هل الصكوك سببٌ للاحتباس الحراري وغلاء الأسعار؟!
بئرٌ ارتوازية في وسط خَرْقِ طبقة الأوزون.. سبَّبَت مضاعفات خطيرة على محصول ثمار النفط في غابات بحر الأطفال السيامية المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري وحمى غلاء الأسعار القُلاعية.
تريث أيها القارئ الكريم.. فإن ما قرأته ليس خطأً طباعياً.. بل لا "شِعراً نثرياً" "إبداعياً" حديثاً.. كلا .. إن ما قرأت يمثل حال بعض مَن يتحدث عن المصرفية الإسلامية اليوم، ويدبج المقالات ذات العناوين الرنانة ويتحدث للإعلام حول دقائق المسائل الفقهية الشائكة، وعن المصرفية الإسلامية وهمومها وتحدياتها.. يتحدث عن كل ذلك مرتدياً جبة شيخ الإسلام ومعتمراً عمامة الشافعي وهو لم يتلقَّ من فقه الشريعة ألفاً حتى ولا باءً.
بل إن الأمر تعدى ذلك فلم يعُد بعض عوام المسلمين فحسب مَن يتحدث عن فقه المعاملات المالية، والمصرفية الإسلامية المعاصرة.. بل تجرأ حتى بعض غير المسلمين فأصبحْتَ تسمعُ وتقرأُ لبعض غير المسلمين حديثاً عن الأحكام الشرعية في المعاملات البنكية وترجيحاً لبعض الأقوال... وكما نقول في الحجاز: "تعيش وتشوف!!"، وفي الفصيح "عِش رجباً ترى عجباً".
ليت الأمر وقف عند هذا الحد.. من مجرد "حديث جرائد" وتدبيجٍ للمقالات والتصريحات الصحافية والترجيح في المسائل الفقهية الخلافية التي ربما لو عُرضت على المُحَدَّث المُلهَم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ لجمع لها أهل بدر.
إن الأمر تعدى ذلك إلى أن يتولى هيكلة بعض المنتجات البنكية "الإسلامية" من لا يعرف الفرق بين البيع والإجارة، بين الربا والتورق والمرابحة، بين القرض والدَّيْن، بين السَّلَم والاستصناع.
كيف لمن لم يتقن العقود الشرعية ذات العلاقة بمنتجات المصرفية الإسلامية.. فضلاً عمن لم يعرف أبجديات فقه المعاملات المالية.. كيف لأمثال هؤلاء أن يطوِّروا منتجات المصرفية الإسلامية؟!! كيف لأمثال هؤلاء أن يهيكلوا المنتجات التمويلية المتقدمة مثل الصكوك؟!!
إن هيكلة منتج تمويلي مهم مثل الصكوك تحتاج إلى معرفة عميقة بالعقود الفقهية مع المعرفة البنكية والفنية حتى يحقق الصك أهدافه وغاياته التي أُصدر لأجلها.. فإذا كان الذي يهيكل الصك أو اللجنة التي تهيكل الصك ليس فيها مَن يستوعب العقود الشرعية فإنك ستحصل من وراء هؤلاء على صك خديج مشوَّه.
إن من المجرب نجاحه وفاعليته أن يتولى تطوير منتجات المصرفية الإسلامية وهيكلة الصكوك من يجمع بين استيعاب العقود الشرعية والمعرفة الفنية والمصرفية اللازمة.. فإن تعذر ذلك فلا أقل من أن تتولى ذلك لجنة مكونة من مصرفيين مع من يُتقن فقه المعاملات المالية.
إنه لا يمكن مقارنة نتاج هذا التمازج الرائع المهم بين فقه الشريعة والإتقان المصرفي والمالي، وبين منتجاتٍ هيكَلَها وطوَّرها مصرفيون بعيدون عن فقه المعاملات، ولكنهم اكتفوا بعرض فكرةٍ مختزلةٍ غير مكتملة عنها على هيئةٍ شرعيةٍ في نهاية الأمر وخاتمته. إن هناك فرقاً كبيرا جدا بين ما يمكن أن تحققه الجهتان الأولى والثانية.. والتجربة خير برهان، إذ إن نتاج الأولى أكثر ضبطاً وإتقاناً من الناحية المصرفية والمالية وإدارة المخاطر مع الضبط الشرعي، إضافة إلى أن مثل هذه اللجنة ستوفر على البنك وقتاً وجهداً ومالاً.
عذراً أيها القارئ الكريم.. فقد خرجتُ في هذه الحلقة عن صلب موضوع الصكوك قليلاً.. ولكنه ألمٌ اعتلج في النفس أبى إلا أن يخرج لتشاركنيه، وتواسيني فيه وأواسيك.. ألمٌ أن يصبح فقه الشريعة حمىً مباحاً لكل أحد.. ألمٌ أن يفتي في دين الله كلُّ أحد.. ألم أن تُصبح حتى مسائل الدين العظمى من حكم الربا ودقائقه يلوكها كلُّ "أحد".
مرَّ بأخيك وأن حضر لقاءات علمية جمعت فقهاءَ أعلام ناقشوا فيها نقاشاً علمياً مستفيضاً بعض مسائل الربا الدقيقة، وبعد جلسات طويلة ـ ولورعهم وخوفهم من الله واستشعارهم عِظَم المسؤولية ـ لم يستطيعوا إصدار حكمٍ في تلك المسائل ورأوا أن يعقدوا لها ملتقىً فقهياً يجمعون له فقهاء الأمة والمتخصصين حتى يصلوا إلى حكمٍ في المسألة.. وفي المقابل تجد بعض العوام يكتب في دقائق الربا ويرجح وينقح دون حياء ولا مواربة.. أليس كل هذا مما يؤلم القلب ويكدر الخاطر ويستدعي أن نخرج قليلاً عن حديث الصكوك؟
وبعد هذا الحديث كلِّه.. والأهم من هذا وذاك .. هل عرفت أيها القارئ الكريم العلاقة بين الصكوك وظاهرة الاحتباس الحراري وظاهرة غلاء أسعار؟!!
باحث في المصرفية الإسلامية ومتخصص في الصكوك الإسلامية
[email protected]