الكايد: لا أخجل من قصيدتي عندما أختلي بها!
هو شاعر يخاف كثيرا من الشعر، رغم المحبة الكبيرة التي يكنها له الشعر، وهو ما يتجلي لنا في كل لحظة قراءة لقصيدته، عبد الله الكايد اسم حضر في عالم الشعر المحكي خلال السنوات الأخيرة، ليخبرنا ألا حقيقة مجردة في هذا العالم، ولا ثابت في عالم الشعر إلا الشاعر عندما يكون علامة فارقة في ما يقدم من أرواح إلى محبيه.
عبد الله اعترف لنا أنه "شايل" على الصحافة السعودية "شوي"، وذلك لأنها تطالب بالشعراء السعوديين ولا تريد لهم الخروج عن حدودها، فيما هي لا تقدم لهم ما يمكن أن يقدمه لهم الآخرون، ورغم كوننا "صحافة سعودية" إلا أننا لا نملك إلا أن نعترف بأننا لا نسوق للشعر بالطريقة التي يسوق بها الآخرين، ونعترف بتقصيرنا غير "المتعمد" مع عبد الله وأشباهه الكثيرون من الشعراء المبدعين في بلادنا.
عبد الله فاجأنا كما سيفاجئ غيرنا أن الشعراء الشباب الآن يختلفون عن سابقيهم بكم الثقافة الهائل الذي يوثق مسيرتهم التراكمية، فهم ليسوا كسابقيهم يكتبون أكثر مما يقرأون! أجوبة الكايد هنا توضح جليا أن القراءة لدى هذا الجيل أهم من الكتابة بكثير، وهذا يعطي أملا كبيرا فيهم وبالشعر الذي سيقدمونه للثقافة الكلية التي سننتجها للعالم.
عبد الله.. إلى متى وأنت تخاف من الشعر؟ وهل تحقق لك ما أردت من هذه الهيبة التي ألبستها إياه.. وخلعها غيرك؟
الخوف نعمة من الله, وكذلك هو نقمة أيضاً, نعمة عندما يمنعني من أن ألحق بنفسي ما يضرّها أو ما يضرّ غيري, ويكون نقمة عندما يمنعني من أخذ حقي من "الدنيا" التي أعيش فيها, نسميه أحياناً خجل, وأنا أتعامل مع الشعر على هذا الأساس فأنا لا أخجل من قصيدتي عندما أختلي بها, أفعل بها ما أريد, وتفعل هي ما تريد أيضاً "كلانا يأخذ حقّه من الآخر", ولكن وقبل أن أنتهي منها وبعد انتباهي لقرب انتهاء موعدنا الطويـل, هنا يكون الخوف, وأبدأ بمحاسبة نفسي "هل أرضيتها"؟ هل كنت "أنا" بكل ما تحمله الـ "أنا" معها؟ وهل كنت صادقاً؟ وهكذا يا صديقي, من لم يصدق مع قصيدته, لا ينتظر منها أن تكون صادقة معه, وفي النهاية نادراً ما أكتب وإذا كتبت نادراً ما أثق في ما أكتبه وإذا وثقت فيما كتبت "خفت", ظلمات بعضها فوق بعض.
لماذا لا تتقدم للمشاركة في شاعر المليون "جيزك جيز غيرك"؟
ليس من السهل أن يقرر الشاعر مشاركته من عدمها في برنامج كبرنامج شاعر المليون, أنت تعلم وبحكم أنك إعلامي وشاعر حجم البرنامج وحجم المتابعين له من كل الوطن العربي المهتمين بالشعر وغير المهتمين أصبحوا يهتمون به, وكالات أنباء عالمية وقنوات كالبي بي سي والسي إن إن, أصبحت تتحدث عن برنامج شاعر المليون, الأمر يحتاج إلى استعداد نفسي وذهني وأكبر من ذلك "الشعر"، لا بد أن يمتلك الشاعر ما يشفع له بالوقوف أمام هذه الجماهير حتى يقرر، وأتمنّى التوفيق لجميع من شارك في البرنامج.
