الشيخ الشريم: الشفاعة والواسطة عند أهل العلم على وجهين شرعيين
أكد الشيخ سعود الشريم إمام وخطيب المسجد الحرام أنَّ من سوءِ استعمالات الشفاعة أو الواسطة لدى كثير من الناس أن جعلوها نوعا من الفُتُوّة ونزعِ المرادِ بِقوّة المعرفةِ أو المصحلة المتبادَلَة أو الكذِب أحيانًا، بقطع النظر عن استحقاق المشفوعِ له أو لا، أو أولويّتِه بهذه الشفاعة أو لا، وبقطعِ النظر أيضًا عن الأمر المشفوعِ فيه أهو حقٌّ للغير أو لمن هو أولى وأميز أم لا.
وقال لقد بلَغ الانحراف في هذا المفهوم مبلغا جعلَ فيه صاحبَ العدل والإنصاف والحرص على حقوقِ الآخرين وأولويّاتهم متشدِّدا نشازا، بخيلَ الجاه عاريَ النفعِ والبذل، وهذا ـ لعَمرُ الله ـ هو الفسادُ في الفهم والسوء في الظن والتفكير بعقلِ المصلحة الشخصيّة لا بمنطق العدل والإنصاف والمساواة.
وقال ولذلك لم تُترَك هذه المسألة في شريعتِنا الغراء سبهلَلا دونَما تبيين وتوضيح؛ ليكونَ الناس في ذلكم على بيّنة ووعي تام بمرادِها ومآلاتها ومقاصدها، فجعل أهلُ العلم للواسطة أو الشفاعة وجهين اثنَين:
الأول منهما: الوجه المحمود، وهو ما كان لوجه الله تعالى، وكان من باب الإرفاق، ولم يكن فيه حرمانُ من هو أولى وأحقّ من جهة الكفاءة التي تتعلّق بها القدرة على تحمّل الأعباء أو النهوض بأعمال الأمر المشفوعِ فيه على أحسنِ وجه، فهذه شفاعة محمودةٌ حضَّ عليها الشارع الحكيم كما في قوله تعالى: "مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا" [النساء:85]، وكما في قولِه صلى الله عليه وسلم: "اشفَعوا تؤجَروا"، وقوله صلى الله عليه وسلم أيضا: "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" رواه مسلم.
وأمّا الوجهُ الثاني: فهو الوجهُ المذموم، وهو ما كان فيه تعدٍّ أو حرمانٌ لمن هو أحقّ بذلك، فهي هنا محرَّمة لأنها بغيرِ حَقّ، إِضافةً إلى أن فيهَا ظُلما لأولي الأمرِ وذلك بحرمانهم مِن عملِ الأكفاء، واعتداء على المجتَمع بحرمانه ممن ينجز أعمالهم على أحسن وجه، وطمسا لمعالم التفوُّق والإنجاز، وإهدارا للمواهِبِ والقدرات التي ينشدُها كلُّ مجتمع سويّ، والله جلّ وعلا يقول: "وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا". [النساء:85]