السادة المنتحرون ..!

تلقيت اتصالاً هاتفياً الأسبوع الماضي من أحد زملاء الدراسة القدماء بعد أكثر من 14 سنة من الانقطاع, وكانت سعادتي كبيرة به للدرجة التي أصبحت معها أحكي لكل من يقابلني عن مدى وفاء ذلك الصديق, وقوة ذاكرته التي لم تتنازل عن وجوه الأصدقاء الذين عرفهم طوال كل تلك السنوات إلى أن فوجئت بسؤال من صديق آخر متخصص في علم النفس جعلني أراجع حساباتي تجاه صديقي المنقطع, كان السؤال باختصار: هل لمست في أحاديث صديقك القديم ما يوحي بالاكتئاب أو كراهية الدنيا؟, توقعت في البداية أن السؤال مزحة تهدف إلى السخرية باعتبار أنه لا يمكن لأحد أن يتذكرني إلا إن كان مكتئباً, فهممت بالرد على هذه المزحة الثقيلة بسخرية أكثر إيلاماً منها, لكن صاحبي استدرك الوضع وأوضح لي أن تصرف صديقي المتصل يمكن تفسيره على أنه من بوادر الرغبة في الانتحار, فالمقدمون على مغادرة هذا العالم دون رجعة يحرصون غالباً على البحث في أغراضهم القديمة عن الوجوه والأرقام الهاتفية التي تعرفوا عليها طوال حياتهم للتواصل الأخير مع أصحابها!
طبعاً لم أشك للحظة في كون صديقي المتصل من أكمل الناس عقلاً وأكثرهم حكمة وبشاشة, فمازال صوت ضحكته مجلجلاً في أذني, لكن تفسير صديقي الآخر للأمر على هذا النحو دفعني للبحث عن السمات الشخصية والتصرفات التي يمكن من خلالها اكتشاف أن (سين) من الناس مؤهل للانتحار بشكل أكبر من غيره من الكائنات البشرية!
في دراسة أعدها العالمان جايمسون وفال لاستخلاص السمات المشتركة للأشخاص المؤهلين للانتحار جاءت النتائج مشيرة إلى أن الشخص المؤهل للانتحار يتصف عادة بكونه يتميز بحساسية زائدة وقابلية شديدة للغضب والتهيج, وعدم القدرة على ضبط الانفعالات, كما أنه يتميز بكثرة النسيان (ذاكرة مثقوبة), بجانب أنه يعاني الأرق, ويحتفظ بنزعات عدوانية, ولكم أن تعلموا أن جميع الصفات السابقة تعد من أبرز صفات أغلب الفنانين والمبدعين على مر العصور وهو أمر يذكرني بمقولة مهمة لأحد الأطباء النفسيين كنت قد سمعتها في برنامج تلفزيوني لا أتذكره جيداً الآن.. تفيد أن المرضى النفسيين من أذكى الناس وأكثرهم قدرة على الإبداع, فالأغبياء عادة لايصابون بالأمراض والعقد النفسية!
وتقول الدكتورة نادية العوضي في دراسة نشرتها على موقع (الإسلام أون لاين) إن 20 و50 في المائة من الأشخاص الذين أقدموا على الانتحار كانت لديهم اضطرابات في الشخصية متمثلة في الاضطراب الاجتماعي للشخصية, والشخصية المتكلّفة, والشخصية النرجسية وبعض الصفات الشخصية مثل الاندفاع والعنف. هذا إضافة إلى زيادة نسب الانتحار بين المصابين باضطراب الذعر والمصابين باضطرابات التغذية مثل فقدان الشهية العصبي والشره المرضي.
طبعاً هناك الكثير من الدراسات والبحوث التي طرقت هذا المجال ولا يمكنني التطرق إليها هنا لضيق المساحة, لكنني أنصحكم جميعاً بالبحث عنها والاستفادة منها, فقد اكتشفت أن نسبة كبيرة من الأشخاص الذين عرفتهم في أماكن وأزمنة مختلفة مؤهلون تماماً للانتحار, بل إنني شككت في كوني أحدهم, لأنني رجل كثير النسيان, مع أني لم أفكر يوماً في الحصول على تأشيرة خروج نهائي من هذه الدنيا!
نسيت أن أخبركم أنني هاتفت بالأمس صديقي القديم الذي كان سبباً رئيسياً في بحثي عن السمات الشخصية للسادة المنتحرين, واكتشفت أنه سيحتفل بزواجه الثالث في إجازة عيد الأضحى المقبل, وهو أمر زاد من نسبة شكوكي حوله, فثلاث زوجات في رأيي كفيلات بتسفير أفضلنا إلى العالم الآخر دون عناء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي