذو عن قرب حذو الحوار الأمريكي حول الهجرة. و يرى لورد جولد سميث أن الإقامة الدائمة بأنها حالة غير مرغوبة. حيث يتعين على الناس أن يختاروا بين بريطانيا أو أي مكان آخر. و لكنه يعبر عن شكوكه بلغة رقيقة، كما لو أنه يستشعر بأنه يتحدث عن شيء محرم الحديث عنه. حيث كتب يقول: "ربما يكون من غير المعقول أن تطلب من شخص- بعد أن يكون قد قضى فترة طويلة يعيش فيها في المملكة المتحدة – أن يأخذ الجنسية، حتى لو كان ذلك يعني قطع الارتباطات مع دولة أخرى".
معظم الناس يرون المعتقدات التي توحد معتقدات الدول بأنها رقيقة وودية، ولكن في مستوى معين يجب أن تكون صلبة و ليست كلاماً فارغاً، أيضاً. إذا كانت العضوية في المجتمع تقوم على أساس القيم المشتركة، فستكون خارج المجتمع إذا اعترضت على هذه القيم وستكون أجنبياً داخل البلاد. و عندما تكون القاعدة التي يقوم عليها المجتمع هي المعتقدات و ليس العرق أو التاريخ، فإن المعتقدات التي ينظر إليها على نطاق واسع بأنها خطأ تشكل تهديداً للدولة.
الشيوعية ظلت تخضع للمراقبة في أمريكا في الخمسينيات من قبل لجنة النشاطات "غير الأمريكية" في مجلس الشيوخ. وعبارة "غير أمريكية" مقصودة دون أي معنى مجازي للكلمة.
بما أن الوضع كذلك، فالشيء الحكيم فقط هو أن يهتم تقرير لورد جولد سميث بقانون ترسون لعام 1351. إن شن حرب على الدولة من خلال الإرهاب، مثلما حدث في تفجيرات 7 حزيران (يونيو) عام 2005، من الواضح هو نوع من الخيانة العظمى. وفي المستقبل، ربما تتم محاكمتهم من هذا المنطلق. الخيار، كما يرى لورد جولد سميث وهو محق في ذلك، ربما يكون بين محاكمة الخيانة العظمى استناداً إلى لغة دستورية واضحة أو استناداً إلى لغة جعلها تعاقب الزمن غير واضحة و عرضة لأن يستغلها السياسيون في تقديم وعود كاذبة للناخبين.
هذا وقت غير ملائم للمقترحات مثل المقترح المقدم من لورد جولد سميث. فهي على وجه التحديد لا تحول بريطانيا إلى نسخة من فرنسا أو الولايات المتحدة المعزولتين المتعصبتين. علماً أن تبني مفهوم يقوم على عقيدة للأمة و للجنسية في القرن 21 سيتركك مع دولة مختلفة اختلافاً جذرياً مما كانت عليه في القرن 18 لأن المعتقدات الموجودة اليوم ليست هي المعتقدات نفسها التي كانت سائدة عام 1776 أو 1789. فقد قطعت بريطانيا شوطاً بعيداً في الطريق لأن تصبح دولة تقوم بالكامل على عقيدة. و عدم ارتياحها من التحول يأتي من إحساس بأن المعتقدات التي تعيش بموجبها معتقدات في معظمها ليست من صنعها.

الأكثر قراءة