الأعاصير.. تعريفها وأسرارها وأسماؤها

الأعاصير.. تعريفها وأسرارها وأسماؤها

يعرف العالم الآني تغيرات ملحوظة وغير مسبوقة في الطقس تتمثل في كثرة الأعاصير العنيفة في أماكن متعددة وغزارة الأمطار وجفاف الأراضي في أماكن أخرى، إلا أن الأعاصير كانت أشد وطأة في السنوات الأخيرة، كما هو واقع الآن في الكوارث التي خلفها إعصار نرجس، الذي ما زال يرفع المعدلات الإحصائية لدماره.
وتعد الأعاصير زائراً سنويا غير مرغوب فيه في عديد من بلدان العالم، خاصة الولايات المتحدة والمكسيك، وأمريكا الوسطى، وجزر البحر الكاريبي وجنوب شرق آسيا، وذلك في موسم الأعاصير الذي ينحصر في الفترة بين حزيران (يونيو) إلى نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) من كل عام.
وتتباين الأعاصير في أحجامها فنجد أن بعضها ذات حيز ضيق، وتخلف وراءها القليل من الأمطار والرياح. وبعضها الآخر أكبر وأوسع وتنتشر رياحه وأمطاره لمئات أو آلاف الأميال .وقد يصل عمر الإعصار إلى عشرة أيام، وهناك أعاصير تبقى فترة أطول من ذلك، وغالبا ما تتجول الأعاصير في منطقة كبيرة أثناء فترة حياتها. ويؤثر الإعصار على منطقة ما، ليوم أو يومين فقط. وقد لا تصل معظم الأعاصير إلى الحد الأقصى من قوتها قبل أن تصل إلى مرحلة التلاشي والزوال سواء بتناقص قوتها على سطح الأرض أو فيH لمحيطات الباردة. والأعاصير تتكون في المناطق الاستوائية حيث تكون هناك مياه دافئة (لا تقل عن 27 درجة مئوية) وهواء رطب ورياح استوائية متقاربة.
وتبدأ معظم الأعاصير الأطلنطية من الساحل الغربي لإفريقيا وتبدأ كعواصف رعدية تنتقل فوق المياه الدافئة الاستوائية لمياه المحيط.
وتصل العواصف الرعدية إلى وضع الإعصار على مراحل متعددة، أولا منخفض استوائي وسحب دائرية وأمطار مع سرعة رياح تقل عن 38 ميلاً في الساعة، وتبلغ سرعة رياح العاصفة الاستوائية من 39 إلى 73 ميلاً في الساعة، أما الإعصار فتكون سرعته أكثر من 74 ميلاً في الساعة وقد يستغرق الأمر من ساعات إلى عدة أيام لكي تتطور العاصفة الرعدية إلى إعصار.
وتضرب الأعاصير مناطق أخرى من العالم ومنها إعصار تيفوت الاستوائي، وإعصار المحيط الهادئ الحلزوني، وهما إعصاران يخلفان وراءهما أضرارا بالغة في المباني والأرواح.
إلا أن من الملاحظ أن آثار الأعاصير لهذه السنة بدأت تؤثر في مناطق عديدة من العالم كمنطقة الشرق الأوسط وتمثل ذلك في خلخلة طقس المنطقة مثل هبوب الرياح الهوجاء وارتفاع مستوى المياه عن المعهود، وأهم تغير هو كثرة الجبهات الهوائية. ومعلوم أن الجبهات إذا ترعرعت تخلق عنها إعصار، والجبهات الهوائية تتكون عندما تلتقي كتلة هواء بارد مع كتلة هواء دافئ، وهناك نوعان رئيسيان من الجبهات: جبهات باردة وجبهات دافئة. وفي حالة الجبهة الباردة، تتحرك كتلة متقدمة من الهواء البارد تحت كتلة من الهواء الدافئ الذي يُزاح إلى أعلى، ويحل محله الهواء البارد عند مستوى سطح الأرض.
ومما ينبغي الإشارة إليه أن جميع هذه الظواهر الحادثة على وجه الأرض متوقفة أساسا على الشمس، فهي وراء هذه الكوارث المتولدة من تغير مناخ الأرض الذي تسببه أشعة الشمس. وأي زيادة طفيفة في معدل الإشعاع الشمسي كافية لسرعة ذوبان كتل الجليد، وذلك أن مناخ الأرض متوازن لدرجة حساسة بالنسبة لكمية الإشعاع التي تستقبلها، فيتخلق عنه جبهات هوائية تتطور إلى إعصار مدمر وتحدث معظم التغيرات الجوية على طول الجبهات الهوائية. وتعتمد حركة الجبهات على طبيعة تكوين نظم الضغط الجوي. فالأعاصير الحلزونية تدفع الجبهات إلى الأمام بسرعة 32-48 كيلو مترا في الساعة، في حين تهب الأعاصير الحلزونية المضادة على المنطقة بعد أن تكون الجبهة الهوائية قد تجاوزتها.
وتسمى الأعاصير في المحيط الأطلسي بـ "هيوريكين" وفي المحيط الهادي بـ "تايفون" وفي جزيرة هاييتي الكاريبية بـ "تاينو" و"تايفون" أصلها كلمة "طوفان» السسية التي انتقلت إلى إسبانيا والبرتغال وأصبحت "توفاو"، واستعملها البرتغاليون عندما أبحروا إلى الهند قبل أكثر من 500 سنة ومع تقادم الزمن استقر الاسم على (تايفون).
وفي السابق لم تكن للأعاصير أسماء، بل كانت تسمى حسب التاريخ الذي حصلت فيه (مثل إعصار 1898م، وإعصار 1906م، أو بحسب المكان التي زارته كـ (إعصار ميامي وإعصار هيوسن) أو المنطقة مثل "إعصار غالفستون" و"إعصار ميامي" ولبغض أو حب الناس لرجال الدين والساسة أطلقوا أسماءهم على الأعاصير مثل:( هرقل وسانت بول وإعصار سانت لويس وإعصار سانتا ماريا). إلا أن هذه التسمية تتم بعشوائية، فقام عالم الأرصاد الإيطالي كلمنت وراغي بتسمية الأعاصير بأسماء الناس، واختار أسماء ذات أبعاد متناقضة فأطلقها على سياسيين كان يكرههم ونساء كان يحبهن، بيد أن قوة اليد السياسية استطاعت أن تبعد نفسها عن التسمية وظلت ملتصقة بظهر العنصر النسائي الأضعف، فأضحت سنة متبعة، والوقود الذي يعزز هذا أن هناك تقاطعات بين الأعاصير والنساء، فالمرأة يصعب التنبؤ بعنفها وصاحبة أمزجة متقلبة وذات بطش عندما تكره وتظهر غضبها ولا تكتمه كحال الإعصار، ومن جانب آخر يرجح بعضهم أن الأسماء النسائية تذكر تيمنا بالمستقبل بأن تكون الأعاصير ناعمة ولطيفة غير مخربة كحال النساء أو أن الأسماء في البداية مؤنثة، وذلك لأن كلمة إعصار باللغة الإنجليزية (هيوريكين) مؤنثة، مثلها مثل "سفينة" ما جعل السياق اللغوي يحتم وضع "أسماء أنثوية" لجميع الأعاصير المتوقعة.
وبعد الحرب العالمية الثانية طوّرت القوات الأمريكية المسلحة تسمية الأعاصير لمتابعتها ورصدها. ولمنع تعدد الأسماء والاختلاف حولها - ولمنع التضارب الحاصل في وسائل الإعلام حينها - قامت إدارة الطقس الفدرالية ووضعت جداول الأسماء حسب الحروف الأبجدية النسائية، الأمر الذي أثار حفيظة المجتمع النسوي الأمريكي، فأخذت حركات تحرير المرأة تطالب إدارة الطقس بخلخلة هذه الأسماء وإعادة صياغتها من جديد ورفض إلصاق الأسماء الأنثوية بالأعاصير المدمرة والعنيفة .والمطالبة بالمساواة مع الرجل في التسمية فاضطرت إدارة الطقس الدولية المسؤولة عن تصنيف الأعاصير إلى إدخال أسماء مذكرة في ثنايا القائمة، فتقرر في عام 1979 طرح قوائم جديدة في كل ست سنوات وتتضمن أسماء مذكرة ومؤنثة على التوالي فتوضع أسماء مسبقة للأعاصير المتوقعة.. وهذه الأسماء تطلق تباعاً (وبحسب قائمة أبجدية) وغالباً ما تكون الأسماء المختارة مألوفة بين الناس في المناطق التي تمر بها الأعاصير، شريطة ألا يكون الإعصار مدمرا، فإذا زاد تمرده يشطب الاسم من القائمة المستقبلة تشاؤما ويستبدل آخر به من النوع نفسه، يبدأ بالحرف ذاته وهذا ما انطبق على الإعصار أندرو الذي ضرب جنوب الولايات المتحدة في آب (أغسطس) 1992 مخلفا 23 قتيلا وخسائر بقيمة 21 مليار دولار. وإعصار ميتش الذي أهلك الحرث والنسل وإعصارا تشارلي وإيفان اللذان ضربا فلوريدا وكوبا بين آب (أغسطس) وأيلول (سبتمبر) 2004، فهذه أسماء أعاصير لن تتكرر مرة ثانية في القوائم المستقبلية.
ولا تحمل العواصف الاستوائية أسماء إلا إذا راوحت قوتها بين 8 و11 درجة على مقياس بوفورت، أي ما بين 65 و110 كلم في الساعة.
ولربما يتدخل عنصر في القائمة فيحمل اسما جديدا من غير المكتوب، فإعصار(كاترينا) أطلق على أول من اكتشفت قدومه إلى الشواطئ الأمريكية، وهي موظفة عاملة في مركز بحوث الأرصاد الجوية ، وبالتالي – وحسب التقاليد المرعية – أطلقوا اسم (كاترينا) على ذلك الإعصار وهكذا إعصار (ريتا) ومما يزيد الصنبور نغمة أنهن نساء.
ومع انحدار الشعوب إلى حب الاستقلالية عن الولايات المتحدة قررت بلدان الشرق الآسيوي أن تسمي أعاصيرها بنفسها وتلغي الأسماء المستوردة من أمريكا، مثل إعصار تيد وإعصار فرانكي وهي أسماء أمريكية أطلقت على الأعاصير الآسيوية بحجة أنها غير مفهومة لشعوبها فاستخدمت أسماء حيوانات بدلا من الأسماء البشرية مثل إعصار دامري ومعناه الفيل في اللغة الكمبودية، وإعصار كيروجي وهو اسم نوع نادر من البط البري في كوريا الشمالية، وتتضمن القائمة أيضا أسماء من هونج كونج واليابان ولاوس وماكاو وماليزيا وكوريا الجنوبية والفلبين وتايلاند وفيتنام وإعصار جونو أو غونو أو Gonu الذي ضرب السواحل العُمانية يعني الحقيبة المصنوعة من سعف النخيل بلغة سكان المالديف الأصليين.

الأكثر قراءة