شعب الـ face book!

[email protected]

يبدو أن العالم الافتراضي الذي تمثله شبكة الإنترنت لم يعد افتراضياً, فقد أصبح بفضل بعض المواقع والبرامج العالمية الشهيرة, عالماً حقيقياً يتكون من دول ليست موجودة على الخرائط التقليدية وشعوب جديدة تجمعها خصائص مشتركة تمثل في مجملها الهوية الوطنية لجميع المشتركين في أي موقع أو برنامج.
ومن أشهر هذه الدول دولة الـ (فيس بوك) تلك المساحة التي تجمع ملايين الأشخاص في مكان واحد على الشبكة خالقة بينهم روابط صداقة وثيقة, ربما تجاوزت في حميميتها أفضل روابط الصداقة الموجودة على أرض الواقع. فالمشتركون من جميع دول العالم في هذا الموقع يلتقون يومياً لمناقشة همومهم وتبادل صورهم ورواية يومياتهم وحتى الصراخ بصوت عالٍ دون أن يتسببوا في إزعاج أحد, رغم كل الفوارق التي تفصل بينهم على أرض الواقع!
في الـ (الفيس بوك) يمكن لأي شخص منّا أن يبحث عن اسم أي صديق من أصدقاء الطفولة ولن تكون مفاجأة إن وجده, وشاهد تفاصيل حياته اليومية بالصور قبل أن يضيفه إلى قائمة الاصدقاء الجدد دون أي عناء يذكر.
مئات الفنانين والكتاب والمثقفين والشعراء والسياسين من جميع أنحاء العالم يمكنك أن تلتقي بهم في هذه الدولة الإنترنتية وتتواصل معهم مباشرة دون وساطة من أحد, ولا أعلم حقيقة من أين ستقتات صحافة النجوم الجماهيرية التي ظلت طوال عقود تعمل كوسيط بين النجم وجمهوره بعد ظهور هذه الدولة المليونية التي لا تفصل بين سكانها الحدود الجغرافية والشوارع والطرق الطويلة وحجوزات الطيران وجوازات السفر.
وإن كان هناك من ظل يردد لسنوات طويلة أن العالم تحول إلى قرية صغيرة بسبب وسائل الإعلام فيجدر بنا أن ندرك أن شعب تلك القرية بات يسكن في غرفة واحدة من غرف أحد منازلها بسبب مواقع التعارف العالمية وعلى رأسها الـ (فيس بوك) !
قبل شهرين من اليوم قررت أن أقتحم عالم (الفيس بوك) وأنشأت لنفسي صفحة متواضعة, لكنني أعترف لكم الآن بأني جبنت وقتها عن التسجيل باسمي الصريح ووصورتي الشخصية, فهذا العالم بالنسبة لي مكان جديد لم أعتد عليه, وأنا رجل أقدّر (الحذر) كثيراً, ولا يمكنني أن أجازف هكذا دون أن أجري اختباراً مبدئياً, فلربما أخطأ أحد القتلة المأجورين من روسيا مثلاً وظن أني الهدف الذي يبحث عنه لمجرد وجود شبه بيني وبين الشخص المستهدف فقرر ملاحقتي, أو ربما وبسبب الشبه أيضاً توهمت أرملة مسكينة من أدغال إفريقيا أنني زوجها الذي فقدته ذات ليلة عندما خرج لاصطياد أسد أزعجه بزئيره ولم يعد منذ ذلك الوقت, وهو أمر قد يقودها إلى التبلي عليّ ومطالبتي بالنفقة والسكن وجرجرتي في المحاكم دون أي ذنب مني!
ولا أخفيكم أنني اكتشفت سذاجة وساويسي بعد أن تسكعت على مدى الشهرين الماضيين في تلك الدولة وتعرفت على 138 صديقا من مختلف دول العالم بينهم فنانون ومثقفون وروائيون واعلاميون جمعتني بهم أحاديث ونقاشات كثيرة ومختلفة, دون أن أعرفهم بنفسي وهذا ليس للأسباب السابقة وإنما لأنني وجدت متعة كبيرة في عملية التخفي, وهي مسألة سبق وأن جربت متعتها الأثيرة في العالم الحقيقي أثناء دراستي الجامعية عندما ارتديت الزي الباكستاني وخرجت للتجول في شوارع الرياض, ووجدت أن الناس يتعاملون معي دون تحفظ وكأنهم يعرفونني منذ سنوات, ولم أحرص على البحث عن أسباب هذا الوضع حينها.
بقي أن أقول أنني أدعو جميع أمثالي المتأخرين إنترنتياً ممن لم يتعرفوا على دولة (الفيس بوك) حتى الآن إلى المسارعة باكتشاف هذا العالم الجديد, علماً بأنني أخلي مسؤوليتي تماماً عمّا قد يتعرضون إليه إن اشتبه فيهم أحد لا سمح الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي