النقل والتشييد والصناعة أكبر الرابحين من التحرر الاقتصادي.. واختناقات في الخدمات المالية والطاقة
كشفت بيانات تقرير اقتصادي أصدرته شركة جدوى للاستثمار أن القطاعات غير النفطية في السعودية كانت أفضل القطاعات أداء والأكثر استفادة من سياسة التحرير الاقتصادي وازدهار الاستثمارات وأهمها النقل والمواصلات والتشييد والصناعة, وسجل القطاع العام الماضي ثاني أعلى معدل نمو منذ عام 1982.
وقال التقرير الذي أعده براد بورلاند رئيس الدائرة الاقتصادية في "جدوى للاستثمار"، إنه في المقابل تراجع النمو في قطاع الخدمات المالية السعودي خلال عام 2007، وذلك نتيجة فتح هذا القطاع ونتيجة للحجم الضخم للأعمال وكذلك بسبب نقص الكوادر المؤهلة. كما جاء نمو قطاع الطاقة والمرافق الخدمية عند أبطأ معدل له طيلة عشر سنوات. وهنا نص التقرير.
النمو القوي في القطاع غير النفطي
شهدت القطاعات غير النفطية نمواً بنسبة 5.8 في المائة وهو ثاني أعلى معدل لها منذ عام 1982، وكانت أفضل القطاعات أداء تلك التي استفادت من سياسة التحرر الاقتصادي وازدهار الاستثمارات وأهمها النقل والمواصلات والتشييد والصناعة.
- نشوء الاختناقات
تراجع النمو في قطاع الخدمات المالية نتيجة لسياسة التحرر في هذا القطاع ونتيجة للحجم الضخم للأعمال، وكذلك بسبب نقص الكوادر المؤهلة، كما جاء نمو قطاع الطاقة والمرافق الخدمية عند أبطأ معدل له طيلة عشر سنوات بسبب الإخفاق في مواكبة الطلب المتنامي وبالكاد تمكّن النمو في قطاع التطوير العقاري من مجاراة النمو السكاني رغم النقص الكبير في المساكن.
- انخفاض إنتاجية القطاع الحكومي
مرة أخرى تباطأ معدل النمو في الخدمات الحكومية حيث جاء دون نصف معدل نمو أعداد العاملين في القطاع العام مما يلمح بتناقص الإنتاجية داخل القطاع الحكومي.
- ضخامة الصادرات النفطية وسرعة نمو الصادرات غير النفطية
تجاوزت قيمة صادرات النفط مستوى 200 مليار دولار لأول مرة بفضل الأسعار المرتفعة، كما ارتفعت الصادرات غير النفطية بنسبة تزيد عن 20 في المائة للعام الخامس على التوالي، بينما تركزت على المنتجات المتفرعة من النفط وتلك التي تستهلك كميات كبيرة من الطاقة.
- الارتفاع الهائل في تكلفة الخدمات المستوردة
ارتفعت مدفوعات الخدمات المستوردة المستخدمة في قطاع النفط بنسبة 52 في المائة، كما قفزت واردات الخدمات الأخرى (وتشمل الخدمات المالية والقانونية والمحاسبية والتقنية) بنسبة 55 في المائة. وتعكس هذه القفزة تزايد الحاجة إلى الخدمات الاحترافية المستوردة بفضل الزيادة الكبيرة في حجم المشاريع، كما تعكس أيضاً ارتفاع تكلفتها.
النمو الاقتصادي
شهد الاقتصاد السعودي العام الماضي نمواً بنسبة 9.4 في المائة مقابل نسبة الـ 7.1 في المائة بموجب مقررات الميزانية. وبما أن النمو في قطاع النفط لم يختلف كثيراً عن معدل النمو التقديري والذي كان في حدود 8 في المائة فلذلك يعتبر السبب وراء زيادة النمو الاسمي هو القيمة المرتفعة للبضائع التي تم إنتاجها في القطاعات الأخرى. ورغم أن معدل النمو العام الماضي جاء الأقل منذ عام 2002 إلا أنه أضاف مبلغ 33 بليون دولار إلى قيمة الناتج الاقتصادي وهو مبلغ يعادل الحجم الكلي للاقتصاد التونسي.
