مجلس الشورى السعودي وخيارات سعر الصرف!!
طالعتنا الصحف المحلية بخبر مهم ومثير للفرح، وهو أن مجلس الشورى السعودي سيناقش بشكل جاد مجموعة من الحلول المتاحة لفك ارتباط عملتنا المحلية بالدولار، وقد أفضت مجموعة من العوامل إلى هذا القرار التاريخي، حيث إن التضخم أخذ مكانهُ في اقتصادنا المحلي، ما جعل وارداتنا من الأسواق الخارجية تتأثر بشكل كبير بانخفاض سعر صرف الدولار أمام العملات الرئيسية الأخرى كاليورو والين الياباني والجنيه الاسترليني.
جاءت هذه الطروحات بناءً على الأثر الكبير الذي أحدثه التضخم على مشاريع التنمية المختلفة في المملكة بسبب ارتفاع تكلفة الواردات. وقد انصبت هذه الطروحات على رفع سعر صرف الريال أمام الدولار، أو فك ارتباط الريال به وربطه بسلة من العملات. الخوض في هذين الخيارين يُحتم علينا النظر إلى أفضلية أي منهما بناءً على أقلهما تكلفة.
التراجع الحاد للدولار في الفترة الأخيرة أمام العملات الرئيسية أثر بشكل قوي في اقتصادات الدول المرتبطة به، وأدى بها إلى البحث عن خيارات أخرى لحماية العملة الوطنية من التدهور. إن تفضيل ربط العملة الوطنية بعملة رئيسية تعد الأسهل من الناحية العملية، فهو يقلل من تقلبات سعر الصرف ولذلك فإن استقرار سعر صرف الدولار مثلاً سيؤدي إلى استقرار العملة الوطنية أمام العملات الأخرى والنتيجة زيادة فرص الاستثمار الأجنبية. الربط يعني بذل الجهود لتوحيد سياسات الدولة الخارجية مع الشريك التجاري الرئيسي، ما ينتج عنه سهولة في التنبؤ بالإيرادات الحكومية المستقبلية، إضافةُ إلى أن الربط يساعد الدولة في حرية التدخل والتأثير في سوق الصرف الأجنبي. لا بُد من الإشارة هنا إلى أن الدول التي تستخدم الربط هي صغيرة الحجم ودرجة انفتاحها عالية على الأسواق الخارجية كما أن قاعدتها الإنتاجية محدودة وبناءً عليه فإن تآكل سعر الصرف سيضر بالدولة المرتبطة به، ولهذا فإن ربط العملة المحلية بعملة رئيسية بينما العملات الأخرى متقلبة يعني أن العملة المحلية معومة أمام العملات الأخرى وهذا له أثر سلبي في الواردات من الشركاء غير التجاريين، فإذا انخفضت قيمة الدولار أمام إحدى العملات الأخرى، فإن أسعار الواردات من الدول الأخرى ترتفع، ما سيؤثر على الأسعار المحلية وبالتالي المؤشر العام للأسعار وهذا ملحوظ في وقتنا الحاضر.
الخيارات التي تطرق لها مجلس الشورى عبر مقترحات أعضائه لا تخرج عن خيارين اثنين إعادة تقييم سعر صرف الريال أو هجر الارتباط بالدولار وربطه إما بحقوق السحب الخاصة وإما بسلة من العملات. إذا كُنا لا نرغب في فك ارتباط الريال بالدولار يقترح البعض خيار رفع سعر صرف الريال بالنسبة للدولار حتى يتسنى لنا تعويض بعض خسائرنا الناتجة عن ارتفاع تكلفة الواردات. هذا الطرح فيه بعض المنطق، كون المملكة تستورد أغلب احتياجاتها من خارج منطقة الدولار، ما يرفع من قوة الريال الشرائية ويكبح جماح الأسعار. من جهة أخرى هذا الطرح سيُمكن السلطات النقدية السعودية من إصدار ريالات أقل مقابل كل دولار من موجوداتنا من العملة الصعبة، وهذا لا شك سيُحدث إرباكا في السياسات الحكومية المالية والنقدية، إضافة إلى أن رفع سعر صرف الريال سيرفع من تكلفة صادراتنا إلى الأسواق الخارجية، وهذا غير مرغوب فيه كوننا نسعى إلى تنويع قاعدتنا الإنتاجية وزيادة مكانتنا التنافسية في الأسواق الخارجية. قد يسخر البعض من التركيز على الصادرات ويهتم بالتركيز على الواردات كون المملكة بلد مُستورد وليس مُصدرا، لكن لا ننسى تجربة اليابان عملاق صناعة اليوم، وهي تفتقر إلى أغلب الموارد الطبيعية. المشكلة أن تقلبات سعر الصرف المتكررة ستُجبرنا على إعادة تقييم سعر صرف ريالنا مرات ومرات، لذا فإن خيار ربط عملتنا الوطنية بسلة من العملات هو القرار الصائب والأمثل. فالمملكة وغيرها من البلدان الخليجية الأخرى تُصدر النفط الخام ونعرف أن سعر هذه المادة المهمة تتحدد في الأسواق الخارجية، بينما واردات البلدان الرئيسية من الدول النفطية لا تتأثر بتقلبات أسعار صرف البلدان المصدرة للنفط ومنها المملكة هذا من ناحية، أما من الناحية الأخرى فإن واردات المملكة والبلدان الخليجية تتأثر سلباً بأسعار صرف البلدان الرئيسة المستهلكة لواردات النفط. أيضا ستتأثر سلبا الضغوط المضاربية على الريال بسبب تقلص المخاطرة كون الريال مرتبط بسلة من العملات. مما سبق الحديث عنه يمكننا الوصول إلى النقاط الجوهرية الآتية:
1 - التوصيات التي تمت في مجلس الشورى والتي تطالب بضرورة إعادة النظر في ارتباط الريال بالدولار هي محل الإشادة والتقدير والتشجيع، كونه مشروعا وطنياً بما يحمله من مضامين سياسية واقتصادية واجتماعية فهو قرار وطني بالدرجة الأولى، لكن يجب ألا يغيب عن بالنا السباقون إلى طرح هذا الموضوع المهم على الملأ من أبناء هذا الوطن سواءً من المتخصصين أو الباحثين أو المهتمين الذين طالبوا الجهات المسؤولة من أكثر من عام بدراسة جادة للنظر في فك هذا الارتباط، مؤكدين أن جزءا كبيرا من التضخم الذي تعانيه المملكة تقريبا في كل شيء سببه هذا الزواج غير المتكافئ بين الريال والدولار، وأن تتضمن التوصية الإشارة والإشادة بإثارته والتأكيد على أهميته من منطلقات وطنية عليا وبما يخدم التوجه الخليجي للوصول إلى الاتحاد الخليجي بما يشمله من توحيد للسياسات المالية والنقدية لهذه البلدان. وأقترح أن يُطلق على هذا الجهد ــ المملكة وخيارات سعر الصرف.
2 - دعوة المتخصصين والمهتمين بهذا الموضوع ليدلوا بآرائهم ومقترحاتهم إلى جانب زملائهم أعضاء مجلس الشورى، بما يرونه مناسباً وبما يخدم مصالح المملكة العليا قبل رفع التوصيات إلى المقام السامي. لا شك أن المشاركة ستُثري الحوار والنقاش وتفتح الكثير من الآفاق بما تحتويه من معلومات وبحوث ودراسات بكل شفافية وموضوعية، كما أن هذه المشاركات ستكون سنداً قوياً لهذه التوصيات المزمع رفعها للمقام السامي بما تحمله من روح الجماعية والوطنية، وبما يخدم الوطن والمواطن.
3 - خيار الربط الأمثل للريال يتمثل في الربط بسلة من العملات باستخدام مؤشر الواردات الموزون، وقبل الأخذ بأي من الخيارات لا بُد لنا من دراسة هذه الخيارات من كافة جوانبها الاقتصادية والسياسية وآثارها الاجتماعية المُحتملة حتى نستطيع أن نُقلل من الآثار السلبية على الأسعار المحلية ونضمن الاستقرار لعملتنا الوطنية بما يحقق تطلعات ولاة الأمر وأبناء هذا الوطن الكريم.