عندما يتحول الصيدلي إلى طبيب
أن يأتي التقصير من شخص جاهل أمر قد يكون طبيعيا، لكن أن يأتي من إنسان متعلم حمل الأمانة ثم فرط فيها عن سابق قصد ونية فهذا أمر لا يقبله أحد، وخصوصا إذا كان هذا التقصير فيه إضرار بصحة الآخرين بل وحياتهم. ومن غير المقبول أيضا أن لا يجد هذا المقصر عقوبة توقفه عند حده وتمنعه من إيذاء الآخرين.
والشريعة الإسلامية التي هي أساس الحكم في المملكة تجرم كل من يعتدي على حقوق الناس وأموالهم وكل من يلحق الضرر بأموالهم وأبدانهم، ولذلك نجد في الشريعة الغراء عقوبات رادعة لكل من يتعدى على الغير.
ما دعاني لهذه المقدمة هو ما لاحظته في أثناء قيامي بتحقيق صحافي سابق حول حبوب التخسيس، حيث قمت بزيارة أكثر من عشر صيدليات جميع الصيادلة فيها كانوا على استعداد لبيعي هذه الحبوب دون أي وصفة من طبيب متخصص. ولا يقف الأمر عند حبوب التخسيس بل يتجاوزه لأي دواء آخر، سواء كان وصفيا أو لا وصفيا، بل يصل الأمر إلى ترويج أدوية جنسية رسمية أو غير رسمية، وكم من صيدلي يبيع الحبوب الزرقاء دون وصفة لأشخاص دون أن يعرف حالتهم الصحية رغم أن تناول مرضى القلب أو الضغط لهذه الحبوب يعد من الأمور الخطيرة.. بل القاتلة، ولو ذهبت الآن إلى كثير من الصيادلة عارضا عليهم حالة معينة للبسوا مباشرة ثوب الطبيب المختص ونصحوك ببعض الأدوية المتوافرة في صيدليتهم.
الأمر جد خطير، ومما يزيد من خطورته قلة الوعي الصحي لكثير من المرضى الذين لا يفرقون بين الصيدلي والطبيب.
لا أقصد من مقالي هذا الإساءة للصيادلة، أو التقليل من شأنهم، فدورهم العظيم لا ينكره أحد، والشمس –كما يقولون- لا يمكن حجبها بغربال، ولكني أقصد البعض منهم ممن أساؤوا إلى أنفسهم، وإلى مهنتهم بتفضيلهم الربح المادي على الالتزام بأخلاقيات مهنتهم الراقية.
حدثني أحد الأطباء العرب الذين عملوا في بعض العواصم الخليجية وانتهى به المطاف في الرياض أنه ذهل من حال الصيدليات في المملكة، ففي بعض الدول التي عمل بها يمنع الصيدلي من صرف أي دواء به نسبة قليلة من الكورتيزون دون وصفة رسمية من طبيب متخصص، وإذا ثبتت مخالفة من هذا النوع فإن العقوبة قاسية تصل إلى غرامة بعشرات الآلاف من الريالات، ولكن الحال مختلف في المملكة –كما يقول الطبيب- إذ فوجئ بأنه يمكن للصيدلي أن يبيع أي دواء لأي شخص دون وصفة طبية، وهذا أمر خطير للغاية حيث إن الطبيب لا يمكنه وصف الدواء من خلال وصف شفهي للمرض.. فما بالك بالصيدلي؟!
إن جهل كثير من المرضى بأصول التعامل مع الدواء، وجهل بعض الصيادلة بأخلاقيات مهنتهم، وتجاهل آخرين لها، إضافة إلى عدم وجود العقوبة الرادعة للمخالفين، وضعف رقابة الجهات المعنية.. كل هذه عوامل زادت من تفشي هذه الظاهرة؛ ولذلك أرى من الضروري قيام وزارة الصحة بحملات توعوية توضح الدور الحقيقي للصيدلي، وإخضاع الصيادلة العاملين في الصيدليات الأهلية إلى ورش عمل تزيد من وعيهم بأخلاقيات مهنتهم، والقيام بحملات توعوية في جميع وسائل الإعلام تبين مخاطر صرف الدواء بدون وصفات طبية مستدلة على ذلك بحالات واقعية مقنعة، إضافة إلى سن قوانين تنظم عملية بيع الأدوية وتجرم كل صيدلي مخالف بعقوبات رادعة تدعمها جولات تفتيشية مستمرة.
ولا أشك أن اتخاذ هذه الإجراءات سينهي وجود هذه الظاهرة لدينا، ويمنع من تحول الصيادلة إلى أطباء.
*محرر توعية المستهلك