"وزارة الداخلية" تكسر حاجز الحساسية وتعمق تواصلها مع المجتمع لتحقيق الأمن الفكري
إن الجهود التي بذلتها السعودية ممثلة في وزارة الداخلية كان لها صدى في عدة مجالات، أهمها كيفية مقاومة الفكر المتطرف مع العناية بإيجاد طرق للرجعة عن الخطأ والعودة إلى النمط الفاعل الإيجابي في حياة الفرد مع مجتمعه. ويبرز ذلك عندما كسرت وزارة الداخلية حاجز الحساسية بينها والمجتمع، عبر تعريفها منتصف الأسبوع الماضي أمام أكثر من 20 وسيلة إعلامية محلية دعتها للوقوف على فصول رعايتها لأبناء البلد سوى ممن عادوا من الخارج "جوانتانامو، العراق" أو من تم استيقافهم محليا من المغرر بهم.
ولم نتوقف عند ذلك فقط، بل نظمت إلى زيارة إلى السجن الأمني في أبها لأول وفد إعلامي يدخل عبر بواباتها، حيث تم نقلنا عبر طائرة خاصة أمس الأول للتعرف عن قرب ماهية السجون الأمنية، ليس في منطقة عسير فحسب بل في السجون الأمنية الأربعة الأخرى المماثلة التي تم إنشاؤها قبل عام ونصف في الرياض، الشرقية، جدة، القصيم ، لتشمل كل المتطلبات التي تضمن حقوق الموقوف النظامية والصحية والاجتماعية والثقافية .
ليؤكد القائمون عليه ما تقدمه وزارة الداخلية والتعرف عن قرب على الكيفية التي تم من خلالها توفير متطلبات برامج الرعاية والمناصحة داخل السجون، إضافة إلى التطبيقات التقنية التي تضمن سلامة الموقوفين وتمنع أي حالات تجاوز للأنظمة، ورصد الحالات التي تقع في داخلها، إضافة إلى تطوير مرافقها كتوفير أماكن للالتقاء بأسرهم كـ "الخلوة الشرعية". ليتضح بعد تلك الزيارة جهود وزارة الداخلية في تحقيق الأمن الفكري لشباب بلدها.
وسائل التغرير بالشباب
استعرض الدكتور عبد الرحمن الهدلق مدير الإدارة العامة للأمن الفكري في وزارة الداخلية، دراستين أجرتهما وزارة الداخلية، والتي ساعدتها في اتخاذ قرارات للوصول إلى حلول لتطوير برامج لتصحيح المفاهيم الفكرية للمغرر بهم من الشباب.
وقال: "إن الدراستين تعرفتا على الموقوفين منذ ميلادهم حتى دخولهم السجن، فهي دراسة لشخصية الموقوف بشكل معمق جدا، وقسمت الدراسة الموقوفين إلى فئتين: الأولى عنيفة والثانية عامة الموقوفين".
وأشار إلى أن الوزارة أجرت دراسة عام 2004 حول الانحراف الفكري والعنف، استهدفت 639 موقوفا في السجن، وبلع عدد صفحاتها600 صفحة، كذلك أجريت دراسة أخرى عام 2007على 53 شخصا ممن تورطوا في نشاطات اتسمت بالعنف، وجاءت على ثلاثة آلاف صفحة.
آليات التجنيد
وقال الهدلق: "إن الجهات الأمنية من خلال الخبرة التي اكتسبتها في مواجهة الأفكار الضالة وسلسلة أعمال العنف المرتبطة بها، وفي ظل توجيهات القيادة الحكيمة لهذا الوطن، تأكد أن الحل الأمني العسكري ليس الحل الوحيد للقضاء على هذه الأفكار الضالة، إنما يجب البحث عن بدائل أخرى ومنها المواجهة الفكرية لها، والتي دائما ما أكد عليها خادم الحرمين الشريفين ووزير الداخلية"، مشددا أن الفكر لا يمكن مواجهته إلا بالفكر.
