وأقفل الموظف الشبّاك..!

[email protected]

يندر أن تجد مراجعاً من مراجعي دوائرنا الحكومية خرج من تجربة إنهاء معاملته وهو مبتسم حاملاً مشاعر الرضا والامتنان للموظف الذي أنجزها, بل من العادة أن تراه عابساً ساخطاً بسبب المعاناة التي واجهها, والوقت الطويل الذي أمضاه واقفاً في طوابير طويلة تنتهي بإقفال الموظف الشباك في وجوه المراجعين إما للصلاة أو لمحادثة السيد المدير وهي عملية قد تمتد إلى نهاية الدوام مما يضطر المراجع المسكين إلى العودة في اليوم التالي مدججاً بالمشاعر السلبية كرد فعل طبيعي على سوء تعامل السيد الموظف ولامبالاته, حتى بات أغلب الناس يبحث بين معارفه وأقاربه وأصدقائه وجيران أصدقائه عن (واسطة) في الدائرة التي يعتزم مراجعتها قبل أن يضع قدمه على عتباتها, توفيراً للجهد والوقت وحفاظاً على ضغط دمه قبل كل شيء!
ولست هنا بصدد الحديث عن (الواسطة) فهي داء عضال لايمكن علاجه طالما بقي إنهاء أي معاملة إنجازاً عظيماً, لكنني أتحدث عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء معاناة المراجعين والتي بزوالها يمكن تحسين أداء الموظفين المواجهين للجمهور.
لايمكننا أن نقنع الموظف الذي اعتاد على إقفال شباكه في وجه المراجع منذ 25 سنة مثلاً لاعتقاده وإيمانه بأنه صاحب فضل على هذا المراجع بأن يتخلى عن هذه العادة الآن قبل أن تعاد برمجته ويؤمن تمام الإيمان بأنه وضع في المكان الذي هو فيه لخدمة هذا المراجع وأن الراتب الذي يتقاضاه يأتي مقابل هذه الخدمات التي يقوم بها للمراجعين, وبالتالي فإن أي تخاذل أو تهاون أو لامبالاة من قبله بهؤلاء المراجعين أمر يُفترض أن ينعكس على ذلك الراتب.
يجب أن تستفيد إداراتنا الحكومية من تجربة الشركات الخدمية الخاصة في هذا المجال من حيث ربط العلاوة السنوية بالأداء قبل كل شيء, ثم فرض رقابة صارمة على أداء الموظفين, وطريقة تعاملهم مع المراجعين وحرصهم على إنهاء معاملاتهم بجانب سن عقوبات واضحة ومحددة على كل الأخطاء التي قد يرتكبها الموظف أثناء أداء عمله, وتثقيف المراجع بهذه العقوبات ليتعرف على حقوقه ولا يتنازل عنها نتيجة جهله بها, فغالب دوائرنا الحكومية لا توجد فيها عقوبات واضحة ومحددة لمشكلة تأخير الموظف إنجاز معاملة المراجع مثلاً, ولا يوجد فيها أيضاً تحديد للوقت اللازم لإنجاز أي معاملة مما يجعل المراجع تائهاً أمام وضع كهذا فلا هو الذي عرف حقوقه ولاهو الذي عرف المدة التي ستنجز فيها معاملته.
إن الوضع الحالي لغالب دوائرنا الحكومية وضع يبعث على التشاؤم فهو وليد البيروقراطية المقيتة التي ضربت بأطنابها في غالب الوزارات الخدمية منذ أكثر من نصف قرن, ولابد من إيجاد حلول عملية لهذه المشكلة, والعلاج يجب أن يبدأ من رأس الهرم في كل إدارة ,فإن علم مدير الإدارة أنه سيتعرض للعقوبة في حال إهمال إدارته وإهدارها لحق المراجع في إنجاز معاملته في وقت محدد دون تأخير فسيحرص على أن يسير العمل في إدارته على أكمل وجه, ثم ما المانع في أن يكون هناك مكتب قانوني تابع لوزارة الخدمة المدنية وهيئة الرقابة والتحقيق في كل دائرة حكومية وظيفته استقبال شكاوي المراجعين المتضررين, وتثقيفهم بحقوقهم, ومتابعة أداء الإدارة وموظفيها, ويكون له الحق في إيقاع العقوبات على كل موظف متخاذل في هذه الإدارة حفاظاً على حقوق الناس وانتشالاً لهذه الجهات من غيبوبة البيروقراطية التي عبثت بها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي