أحسنوا توظيف الشعر
كتب القدر أن نكون مجتمعا شاعرا, في العائلة الواحدة الشعراء أكثر من عدد أفرادها! كيف؟ ببساطة أشياؤنا كلها تتكلم "شعبي" من باب البيت لأصغر ملعقة بالمطبخ, وإلا كيف أصبحت بضع وعشرون محطة فضائية تبث الشعر خمسا وعشرين ساعة في اليوم!
في السابق كنت اعتقد ان هناك مبالغة عندما يشتكي الغيورون على الفصحى من هجمة الشعر العامي,لكنني الآن أجزم ان الأمر يتعدى هدم اللغة بل يهدم معه الكثير من المدنيّة والوعي والثقافة, في وقت أمست فيه المنابر مشرّعة وعلى مصراعيها لأي مخلوق يقول عنه نفسه شاعر, تخيلوا فقط لو كان الشاعر الشعبي ينتمي لحزب أو تيار أو منهج خفي ! لن يجد صعوبة في تسويق أفكاره في ظل عدم مراقبة "الأمسيات" المنتشرة في كل حديقة ومنزل وكباريه حتى,لكن –ولله الحمد- أن الشاعر الشعبي ذو سطحية مطمئنة من هذا الجانب.
بصدق تخيفني مسألة تفشي ردّة الوعي بالشعر العامي لمراحل أدنى بكثير حتى من عصر شاعر القبيلة ,والأمر لا يتحمله الشاعر وحده, بل منظومة طويلة ليس بدءا من رجل العمال الشيخ ابن القبيلة وليس انتهاء بالقنوات التي تبث "أي شيء" مقابل "الشيء المعلوم", لستُ ضد القبيلة ولا أعتقد أنه مهما انصهر المجتمع في المدنية سيتخلى يوماً عن جذوره, لكن الآن صار مدح الشاعر لنفسه وقبيلته أمراً مبالغاً فيه حتى في عُرف القبيلة , أليس حكمة الأعراب دوماً : (مادح نفسه كاذب!), واختلط –بشكل عجيب-الفخر بالمدح!
أعلم أن هذا الكلام قد يعرّضني لسهام بياعي الكلام , ولكنه لايخيفني مثلما لا أطمح أن أكون ممدوحاً , أي لاسيف الدولة ولا كافور! (هو أحد جاب طاري المتنبي؟!)!
متى يدرك الشاعر العامي أن عليه مسؤولية ورسالة يجب أن يؤديها لمجتمعه, أو على الأقل متى تقنن هذه الهالة الإعلامية المسلطة على الشعر المحكي الغثّ الذي لم يذهب جفاء؟
لن أجيب عن تساؤلي, رغم أننا قومٌ نجيب عن الأسئلة لكننا للأسف لا نستطع إيقاظ سؤال..!