حر الانصراف .. والعلاقة بين منخفضي الهند والسودان
تعرض شمال ووسط وشرق الجزيرة العربية خلال هذه الأيام لارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة وهبوب رياح شمالية غربية سريعة ومثيرة للغبار والأتربة نتيجة مرورها على مساحات واسعة وشاسعة من الأراضي المفتقرة للمطر، الأمر الذي جعل الرؤية تتدنى في المناطق الصحراوية علما بأن الحر الممل الآن أمر متوقع لأن الشمس تنقلب في حركتها الظاهرية ذات اليمين وذات الشمال على خط الاستواء وتنخفض بذلك في الأفق الجنوبي على مدار الجدي، ويخبو سطوعها ويميل ضوؤها إلى الاصفرار بما يسمّى المنقلب الشتوي في 22 من كانون الأول (ديسمبر) وترتفع تارة إلى عنان السماء جهة الشمال في مدار السرطان فيسطع ضوئها بما يسمى المنقلب الصيفي يوم 21 من حزيران (يونيو) وينتج عن كلتا الحركتين الارتفاع والانخفاض في درجة الحرارة.
ويسمّى الحر الآن حر الانصراف إذ إن الشمس بلغت في السبت الماضي أعلى مد لها من جهة الشمال وتبدأ الآن بالانصراف متجهة نحو الجنوب والمثل العامي يقول (لا برد إلا بعد الانصراف ولا حر إلا بعد الانصراف) أي لا يأتينا البرد الفعلي الذي يدخل مع الإنسان في فراشه إلا بعد انصراف الشمس، ولا يأتينا الحر اللاهب الشديد إلا بعد انصراف الشمس من الشمال إلى الجنوب.
فالشمس كما عرفنا تنطلق بنا في رحلتها الصيفية من خط الاستواء باتجاه الشمال، فترتفع درجة الحرارة بالتدريج مع مرور الأيام وعندما تصل الشمس أقصى ميل لها شمالا ترتفع درجة الحرارة إلى معدلات عالية على المناطق الشمالية من الكرة الأرضية، لأن فصل الصيف يتزحزح فيه ضغط المنخفض الاستوائي نحو الشمال ليغطي كل شمال إفريقيا وغربي آسيا وجنوبها، ويكون له مركزان رئيسان أحدهما على شمال السودان ويعرف باسم (منخفض السودان) والثاني على باكستان وشمال غربي الهند ويعرف باسم (منخفض الهند الموسمي)، ويلعب هذان المركزان أدوارا مهمة في الأحوال الجوية والمناخية في كل البلاد العربية تقريبا ويلتقي هذا المنخفض بالمنخفض الاستوائي فيتكون منهما أعظم نطاق للضغط المنخفض على سطح الكرة الأرضية فتتشكل نتيجة لهذا التلاقح رياح شمالية شديدة الهبوب حارة ومحمولة بالغبار والأتربة وهي من الظواهر المألوفة وتشتد حدتها عندما ينقطع معين المطر ويزول الغطاء النباتي الذي يكسو التربة.
وترجع شدة الحرارة على المملكة خلال فصل الصيف عموما إلى صفاء الجو وطول ساعات سطوع الشمس وكبر زاوية سقوط الأشعة وجفاف التربة بسبب جفاف الهواء وانعدام الأمطار تقريبا وقلة مظاهر التكثف الأخرى، خصوصا الندى، بحيث لا تجد التربة أي مصدر يعوضها عما تفقده من مياه التبخر، ولهذا فإن سطح الأرض نفسه يسخن بسرعة أثناء النهار حتى ترتفع درجة حرارته في الأماكن المكشوفة إلى أكثر من 48 درجة مئوية، وكثيرا ما تصل درجة حرارة رمال الصحراء في أواسط النهار إلى 75 درجة مئوية أو أكثر. ومما يذكر أن سخونة الرمال بهذا الشكل مع سكون الهواء يترتب عليها انطلاق الإشعاعات الحرارية بكثرة من سطح الرمال إلى الجو، فيؤدي ذلك إلى ظهور ظاهرة السراب الذي تشتهر به أراضي المملكة.
ومما تجدر الإشارة إليه أن هناك تغيرا ملحوظا في نوع الطقس عبر السنين محليا وعالميا ويعود ذلك إلى ملوثات البيئة، علاوة على دورات الطقس إلا أن هذه الأسباب ينقصها التأكيد، إذ إن معظم بلدان العالم لا توجد فيها سجلات للطقس في العقود الماضية.
- باحث فلكي
عضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك