مركز الرشيد للعيون في حائل .. خيري تعطله البيروقراطية!
لو قدر لمركز طبي مثل مركز الدكتور ناصر إبراهيم الرشيد لطب العيون في حائل أن يقام في بعض الدول الأجنبية لتحول إلى منارة طبية، خاصة أنه عمل خيري ووطني أقيم منذ أكثر من 20 عاما.
المتابع لحالة المركز يلحظ أن الفترات التي بقي فيها مغلقا هي الأكثر في عمره، بل أنه بقي على هذه الحالة لعدة أعوام تجاوزت الـ 15 عاما، وتحديدا منذ أواسط الثمانينيات الميلادية حتى أواخر التسعينيات. وطوال تلك الفترة وبينما كانت حائل تشهد ازديادا سكانيا كبيرة كان المركز – وفق مراقبين – شهادة على الطريقة التي تتعامل بها بعض الإدارات الحكومية مع الأعمال التطوعية أو الخيرية والوطنية.
طوال 15 عاما لم يحرك المركز الذي وقف كأطلال شامخة في نفوس بعض المسؤولين شيئا، وهم يشاهدون صباح مساء، طوال تلك الفترة، لم تكسر خواطرهم تلك الأجهزة التي كانت تنتظر أنامل الأطباء المهرة، كما لم يكسرها (خواطرهم أيضا) عناء المرضى المسنين الذين أرق عيونهم المتعبة السفر إلى الرياض حيث المستشفى التخصصي للعيون الذي كان افتتاحه شرارة فكرة مركز الدكتور ناصر الرشيد في حائل.
بعد كل هذه الأعوام افتتح المركز بعد أن عمد الدكتور ناصر الرشيد إلى ترميمه (لم يكن مستخدما من قبل) بالكامل، مع إضافة بعض المرافق والأجهزة الطبية الجديدة.
عمل المركز سنوات قليلة واستقبل الآلاف قبل أن يتحول خلال الفترة الماضية (بقدرة قادر) إلى مركز لاستقبال المرضى قبل تحويلهم إلى عيادة العيون في مستشفى الملك خالد في حائل. هكذا ببساطة يتحول هذا العمل الوطني إلى صالة استقبال تفرز فيه الملفات ويوجه المرضى إلى حيث العيادة المزدحمة والمستشفى العتيق الذي يئن بعياداته المتخمة، بعد أن كان يستقبل أكثر من 14 ألف مريض في العام. تدريجيا وبعد أن كان يجري عمليات العيون الضرورية للمرضى بات على هذا الوضع الغريب حاليا.
قريبون من الأحداث داخل المركز يؤكدون أن الشؤون الصحية هي التي ألغت غرفة العمليات والاكتفاء بالعيادات فقط، وهو ماحرم الكثيرين من هذه الخدمة، بل إن مسؤولي الشؤون الصحية هم من اختار بعض الأجهزة المهمة للمركز والتي من بينها جهاز: الميكروسكوب الجراحي Surgical Microscope وجهاز الانفينتي Infinity.
واللافت في الأمر أن جهاز التخدير نقل إلى عيادة العيون في مستشفى الملك خالد قبل أكثر من عامين أيضا ويستخدم فيه، وكأن المستشفيات الحكومية بحاجة لمثل هذه الأجهزة التي في الأصل يجب أن تكون موجودة ضمن معداتها.
والمشكلة التي يتخوف منها كل من يهمه أمر المركز أن هناك محاولات مستميتة من بعض مسؤولي الشؤون الصحية لخلق واقع جديد للمركز بحيث يحول من مركز لطب العيون إلى مركز لقياس النظر فقط، بهدف ربما يكون الضغط من أجل بناء مستشفى للعيون في الأرض التابعة للمركز. ولاشك أن مثل هذه الممارسات لا يجب أن تكون، إذ إن إساءة التعامل مع المركز وأمثاله ربما تدفع الخيرين إلى الابتعاد عن مثل هذه المتاعب التي توضع أمامهم.
خلال العامين الماضيين عمد الدكتور ناصر الرشيد إلى تجديد المركز مرة ثانية في ظرف عشرة أعوام، (هنا جدير بالملاحظة أنه لم يطلب أحد من الدكتور الرشيد ترميم أو تحديث جميع الأجهزة، وإنما تم ذلك بناء على مبادرة شخصية منه) لكن في هذه المرة لم يكن تجديدا فقط، بل إنه أعاد بناءه مرة أخرى بتكاليف أكبر، مع تغيير كافة الأجهزة الموجودة في المستشفى آملا أن يكون المستشفى مركزا طبيا يتعالج فيه السكان الذين أعياهم السفر والزحام. لكنها البيروقراطية أو قل هي "غيرة" بعض الجهات الحكومية من الأعمال المتميزة، فبدلا من التوجه إلى تطوير قدرات المركز ودعمه بالكوادر الطبية المتميزة، ورفد إمكانياته بحيث يتحول مع الوقت إلى مركز مستقل ومساند للمراكز الحكومية، تحاول بعض الجهات السيطرة عليه ووضعه "تحت إبطها" فإن قدم شيئا متميزا اعتبرته "ابنها"، وإن لم يحقق ذلك رمت باللائمة على غيرها.
إن من الضرورة بمكان أن يأخذ مركز مثل مركز الدكتور ناصر الرشيد لطب العيون وضعه الطبيعي في المنطقة، ليكون مثالا يحتذى للعمل الذي يتدفق إنسانية وخيرية، ولاشك أن الدكتور الرشيد لن يتوانى عن تحقيق ذلك بكل السبل، فهو صاحب الأيادي البيضاء، وصاحب المبادرات الوطنية في مختلف المناطق، وأعماله الخيرية والوطنية سواء في حائل حيث دار الأيتام التي تتجاوز تكلفتها 100 مليون ريال، أو مركز الملك فهد للأورام في الرياض الذي كلف إنشاؤه بأكثر من 520 مليون ريال شاهدان على ذلك. السؤال الأهم في هذه العجالة: مابال إدارتنا الحكومية تتعامل مع مثل هذه المبادرات بهذه الطريقة؟