شاعر سابق!
ضحكت كثيراً وأنا أقرأ هذا التعريف تحت اسم أحد القرّاء الذين راسلوا بالمحكي الأسبوع الماضي، ثم خطر في بالي أن أزور علاّمة زمانه العم "قوقل" لأرى كم من الشعراء يعرّفون أنفسهم بـ "شاعر سابق"، وكالحب تماماً وقعت من غير ميعاد مع تحقيق يستفز الروح في روعته، تحقيق كتبه "ناظم السيد" بعنوان "بدأوا شعراء وانتهوا صحافيين وروائيين"، التحقيق طويلٌ جداً، ولكن في جزء اسماه "مديح الصحافي رثاء الشاعر" استوقفني كثيراً وجعلني أعيد قراءته كثيراً، اليوم سأستريح من الكتابة وأنضم إليكم في قراءة هذا الجزء الجميل من التحقيق الرائع، يقول :
قليلون الذين يعرفون أن رفيق خوري، رئيس تحرير صحيفة الأنوار وكاتب افتتاحيتها، كان ذات يوم شاعراً. ربما أبناء جيله يعرفونه كشاعر. أما الأجيال الأخرى فتعرفه كاتباً سياسياً بامتياز، قارئاً جيداً للأحداث، محللاً بسعة أفق، نزيهاً ومعتدلاً. الواقع أن رفيق خوري نشر ديوانين، الأول عن دار العلم للملايين عام 1960 بعنوان الزنبق والدم ، والأخير عن دار الطليعة بعنوان غابة الحجارة . وأكثر من ذلك، كتب نحو عشرين اسكتشاً غنائياً عن المغنين العرب قام بتلحينها الأخوان رحباني، ومنها موشح ارجعي يا ألف ليلة الذي غنته فيروز. لكنَّ شهرة الصحافي ووقاره لا يعوّضان صفة الشاعر التي افتقدها خوري مع ابتعاده عن الشعر وتراكم مقالاته اليومية في أرشيفه الخاص: أشعر بالحزن. كأن امتداحي كصحافي لامع هو رثاء لشخص ميت في أعماقي هو من يكتب الشعر ومن كانت له أحلام كبيرة... أنظر إلى التجربة بحنين وبشيء من الندم، وأتمني لو اخترت طريقاً آخر. أخذتك الصحافة السياسية إلى لغتها العقلانية. أقول له: يكمل: حين أقرأ اليوم قصائد نظمتها قبل سنين أتصور أني أقرأ لرجل آخر تبدلت لغته بتأثير العقلانية السياسية ولم تعد جامحة الخيال. وعليه، يعترف خوري أن الصحافة أخذته من القصيدة لأن كتابة عمود يومي في السياسة مسألة جدية جداً ولا تقبل المشاركة في النشر مع أي نتاج آخر . أسأله إذا كان وصف شاعر سابق يعزّيه، فيرد: ليس هناك شاعر سابق. ولا أعرف إن كنت في الأصل أستحق لقب الشاعر بحسب تعريف إليوت. كل ما أعرفه أنني أستطيع كتابة الشعر . لا يزال رفيق خوري يكتب الشعر سراً لكنه لا ينشره: لدي مجموعات شعرية أفكر في نشرها. وفي كل موسم يحرّضني أصدقائي على ذلك، غير أن الوقت يمر وليس فيه مكان إلا للذهاب في مهنة قاسية هي الصحافة. وهل ما زلت تقرأ الشعر؟ أسأله سؤالاً أخيراً. يرد: نعم لكن ليس كثيراً. أحياناً أشعر بأني لا أفهم ما أقرأ، أو كأن معظم القصائد لعدد كبير من الشعراء هي قصيدة واحدة لشاعر واحد.