وارتفع النمو في الناتج الإجمالي الفعلي في عام 2007 بنسبة 3.4 في المائة وهو مستوى قريب من التقدير الأولي له البالغ 3.5 في المائة، بينما كان نموه في عام 2006 بنسبة 3.1 في المائة وهو أقل من مستوى التقدير الأولي الذي بلغ 4.3 في المائة. وعلى الرغم من أن النمو عند هذا المستوى لا يثير الإعجاب إلا أن القطاع الخاص غير النفطي تنامى بمتوسط يقترب من 6 في المائة خلال العامين الماضيين وهو أسرع معدل يشهده منذ عام 1982. وبما أن البيانات الفعلية تم تعديلها وفقاً للتضخم فهي تعطي مؤشراً أفضل بشأن الاتجاهات الأساسية للاقتصاد.
وكانت قطاعات النقل والاتصالات والتشييد والصناعة هي الأسرع نمواً العام الماضي بمعدل يتوافق مع التقديرات الأولية التي وضعت سابقاً، فقد بلغ معدل النمو في قطاع النقل والمواصلات نسبة 10.6 في المائة مستفيداً من الزيادة السريعة في استخدام الهواتف النقالة وتحرر النقل الجوي الداخلي، بينما بلغ المعدل في قطاع التشييد نسبة 7.1 في المائة عاكساً حجم المشاريع العملاقة التي تم تنفيذها (هناك مشاريع بقيمة 470 مليار دولار في مرحلة التخطيط أو قيد التنفيذ في المملكة)، وجاء النمو في القطاع الصناعي عند مستوى 6.5 في المائة بفضل القفزة الكبيرة في حجم الإنتاج من مجمعات البتروكيماويات، وكذلك زيادة الناتج من المواد البلاستيكية والمعادن الأساسية.
ويعد النمو القوي في القطاع غير النفطي سمة من سمات الطفرة الاقتصادية الحالية وهو الأمر الذي نتوقع استمراره لعدة سنوات مقبلة، إلا أن مستوى النمو في بعض أجزاء الاقتصاد غير النفطي جاء دون الطموحات مما يعكس بعض المخاوف المحتملة.
التطوير العقاري
تراجع نمو قطاع التطوير العقاري إلى 2.5 في المائة وهو أدنى مستوى له منذ أربع سنوات على الرغم من الطلب القوي جداً على المساكن الذي أدى إلى رفع الإيجارات بنسبة 12.5 في المائة خلال عام 2007. لقد تسبب الارتفاع المتزايد في تكلفة مواد البناء والنقص في العمالة الماهرة إلى جعل قطاع التطوير العقاري بالكاد يجاري معدل النمو السكاني المعلن رسمياً والذي يصل إلى 2.4 في المائة سنوياً (نعتقد أن هذا المعدل يقل كثيراً عن الواقع حيث تم وضع النمو السنوي في عدد السكان الأجانب في حدود 143 ألف شخص العام الماضي مع أن وزارة العمل أصدرت أكثر من مليون تأشيرة عمل جديدة للأجانب العام الماضي).
التمويل
انخفض معدل النمو في قطاعات التمويل والتأمين والخدمات التجارية للعام الثاني على التوالي إلى 5 في المائة. وعلى الرغم من أن هذا المستوى من الأداء لا يبدو ضعيفاً في ظاهره إلا أننا نعتقد أنه كان يتوجب أن يتفوق النمو في هذا القطاع على تلك النسبة خاصة في ضوء عملية التحرير الجارية (37 شركة استثمارية جديدة وعدة شركات تأمين بدأت عملياتها العام الماضي) وفي ضوء النشاط التجاري الضخم. ونعتقد نحن من جانبنا أن السبب الرئيسي لبطء النمو في هذا القطاع يعود إلى نقص الكوادر البشرية المؤهلة.
