رسالة شهرزاد إلى وزارة العمل!
لم تعد شهرزاد قادرة على السكوت عن الكلام المباح, هذا بالضبط ما يمكن قوله عن حملة المقاطعة التي أطلقتها مجموعة كبيرة من نساء المملكة لمحال بيع الملابس الداخلية التي يعمل فيها الرجال بحسب تقارير صحافية تناقلتها عدد من وسائل الإعلام خلال الأيام الماضية, وذلك بغية الضغط على أصحاب تلك المحال لاستبدال العمالة الرجالية بالنسائية.
وكنا قد شاهدنا خلال السنوات الخمس الماضية تلك المسرحية التراجيدية عن هذه القضية التي كانت من بطولة وزارة العمل وخصومها من التجار ومعاونيهم الوهميين, وكيف أن الوزارة ألغت قراراً كانت قد اتخذته بمنع الرجال من العمل في تلك المحال عام 2004م, ثم قالت إنها قررت تأجيله إلى عام 2006م لتعود لإلغائه قبل تطبيقه بأسابيع!
لاشك أن المشكلة ليست في الوزارة ولا في خصومها فقط, وإنما في الإرث الاجتماعي الفكري الذي تسيطر عليه ثقافة المنع كحل جذري وسريع لجميع القضايا العالقة!
كان على الوزارة آنذاك أن تتخلص من (عقدة المنع) وسياسة الـ (فرامانات) وتفكر جدياً في إيجاد حلول مرنة ومنطقية لهذه القضية بدلاً من الدخول في معارك تخرج منها مهزومة كل مرة.
ماذا لو قررت وزارة العمل خلال السنوات الخمس التي ذهبت في التصاريح الصحافية الإبقاء على المحال ذات العمالة الرجالية, مع تقديم تسهيلات كبيرة للمحال التي تستبدل هذه العمالة بالنساء بالتعاون مع جميع الجهات ذات الصلة من ناحية تسهيل عملية استقدام العاملات من الخارج وتخفيف الشروط لمزاولة هذا النشاط التجاري, بحيث تسهم بشكل فاعل في انتشار المحال ذات العمالة النسائية وانقراض قرينتها ذات العمالة الرجالية؟!
سيقول قائل أن الوزارة حرصت عندما اتخذت قرارها القديم بمنع الرجال من العمل في هذه المحال على استبدال العمالة الرجالية بعمالة نسائية (وطنية) للحد من نسبة البطالة لدى النساء, واسمحوا لي أن أقول تعليقاً على ذلك (ومن الأحلام ما ألغى القرارات), كيف تستطيع وزارة العمل إقناع أي صاحب محل من تلك المحال باستبدال بائع يتقاضى نحو 1000 ريال شهرياً عن ساعات عمل تصل إلى 12ساعة يومياً, ببائعة لن تتقاضى في أفضل الأحوال أقل من ضعف هذا المبلغ الزهيد ولن تعمل لأكثر من ثماني ساعات.. ربما كان هذا الأمر مقبولاً من قبل الشركات الكبيرة التي تمتلك عدداً جيداً من الفروع في الكثير من الأسواق في المملكة, لكنه يعد وبالتعبير الشعبي (موت وخراب ديار) بالنسبة للمحال الصغيرة التي تعد الأكثر انتشاراً وشعبية لدى أغلبية فئات المجتمع بسبب منطقية اسعارها, ثم دعونا نتساءل هل العمالة الرجالية الموجودة في هذه المحال عمالة (وطنية) من الأساس؟!
إن النساء اللاتي أطلقن حملة مقاطعة محال الملابس الداخلية ذات العمالة الرجالية كممارسة حضارية ومدنية متميزة يوجهن من خلال هذه الحملة رسالة إلى وزارة العمل وإلى المجتمع ككل مفادها أنهن أقدر على التغيير من القرارات التي تصدر وتلغى على الورق, وأنهن لن يقبلن بعد اليوم بأن يطلبن ملابسهن الداخلية من الرجال الغرباء, فهل تتحرك وزارة العمل يا ترى وتوفر لهن البديل بناء على كون هذا المطلب حقا من حقوقهن كمواطنات, بحيث تقدم الوزارة تسهيلات كبيرة لجميع المحال التي يقرر أصحابها استبدال عمالتها الرجالية بالنسائية, وهل سنشاهد قريباً حملة إعلامية من قبل الوزارة تدعو فيها أصحاب تلك المحال للتقدم للوزارة للحصول على تأشيرات عاملات بمهنة (بائعة ملابس نسائية), أم أننا سنعود لدوامة المنع والسماح كالعادة؟!