جرائم الطفولة عند الشعراء.. تحديث للفكرة وابتكار في التنفيذ!

جرائم الطفولة عند الشعراء.. تحديث للفكرة وابتكار في التنفيذ!

الطفولة: تشكيل لملامح الـ "ما بعد"، لذلك عندما تكتمل اللوحة وتضفي جمالا على الكون، تتعاقب الأسئلة وتعود بنا إلى الـ "ما قبل"، إلى المرحلة التي سبقت التدوين بكثير، كيف كانت حتى آل النتاج إلى ما آل إليه من جمال، شعراء مبدعون هم كانوا أطفالا مشاغبين، أو كما أطلقوا على أنفسهم "مجرمون صغار"، وعند استعراض مواقف أو "جرائم" ارتكبوها صغارا في طفولتهم يخيل لنا أن كل طفل مشاغب سيصبح مبدعا في مجال ما، إن كان الشغب الطفولي رغم غرابته أحيانا، ينتج شعراء كالذين سنستعرض مواقفهم الطفولية المجنونة أحيانا!
طفولة "المبدعين" لا تختلف كثيرا عما يفعله بعض الأطفال الآن، فحين تسكنك الغرابة من تصرفات طفل ما، فهي إذن إشارة مهمة توحي بعبقرية ما قادمة مع الوقت إلى مكان ما يفجر طاقاتها الكامنة، الطفولة أهم مرحلة عمرية قد تشكل نسيجا جديدا لإنسان مجدد في كبره.

أول هؤلاء المجرمين الصغار، المبدع شعرا وشعورا عبد الله الكايد، فهذا الشاعر يغرقك برومانسية قصائده ورقتها المتناهية، وقد يكون أكثر الشعراء الشبان الآن ممن يتعبون كثيرا على مفردات القصيدة لكي لا يخرج حرفا واحدا منها عما أراد لمقطوعته النهائية، التي دائما ما تتسم بدهشة واختلاف.
الكايد يروي حكايته هو وصديقه سعود عندما كانوا أطفالا يزورون "سوق الحمام" كل يوم جمعة، حيث صادف هؤلاء بعد رحلة بيع موفقة مقيما يبيع قردا، وكانت تلك المرة الأولى التي يقتربون فيها من "قرد"، حاولوا شراءه ونجحوا في اقتنائه والعودة به إلى الحارة ثم دخلوا البيت وسط سرية تامة، لأن "القرد" ليس من الحيوانات التي ستقبلها البيئة المحيطة نهائيا، وما هي إلا لحظات حتى قررا "تغطيس" القرد بماء وصابون لأنه قذر! وسط محاولات "ترويش" كانت والدة الكايد قد كشفتهما فنالا عقابا مزدوجا، الأول لشراء كائنات "غريبة" وإدخالها المنزل، والثاني لإعدام عدة النظافة المتمثلة بـ "سطل" و"خيشة" أرز!

صياد ضفادع!
الجميل الآخر هاني الفرحان، أحد الشعراء الشبان الذين أدهشوا ساحة الشعر في الآونة الأخيرة من خلال نتاج راق ومتجدد، كان هو الآخر طفلا مجرما ولكن على طريقته، ففي القرية نفسها التي أكسبته خيالا خصبا في الشعر، كان ينزل هو وأصحابه الأطفال في القرية، ولم يكن قد تعدى عمر أكبرهم ست سنوات، يذهبون إلى "السواقي" التي تدفع الماء إلى مزارع القرية، ويصيدون الضفادع التي تتواجد بكثرة هناك، وكانوا قبل ذلك حضروا لطريقة إعدامها المتمثلة برميها في قدر ماء يغلي والنار مشتعلة تحته!
المتعة عند هاني "المجرم" وأصحابه هي رؤية الضفادع تتخشب وتتيبس أطرافها في الماء المغلي! هو بالتأكيد أحد أبرز الشعراء الشبان حاليا، إلا أن طفولته كانت "مجرمة" وقاسية على الضفادع، رغم تبريره الدائم بأنه كان أصغر المجموعة التي كانت ترافقه، ولا قرار نهائيا يملكه تجاه الضفادع!