الكهرباء والغاز والمياه
جاء النمو في مرافق الكهرباء والغاز والمياه والذي بلغ 4.7 في المائة قريباً من أدنى معدل له خلال عشر سنوات وأقل بكثير من متوسط النمو للعقد الماضي والذي كان في حدود 6.4 في المائة. يقدَّر النمو في الطلب على هذه المرافق في حدود 7 في المائة سنوياً نتيجة للنمو السكاني والاستخدام المتعاظم لهذه الخدمات في مجال الصناعة مما يجعل المنشآت القائمة حالياً بالكاد تلبي هذا المستوى من الطلب. وعلى الرغم من أن هناك العديد من مشاريع الكهرباء والماء يجري الإعداد لها وتنفيذها حالياً إلا أنه لا يتوقع وصول معظم الإنتاج الجديد إلى المستهلك قبل عامي 2009 و2010.
الخدمات الحكومية
سجل النمو في ناتج الخدمات الحكومية العام الماضي فقط 1.3 في المائة، وكان قد تم تعديله للأسفل من 5.7 في المائة كما ورد في تقديرات ميزانية العام الذي سبقه إلى 1.9 في المائة (يفسر هذا التعديل كامل الفرق بين القيمة التقديرية والقيمة الفعلية للبنود المكونة للناتج الإجمالي للعام 2006). ويجب التنويه إلى أنه يصعب قياس ناتج الخدمات الحكومية (مثل الدفاع والصحة والتعليم) وخاصة فيما يتعلق برصد التحسن في نوعية الخدمات وليس كميتها.
ونشير هنا إلى أن هذا التباطؤ يأتي في سياق تزايد عمليات التوظيف في القطاع الحكومي حيث قفز عدد العاملين في هذا القطاع بمعدل 3.3 في المائة العام الماضي، وهو أسرع معدل زيادة خلال أكثر من عقد من الزمان ويفوق معدل النمو في ناتج الخدمات الحكومية البالغ 1.3 في المائة. وكان عدد العاملين في القطاع العام قد ارتفع بمعدل 2.6 في المائة في عام 2006. وقد انضم إلى القطاع الحكومي نحو 48.000 موظف سعودي خلال العامين الماضيين في حين تم الاستغناء عن خدمات 1.500 من الأجانب خلال الفترة نفسها - لا يشمل أي من الرقمين عدد الأشخاص الذين تم توظيفهم في قطاعات الدفاع والأمن. وتدل هذه البيانات ضمناً على أن الزيادة في القوى العاملة في القطاع الحكومي أدت إلى خفض الإنتاجية في هذا القطاع. (يلاحظ أن النمو في عمليات التوظيف في القطاع الحكومي كان متطابقاً لعدة سنوات مع ناتج الخدمات الحكومية، لذا فإن هذا التحول قد يكون نتيجة لتغيير في المنهج المتبع).
واستناداً على هذه البيانات الجديدة فقد لجأنا إلى تعديل توقعاتنا بشأن النمو الاقتصادي لهذا العام، حيث خفضنا بدرجة كبيرة توقعاتنا حول النمو في قطاعات التمويل وقطاع الكهرباء والماء كما خفضنا قليلاً توقعاتنا بشأن تجارة الجملة والتجزئة وذلك بسبب تأثير التضخم على القدرة الشرائية للمستهلك. وعليه فقد خفضنا من توقعاتنا بشأن نمو القطاع الخاص غير النفطي من 7.6 في المائة إلى 6.5 في المائة، كما خفضنا توقعاتنا بنمو الخدمات الحكومية إلى النصف.
وبناء على التوقعات بارتفاع أسعار النفط فقد عمدنا إلى رفع تقديراتنا حول النمو الكلي للناتج الإجمالي الفعلي من 5.5 في المائة إلى 6.1 في المائة. وفي هذا الخصوص فقد أعلنت المملكة عشية انعقاد قمة النفط في جدة في 22 حزيران (يونيو) أنها سترفع إنتاجها من النفط إلى 9.7 مليون برميل في اليوم. ونعتقد أن إنتاج النفط سيكون عند هذا المستوى خلال الفترة المتبقية من العام مما يجعلنا نتوقع أن يبلغ متوسط إنتاج النفط للعام 2008 نحو 9.5 مليون برميل يومياً أي بزيادة 8 في المائة عن إنتاج عام 2007 (وسنلقي نظرة مفصلة على نتائج مؤتمر جدة في نشرتنا الشهرية المقبلة).
بيانات التجارة والحساب الجاري
كذلك تم نشر بيانات بشأن التجارة والحساب الجاري أفادت بأن ميزان الحساب الجاري بلغ 95 مليار دولار للعام 2007، وهو مبلغ يفوق قليلاً التقدير الأولي الوارد في الميزانية ولكنه يقل عن المستوى القياسي الذي تحقق عام 2006 وهو 98.9 مليار دولار. وقد عملت الزيادة الكبيرة في الواردات من السلع والخدمات على موازنة العائدات النفطية المرتفعة.
وقفزت قيمة الصادرات العام الماضي بنسبة 11 في المائة محققة عائدات قدرها 233.4 مليار دولار، وظلت منتجات النفط تهيمن على الصادرات حيث شكلت نسبة 88 في المائة عام 2007. كما ارتفع النمو في الصادرات غير النفطية بأكثر من 20 في المائة للعام الخامس على التوالي بحيث بلغت أكثر من ثلاثة أضعاف مستواها عام 2002، وظلت المنتجات الكيميائية أهم مصادر ذلك النمو حيث قفزت بنسبة 18 في المائة العام الماضي محققة عائداً قدره 8.3 بليون دولار نتيجة لزيادة حجم الإنتاج وارتفاع الأسعار عالمياً وهي الأسباب نفسها وراء ارتفاع صادرات منتجات البلاستيك بنسبة 18 في المائة وتحقيقها عائداً قدره 6.1 مليار دولار.
وتشير بيانات تجارة المنتجات غير النفطية إلى أن عملية التنويع الجارية في الاقتصاد السعودي تركز على خلق قيمة إضافية كبيرة من احتياطيات السعودية من المنتجات الهايدروكربونية أكثر من تركيزها على تطوير صناعات غير مرتبطة بذلك النوع من المنتجات. وباستبعاد النفط وجميع المنتجات المصنعة من النفط والتي تستهلك كميات كبيرة من الطاقة والبضائع المعاد تصديرها (البضائع التي مرت عبر المملكة متجهة ناحية دولة ثالثة) نجد أن إجمالي قيمة الصادرات لم يتعد 5.4 مليار دولار.
وجاء نمو الواردات قوياً عند مستوى 29 في المائة وهو نمو تصدرته البضائع المستخدمة في تشييد العدد الكبير من المشاريع الجاري تنفيذها حالياً في المملكة. وقد قفزت واردات الأجهزة والمعدات بنسبة 48 في المائة العام الماضي حيث بلغت قيمتها 99.7 مليار دولار ما يجعلها أكبر بند منفرد من بنود فاتورة الواردات، كما نمت واردات معدات النقل والمعادن الأساسية والكيماويات بقوة حيث شكلت مجتمعة 40 في المائة من إجمالي الواردات. وتكشف بيانات الواردات كذلك أن الثقة في مستقبل الاقتصاد ساعدت على أن يستعيد الإنفاق على السلع الترفيهية مستواه الذي كان عليه قبل انهيار سوق الأسهم عام 2006 حيث نمت واردات المجوهرات بنسبة 45 في المائة، كذلك نمت واردات المقتنيات والتحف بأكثر من الضعف العام الماضي.
وعلى الرغم من أن البيانات التجارية جاءت متفقة مع توقعاتنا إلا أن البيانات حول مدفوعات الخدمات جاءت أعلى من توقعاتنا بصفة عامة وذلك جراء زيادة الحاجة إلى الخدمات المهنية المستوردة وارتفاع تكاليفها وهي خدمات اقتضتها الطفرة الكبيرة في المشاريع، حيث قفز الإنفاق على الخدمات المستوردة المستخدمة في قطاع النفط (مثل خدمات التشييد وتقنية المعلومات وغيرها من الخدمات الفنية) بنسبة 52 في المائة بحيث بلغت قيمتها 14.8 مليار دولار أي ما يعادل تقريباً ثلاثة أضعاف مستواها عام 2005. كذلك قفزت واردات الخدمات الخاصة الأخرى (وتشمل الخدمات المالية والقانونية والمحاسبية وخدمات التقنية والاتصالات والإعلانات) بنسبة 55 في المائة وبلغت كلفتها 20.9 مليار دولار.