وأوضحت الدراسات وفقا لما ذكره الهدلق، أن الغالبية العظمى من هؤلاء الشباب يتسمون بالضعف العلمي الشرعي، وقد كانت مصادر المعرفة والعلم الشرعي لدى بعضهم غير المصادر التي يسلكها طلبة العلم الشرعي المعروفين. وبينت الدراسات أن من أهم مصادر التأثير الفكري التي تأثر بها الموقوفون كانت الكتب والأشرطة السمعية والمرئية المحرضة، إلا أنه وبسبب المتابعة الدقيقة للجهات المختصة لتلك المصادر ومحاولة الحد منها ومنعها، فقد سعى أفراد الفئة الضالة إلى رفع تلك المواد إلى الإنترنت، حيث أصبحت الإنترنت في الوقت الحالي من أهم المصادر المعرفية والشرعية لهؤلاء الشباب، بل أصبحت الإنترنت في الوقت الحالي من أخطر الوسائل للتجنيد والدعاية والتخطيط والتواصل بينهم.
وبينت الدراسة وفقا لما ذكره الهدلق، أن 30 إلى 35 في المائة سافروا إلى مناطق ساخنة مثل أفغانستان، العراق، والشيشان.
وقال الهدلق: "إنه عند سؤال الموقوفين عن أبرز العوامل التي يرى الموقوفون أنها حثتهم على السفر إلى الأماكن الساخنة والمتوترة كأفغانستان والعراق وغيرها، كان الجواب الأبرز هو مشاهدة أفلام الفيديو والأخبار وغيرها من وسائل ومواد إعلامية محرضة على ذلك، مما جعلهم يشعرون بالتعاطف تجاه من يقطن تلك الأماكن ومن ثم السفر لها".
وأشارت الدراسات إلى أن قيادات وعناصر الفكر الضال تسعى لتجنيد أكبر عدد ممكن من الشباب من خلال التركيز على الأماكن والتجمعات التي يعتقدون نوعية من الشباب التي يستهدفونها، ومن تلك الأماكن التي قد يفضلها أفراد الفئة الضالة مكان للتجنيد المساجد، المدارس، الجامعات، شلل الرفاق في الحي، أماكن انعقاد الأنشطة الاجتماعية والثقافية، والرحلات والاستراحات. وأكد مدير إدارة الأمن الفكري في وزارة الداخلية، أن الإنترنت وغرف الدردشة والماسنجر أسبح من أهم الأماكن التي يتم التأثير في الشباب وتجنيدهم من خلالها الآن.
ولفت الهدلق إلى أن الدراسة كشفت أن أفراد الفئة الضالة عادة ما تبحث عن أفراد يتسمون بخصائص معينة لاستهدافهم للتجنيد، ومن تلك السمات الضعف في العلم الشرعي وعادة ما يجدونه في حديثي الالتزام "التائبين الجدد"، حيث يتسمون بنوع من الخواء الروحي مع اندفاع وحماس مبالغ فيه مبني على العاطفة.
وأكد العارض لتلك الدراسات، أن من أهم الأهداف لتلك الدراسات هي مساعدة وإعانة أصحاب القرار لفهم هذه الظاهرة ومن ثم التوصل إلى توصيات تعينهم على اتخاذ القرارات المناسبة.
الفكر لا يواجه إلا بالفكر
وأكد الدكتور عبد الرحمن الهدلق، أن مواجهة الفكر المنحرف ليس مسؤولية وزارة الداخلية وحدها، أنما مؤسسات المجتمع كافة، مشددا أن الفكر المنحرف لا يواجه إلا بالفكر، كاشفا عن وجود استراتيجية لمواجهة الفكر المنحرف ستصدر قريبا إن شاء الله وتشارك في إعدادها عدد من الجهات الحكومية.
مركز رعاية الموقوفين
مجموعة استراحات وفرتها وزارة الداخلية على حدود منطقة الرياض، وتم التوسع بها حتى أصبحت تضم تسعة استراحات بجوار بعض. يتم فيها رعاية شريحتين من الموقوفين قبل إطلاق سراحهم بصورة نهائية: الأولى العائدين من الخارج "جوانتانامو, العراق"، والشريحة الثانية الموقوفين من المغرر بهم داخل السعودية.
والملاحظ لتلك الاستراحات "مركز الرعاية التابع لوزارة الداخلية" بعدها عن النطاق العمراني وعن التكلف في الحراسات الأمنية، باعتبار أن المستفيدين منها في المراحل النهائية لاستكمال إجراءات إطلاق سراحهم، وباستطاعتهم زيارة أهاليهم في أي وقت أرادوا وفق ترتيبات إجرائية مبسطة.