مسمار نايف عوض
أما المجرم "شعرا" وعطرا نايف عوض، فهو مبتكر في طفولته كأصحابه الذين سبقوه، إلا أن أفكاره المبتكرة لا تنجح غالبا كما خطط لها، ربما لأن التنفيذ يحتاج إلى متابعة دائمة وهو الفوضوي في كل شيء إلا الشعر، يعترف بأنه كان يحقد على أحد أقاربه الأطفال ممن كانوا في عمره، وفي ملعب كرة القدم الترابي خطرت بباله فكرة "زرع" مسمار بشكل عكسي في الخانة التي يلعب بها هذا الطفل عادة، إلا أن هذا الطفل "المكروه" طلب من شقيق نايف الذي يصغره بالعمر اللعب في مركزه، ليلعب هو في مركز آخر في تلك المباراة بالذات، فكان أن أكلت رجل شقيق نايف مسماره المدبب الصدئ! نايف من هول الصدمة اشتاط غضبا وعاقب الطفل "المكروه" على ذنب لم يرتكبه، "عطيته كف من القهر"، ما كان من الأول يا أبو عوض!

كذبة مبتكرة!
بركات الشعر بركات الشمري، من المجددين في القصيدة رغم حداثة تجربته، إلا أنه يجبر متابعيه على الدهشة في كل مرة يقرؤون له نصا جديدا، هو من الشعراء ذوي الذكريات الطفولية التي لا تخلو من شغب وإجرام بريء، يقول: "سرقت خمسة دنانير من والدي - رحمه الله - وتورطت بطريقة تبرير امتلاكي لهذا المبلغ الكبير نسبيا آنذاك عند أشقائي وأبناء عمومتي، فهم يعلمون أني لو جمعت مصروف السنوات الدراسية كلها ما وصل المبلغ هذا الرقم، فاضطررت إلى أن أتحين الفرصة لوضع المبلغ تحت صخرة في الملعب الترابي للحارة، حتى إذا اقتربت منها ومعي أصدقائي يشاهدون طريقة إيجادي لها، ونجحت العملية، إلا أن المصيبة أن أشقائي أخبروا أمي بالحادثة، وهي بدورها نقلت الرواية إلى الوالد الذي "حشرني" في زاوية حتى أخبرته بالقصة كاملة، ولحسن الحظ فإن الفكرة راقت لوالدي – رحمه الله – واعتبرها مبتكرة فسامحني"!

أجرم شي!
لم يكن ترتيب حضور الشاعر الجميل محمد علي العمري في ختام روايات شعرائنا عبثا، فهو صاحب الجريمة "الأخطر" عندما تصدر من طفل عمره ست سنوات فقط لا غير!
ومحمد بروايته التي خرجت من لسانه يقول: أولى جرائمي كانت عملية خطف بسبب رغبتي في شرب ميرندا قزاز مع بسكويت مالح، وكان يوم الخميس اليوم الأقل ضجة صباحا، لذلك كنت وحدي جالسا على عتبة منزلنا، شاهدت ابنة الجيران ذات السنوات الثلاث وسط الشارع تطارد قطة وتلهو معها! فخطر في بالي أن أخفيها في أحد الدواليب في منزلها، وأطلب من والدها "ريال" عندما يسألني عنها، بمعنى آخر هو ابتزاز بطريقة مؤدبة، أخفيتها في الدولاب وطلبت منها السكون على حالها، وعدت للجلوس على عتبة باب المنزل لمراقبة منزلهم عندما يخرج والدها للبحث عنها، إلا أن انتظاري طال بعد ثلاث ساعات، فأوحت لي "طفاقتي" أن أخبر والدها بضياع ابنته! وفعلا حدث هذا فأمسكني من تلابيبي طالبا مني أن أدله على ابنته بعد أن افتضح أمري، أحضرته إلى الدولاب ولم نجد الطفلة! فاتضح أن الأخت دفعت الباب برجلها وذهبت للإفطار مع والدي ووالدتي!
وكما يروي "أبو خالد" فإن الحكاية لم تنته بعد، إذ كان عقاب والده قاسيا عندما علم بأمر خطة "الابتزاز والخطف" التي نفذها طفل في السادسة من عمره!

الأكثر قراءة