وكان لارتفاع أسعار النفط تأثير كبير في تكاليف الشحن والتأمين التي يتحملها الموردون والتي ظلت مستقرة بدرجة ملحوظة عند مستوى 9 في المائة من إجمالي الواردات طيلة العقد الماضي قبل أن تقفز إلى 12 في المائة من إجمالي فاتورة الواردات العام الماضي. وعلى العكس من ذلك انخفضت مدفوعات الواردات من الخدمات الحكومية الأخرى وبصفة خاصة البنود الدفاعية التي جاء تراجعها في أعقاب قفزة كبيرة عام 2006، التي نعتقد أنها تعود إلى مدفوعات المقاتلات النفاثة. أما التحويلات المالية الرسمية (التي تصنف كذلك ضمن بند الخدمات الحكومية الأخرى) فقد ارتفعت بسبب المبالغ التي دفعت للمساعدة في إعادة إعمار لبنان.
ارتفعت التحويلات الخارجية الخاصة التي تمثل المبالغ التي يرسلها العاملون الأجانب المقيمون في المملكة إلى بلادهم بنسبة 3 في المائة فقط وبلغ إجماليها 16.1 مليار دولار. وفي هذا الصدد كنا نعتقد منذ فترة طويلة أن هذه المدفوعات تقل كثيراً عن التحويلات الحقيقية وجاءت هذه البيانات الجديدة لتدعم هذا الاعتقاد. فإذا أخذنا في الاعتبار أن الجهات المختصة أصدرت العام الماضي تأشيرات عمل لأكثر من مليون أجنبي وأن مدفوعات التحويلات الخارجية ترتفع بقيمة 470 مليون دولار سنوياً فإن البيانات الجديدة تقتضي أن يكون كل عامل أجنبي جديد قد حوّل إلى بلده مبلغاً يقل عن 500 دولار.
والبند الوحيد بين بنود الإيرادات الذي سجل ارتفاعاً كبيراً كان الدخل من استثمارات الموجودات الخارجية للدولة حيث ارتفع بنسبة 45 في المائة إلى 15 مليار دولار وأصبح يعادل الآن أكثر من ثلاثة أضعاف مستواه في عام 2005، بينما لم يرتفع حجم الأصول الأجنبية للحكومة خلال الفترة نفسها إلا بنسبة 84 في المائة فقط. ونعتقد أن متوسط أسعار الفائدة المرتفع لسندات الخزانة الأمريكية هو السبب وراء معظم باقي الزيادة في عائد الاستثمار وليس تنويع الأصول ذات العائد المرتفع.
الفائض الضخم
لم يأت الفائض الضخم في الحساب الجاري مفاجئاً في ضوء الارتفاع الهائل في أسعار النفط ولكن الجانب المثير للانتباه في البيانات هو القفزة الكبيرة في مدفوعات الخدمات المستوردة، فقد ارتفعت تكاليف الخدمات المهنية المتخصصة وخاصة في مجال النفط والغاز والتشييد بشدة خلال السنين الأخيرة نتيجة للطلب القوي مقابل ضآلة العرض، ومما زاد من حدة ارتفاعها في المملكة قلة المهارات المحلية وصعوبة الحصول على التأشيرات والسكن المناسب للعاملين الأجانب المتخصصين. وبما أن الطفرة الاستثمارية لا تزال في مراحلها الأولى فستظل الحاجة إلى الخدمات المستوردة والمواد الخام في ازدياد. وإذا استمرت واردات السلع والخدمات تنمو بنفس المعدل خلال الثلاث سنوات القادمة كما كان الحال طيلة الثلاث سنوات الماضية وبقي كل شيء آخر على حاله دون تغيير، فسوف يتطلب ذلك ضرورة أن يبلغ سعر النفط 63 دولارا للبرميل كي يظل الحساب الجاري يحقق فائضاً. وعلى الرغم من أن هذا السعر يأتي دون توقعاتنا إلا أنه يعادل أكثر من ضعف مستواه خلال السنوات القليلة الماضية.