إنشاء 5 دور رعاية
وكشف اللواء يوسف منصور المشرف على مركز الرعاية والتأهيل ومدير إدارة الشؤون العامة في وزارة الداخلية، صدور التوجيه الكريم من وزير الداخلية الأمير نايف بإنشاء خمسة دور رعاية للموقوفين قبل إطلاق سراحهم من السجون، وذلك في الرياض وجدة كمرحلة أولى، يتبعها إنشاء المراكز الأخرى في المنطقة الشرقية، أبها والقصيم.
مراكز الرعاية
من جهته، أوضح الشيخ أحمد الجيلان المنسق في مركز رعاية الموقوفين، أنه يتم دمج المستفيدين وتأهيلهم شرعيا وإجتماعيا ونفسيا حيث يقضون فيها عدة أشهر، مشيرا إلى أن تلك الاستراحات توفر جميع ما يتطلبه المستفيدون من فصول دراسة وغرف نوم وساحات خضراء وبيوت الشعر والمسابح والملاعب المختلفة إضافة إلى برامج تلفزيونية مختارة وصحف محلية.
وقال: "إن المستفيدين يتلقون داخل المركز برامج خاصة تم تطويرها بإشراف إخصائيين شرعيين، نفسيين، واجتماعيين. وأضاف: أن المركز لا يقتصر دوره على تقديم البرامج الشرعية والنفسية والاجتماعية فقط، كما يحصل داخل السجون لكن عند انتقال الموقوفين إلى مركز الرعاية يشعرون بارتياح لأسلوب المعايشة الذي يختص به برنامج الرعاية في بيئة خاصة تضم متطلباته كافة.
وبين الجيلان أن المركز بدأ قبل عام وبضعة أشهر، مؤكدا أن القائمين عليه من الكفاءات الوطنية المتخصصة في العلوم الشرعية والاجتماعية والتربوية والنفسية، ويعتني المركز بالمهارات وتنميتها معرفيا وسلوكيا، حيث يوجد هدف وهو كيفية إعادة اندماج أبنائنا الموقوفين في المجتمع وكيفية مساعدتهم على بناء شخصيتهم بصفة متوازنة تجمع بين التدين الراشد والمنهج الوسطي.
وأشار منسق مركز الرعاية، إلى أن المركز يقدم مجموعة من الدورات التدريبية والحرفية للمستفيدين، لافتا إلى مطالبات بمنح من ينهي فترة إقامته في المركز شهادة دبلوم نظير ما استفاده لينخرط في الحياة العملية.
إفادة 98سعوديا
وكشف المنسق في مركز رعاية الموقوفين الشيخ أحمد بن حمد الجيلان أن 98 سعوديا من الذين تمت استعادتهم من خليج جوانتانامو استفادوا من برنامج الرعاية، إضافة إلى عدد كبير من الموقوفين في داخل المملكة من المغرر بهم. فقد استفادت الدفعتان الرابعة والخامسة وعددهم 29، وكذلك الدفعة السادسة وعددهم 16 والدفعة السابعة وعددهم سبعة من مركز الرعاية قبل أن يتم إطلاق سراحهم، وحاليا يضم المركز الدفعات الثامنة والتاسعة والعاشرة والـ 11 وعددهم 56. أما بالنسبة للمستفيدين من البرنامج من الموقوفين داخل المملكة فيوجد في المركز حاليا 21 مستفيدا.
فيلم يعرض لأول مرة
وعرضت وزارة الداخلية فيلما توثيقيا عن وصول إحدى الدفعات التي قامت المملكة بجهود جبارة لاستعادتهم من معتقل جونتانامو بخليج كوبا أمام وسائل الإعلام حيث تم عرض فيلم عن الدفعة العاشرة البالغ عددها 14 عائد والذين تمت أسعادتهم في يوم الخميس الموافق 29/10/1428هـ حيث تضمن الفيلم توضيحا لكل الإجراءات التي يتم تنفيذها داخل الطائرة لتسلم الموقوفين في خليج جوانتانامو والرعاية الطبية والإنسانية التي يحظون بها خلال الرحلة لتشخيص حالتهم الصحية وتوفير الرعاية الخاصة لمن يحتاجها خلال الرحلة وحتى وصولهم إلى المملكة.
