"ضريبة" أسامة بن لادن!!

"ضريبة" أسامة بن لادن!!

[email protected]

"لا يمكن فرض ضرائب شرعية على أموال غير شرعية"
زعيم المافيا أل كابون

يستطيع أسامة بن لادن ـ إن كان على قيد الحياة ـ أن يبتسم قليلا، لأنه استطاع أن يعطي الغرب مبررا آخر للاقتصاص من المواطنين السعوديين، بفرض إحدى شركات الطيران البريطانية الكبرى "ضريبة سبتمبر" على تذاكرها، لتضيف أعباء أخرى على كاهل كل سائح وزائر سعودي يرغب في التوجه نحو الغرب. و"ضريبة سبتمبر" هذه، ليست سوى هم بسيط جدا من الهموم والفواجع التي نتجت عن التفجيرات التي استهدفت الولايات المتحدة الأمريكية في أيلول (سبتمبر) من عام 2001، والتي تبناها بن لادن وتنظيمه بفخر واعتزاز. وعلى الرغم من أن هذه الضريبة كانت موجودة وتفرض بطريقة غير مباشرة أو لنقل تحت مسميات رنانة ومضللة في آن معا - مثل التأمين أو ارتفاع أسعار الوقود - إلا أن إعلان شركة الطيران " بي إن آي" عنها بصورتها الحقيقية، أحدث وقعا على الكرامة أعمق من وقعه على جيوب السياح والمسافرين السعوديين الذين يصطفون أفواجا أمام مباني السفارات الغربية، للحصول على التأشيرات اللازمة.
فالمبلغ المضاف على التذكرة ليس سوى 1600 ريال سعودي، والذي يريد أن يقضي عطلته الصيفية في مدينة كالندن ـ على سبيل المثال - لن يتوقف عند هذا "الحاجز"، بل هناك العديد من الحواجز تستدعي التوقف عندها وإعادة الحسابات، لأن تأثيرها المالي بات يشكل إرباكا على الميزانية الموضوعة للإجازة أو للزيارة. القضية إذا.. مرتبطة بالشعور لدى دافع هذه الضريبة القسرية، المتمثل في أن الشكوك تحوم حوله، وأن التعاطي معه يستند على فرضية أنه قد يكون سببا في عملية إجرامية جديدة، وأنه يدفع هذه الضريبة على عمل ربما كان من أشد الناس إدانة له. هذا طبعا إلى جانب شعوره المحبط في تعامله مع الآليات "الحلزونية" التي يحصل من خلالها على تأشيرة السفر من السفارات الغريبة بشكل عام. آليات أمدها طويل، وبلا وعود بالحصول على التأشيرة. فكل شيء جائز.. والرفض وارد.
"ضريبة سبتمبر" أو "ضريبة أسامة بن لادن" ـ لا فرق هنا في التسمية ـ ذكرتني بضريبة "صلاح الدين" ـ مع الفارق الهائل في سبب الضريبتين - التي فرضتها إنجلترا على شعبها خلال الحروب الصليبية. كانت في الواقع ضريبة "المجهود الحربي"، إلا أن الحكومة الإنجليزية آنذاك أرادت شحذ الهمم من خلال التسمية، وتشجيع المواطنين على دفع هذه الضريبة مقدمين ـ بكسر الدال - لا متهربين. فكانت تعلم أن الانتقام يزداد شراسة إذا ما اصطبغ الصراع بالرموز. وإذا كانت إنجلترا نجحت في جلب الحماس لتلتهب المشاعر الوطنية من خلال "ضريبة صلاح الدين" - على الرغم من أنها كانت هي المعتدية آنذاك- فإن المسؤولين الذين فرضوا "ضريبة سبتمبر" جلبوا المرارة على أقل تقدير. فالقضية المسببة للضريبة هنا ليست وطنية، بل هي إجرامية أدانها السعوديون قبل أن تطفئ حرائق هجوم الحادي عشر من أيلول (سبتمبر). وباشروا مقاومة لم تهدأ ضد التنظيم الضال، كان آخرها اعتقال 520 مشتبها بانتمائهم إلى تنظيم القاعدة داخل أراضي المملكة، كانوا يستدعون لتنفيذ سلسلة من العمليات الإجرامية، ضد كل ما يرتبط بالحاضر والمستقبل، من بشر وثروة.
هذا عن الجانب النفسي "لضريبة سبتمبر". أما عن الجانب المالي، فقد أسهمت في تعزيز المراجعة المالية للسعوديين الراغبين في قضاء إجازاتهم الصيفية. فتردي سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الجنيه الاسترليني واليورو، أضعف ـ بديهيا ـ قيمة الريال السعودي، وكل العملات المرتبطة بالعملة الأمريكية، وزاد من تكاليف أية زيارة باتجاه الغرب. وعلى هذا الأساس يجب الانخراط في ثقافة سياحية أكثر وعيا، وأقل تكلفة، تماما كما يحدث في كل دول العالم. فعلى سبيل المثال يتدفق البريطانيون إلى أوروبا للزيارة والسياحة، بل وللتقاعد هناك، مستغلين قوة عملتهم، وتتوجه أعداد كبيرة من الأوروبيين إلى دول عربية كالمغرب وتونس ودول شرق آسيا، على المنهج نفسه. لا نعرف إلى أي مدى سيتواصل تدهور قيمة الدولار، ولا المساحة الزمنية لهذا التدهور، ولا توجد في الأفق توجهات عملية ـ حتى الآن - لدى الدول المرتبطة عملاتها بالنقد الأمريكي لحل هذه الأزمة الجاذبة للتضخم. ولذلك ينبغي التعاطي برؤية مختلفة، بل ولنقل جديدة. فالريال السعودي لن يشتري في أوروبا هذا الصيف، ما كان يشتريه الصيف الماضي فيها، ويترتب على ذلك تراجع نوعية الإجازة، بكل عناصرها من تكلفة الإقامة، إلى تكلفة الوجبة السريعة. ففي غضون عام واحد فقط تراجع سعر صرف الريال ما يقرب من 40 في المائة مقابل العملات الأجنبية, ولا سيما اليورو والجنيه الاسترليني.
لقد بدأ السعوديون ونسبة من المواطنين في دول الخليج العربية، باستعراض الوجهات الأخرى لإجازاتهم الصيفية. لكن لا توجد أرقام وإحصاءات عملية عن عددهم. فالمعروف حاليا أنه ما بين 4.5 وخمسة ملايين سعودي يقومون سنويا بقضاء إجازاتهم في الخارج، وهناك تقديرات بارتفاع عدد هؤلاء نحو 10 في المائة هذا العام. وحسب الأرقام المتداولة, فإن هؤلاء ينفقون قرابة 19 مليار دولار أمريكي، وهذه مبالغ كبيرة، لو وظفت بصورة سياحية واعية ـ إن جاز التعبير ـ لاستطاع السائحون السعوديون أن يتمتعوا بإجازات متكاملة ومكتملة، بعيدة عن المنغصات، والإرباكات، والتكاليف العالية، وأحيانا الإهانات. فهناك مناطق أخرى في هذا العالم تستحق الزيارة والسياحة، بل وتستدعي الاستكشاف، ويمكن أن تتوافر في هذه المناطق الكثير من المغريات السياحية. وهناك ينفق الريال بقيمته ليست الحقيقية بل الواقعية، دون أن تقتطع من الميزانية "ضريبة أسامة بن لادن"، ودون الوقوف في صفوف طويلة شكلا وزمنا أمام السفارات الغريبة.

الأكثر قراءة