البرنامج الشرعي
وذكر الدكتور عادل السبيعي العضو الشرعي في مركز رعاية الموقوفين، أن البرنامج الشرعي الذي يتلقاه المستفيدون في المركز يشمل دروسا شرعية بحسب الفئة العمرية، ويركز على إيضاح ما يتعلق بأحكام التكفير والجهاد وضوابطه، إضافة إلى العلم والعلماء وموقف المسلمين من المعاهدات والصلح, مؤكد أن البرنامج حقق إنجازات كثيرة. وشدد السبيعي على أهمية التوازن فيما تطرحه وسائل الإعلام على المجتمع، وتبيان حقيقة الوسطية وفتح الحوار.
البرنامج الاجتماعي
من جهته، أوضح الدكتور حميد الشايجي الأستاذ المساعد في كلية العلوم الاجتماعية في جامعة الملك سعود والعضو الاجتماعي في مركز رعاية الموقوفين، أن الهدف من البرنامج الاجتماعي هو تسهيل الانسجام بين المستفيد وأسرته ومجتمعه وتهيئته للتعامل مع ظروف الحياة، مشيرا إلى تلقي المستفيدين عدد من المحاضرات الاجتماعية لتأهيلهم لكيفية التعامل مع المجتمع عند خروجهم. وقال: "أن من نشاطات تأهيل المستفيد تنظيم زيارته لأسرته لعدة أسابيع"، لافتا إلى تخصيص برامج لزيارة الفريق العلمي للأسر. وذكر الشايجي موقفا حصل لأحد المستفيدين عندما أطلق سراحه ليغادر إلى منزله، حيث رفض الأب استقباله واصفا إياه بـ "الضال"، ولم يجد الشاب حينها سبيلا سوى الاتصال بالمشرفين على برنامج الرعاية في المركز ويخبرهم بما حصل معه، مما دعاهم الى زيارة والد الشاب لتوضيح الموقف الذي أدى الى تفهم الأب للواقع الجديد وتراجعه عن رفضه لابنه في موقف أبوي عاطفي معبر .
البرنامج النفسي
من جانبه، شدد الدكتور علي العفنان عميد كلية المعلمين في جامعة الملك سعود العضو النفسي في مركز رعاية الموقوفين على أهمية دور الآباء في متابعة أبنائهم، مطالبا بتعاون جميع مؤسسات المجتمع العامة والخاصة بتكاتف الجهود، والحفاظ على أبناء الوطن.
العلاج بالفن التشكيلي
استطاع القائمين في مركز الرعاية بتوظيف الفن التشكيلي في مساعدة المستفيدين من البرنامج للسيطرة على انفعالاتهم العاطفية ، والذي يشرف عليه الدكتور عوض اليامي مدير وحدة العلاج النفسي بالفن التشكيلي في مدينة الملك فهد الطبية، وذلك عبر تقديم محاضرات علمية وتطبيقية في فن التشكيل، وفي كيفية امتصاص الغضب وتفريغه في أعمال فنية.
13 سعوديا من تبقى
يشار إلى أن المملكة استعادت قبل شهرين عشرة موقوفين من مواطنيها في معتقل جوانتانامو الأمريكي من أصل 23 معتقلا، ليتبقى عدد المعتقلين السعوديين نحو 13 سعوديا، وهو ما يعني أن العدد الباقي ربما سيسلم دفعة واحدة تكون هي الأخيرة في هذه التجربة المريرة.
وتأتي عودة المعتقلين العشرة ضمن دفعة خامسة تسلمتها وزارة الداخلية خلال العام الجاري، بعد أن أفرجت السلطات الأمريكية في 12 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي عن 14 سعوديا، والدفعة الـ11 منذ بدء الإفراج عن الموقوفين السعوديين هناك.
وبلغ مجموع الموقوفين الذين استعادتهم المملكة من معتقل جوانتانامو منذ عام 2003 وحتى الآن 117 سعوديا، فيما أسفرت الجهود السعودية خلال العام الجاري عن استعادة نحو 63معتقلا.