رفضت أكثر من أمسية لم لا توافق على الأمسيات "جيزك جيز غيرك"؟
لغيري الحرية المطلقة فيما يراه مناسباً له, أعتقد أنني عندما أتيت إلى الساحة رأيت الإعلام يكرّس "الكثير من الوجوه" التي لم ترق لي خصوصاً على منابر الأمسيات فأصبحت أشمئز من تلك الوجوه، خصوصاُ أولئك الذي يتعاملون بمقولة "أكلت الجو" بعد كل أمسية , وأصبح الناس يرددون فلان أكل الجو بالكذب والهياط, وبـ "قلّة أدب" مع الأدب، ومن الإعلام الذي يقف خلفها أو أمامها, وبدأت أسأل نفسي عندما تأتيني دعوة "هل سأكون مثلهم على المنبر"، وهل سأظهر بهذا الشكل غير اللائق؟ أعتقد أن هذا هو السبب.
أنت من قبيلة عريقة.. لم لا نشاهد لك قصائد فخر "جيزك جيز غيرك"؟
لا ألوم من يمدح قبيلته ولكل شاعر أسبابه, ولكن ما يضايقني هو كمية "الكيف" داخل النص, أغلب قصائدهم متشابهة رغم أنهم ينحدرون من قبائل مختلفة, إذاً لم يأتوا بإضافة لقبيلتهم ولا لشعر الفخر, في الأعوام الثلاثة الأخيرة لم أقرأ قصيدة فخر تستحق أن تسمّى قصيدة إلا قصيدة الشاعر عيضة السفياني "ثقيف نصف دهاة العرب"، أتمنّى ممن يحبون كتابة قصائد الفخر قراءة هذه القصيدة ليفهموا معنى الفخر والتجديد.
ما الشخصية التي تعتقد أن لها تأثيرا في شاعريتك؟
شخصيات كثيرة, من الطفولة ونحن "نغنّي" قصائد بديوي الوقداني وبركات الشريف نحفظها, ولا يوجد من يجبرنا على حفظها, نتقبل الأشياء الجميلة بعفويتها المؤثرة في نفوسنا ذلك الوقت وحتى هذا الوقت, إلى قصائد بندر بن سرور "المختلفة" كلياً في فكرها عمن سبقوه, ومن ثم الشاعر عبد الله بن عون، وأعتقد أنني عرفت الشعر وعرفت الانتقاء بعد الاستماع إلى هذا الشاعر وقراءته وحفظت الكثير من قصائده وتعلمت منه بطريقة غير مباشرة أن الجميل لا يمكن أن يكون "منسوخاً", وهناك العملاق (شعراً) الحميدي الثقفي, الذي تعلمت منه أكثر مما تعلمت من قبله وما زلت أتعلم منه وأتشرّف بذلك.
المفردة حديثة لدى عبد الله، الصور مبتكرة.. رغم ذلك نلحظ نهجا ينحو إلى التقليدية.. أليس في ذلك تناقض؟
أشكرك على هذا السؤال, قلت في أكثر من مكان أن الشاعر لابد أن يصدق مع نفسه داخل قصيدته، ولا ينظر إلى شرهة الناس "لصدقه" داخل النص, الشاعر الذي لا يصدق مع بيئته وثقافته هو شاعر "غير متربّي" شعرياً أو لم يكن صادقاً مع بيئته, لذلك تجد بعض الشعراء عندما تقرأ لهم لا تجد لديهم غير "الكلام الفارغ" من مسبباته, ربما تعجب باللغة للوهلة الأولى لفهلوة الشاعر وذكائه, ولكنك تكتشف فيما بعد أنه شاعر فارغ لا يحمل أي سبب حتى هم كتابة النص لا يحمله, وبالنسبة للتناقض بين حداثة الصورة والمفردة وتقليدية النهج الحياة مليئة بالتناقضات يا صديقي، وهناك من يقول إن الحياة هي التناقضات, والجميل أن يجمع الله لك النقيضين في "قلب" واحد!
بيئتك الحجازية النجدية.. ما تأثيرها على نتاج عبد الله؟
البيئة هي المربية الأولى للشاعر! هي الأم التي يخفض لها جناح الشعر, ويعجبني الشاعر الذي يخلص لبيئته المؤثرة في نهجه، ولا يتخذ من الشام نهجاً وهو لا يمتلك جواز سفر, البعض يتحدث عن البيادر والمناجل والمعاطف وهو لا يعرفها إلا في الروايات. أنا معك في أن الروايات مؤثرة, ولكن تؤثر مثلاً في مفردتي ولا تؤثر في بيئتي القراءة عموماً توسع مدارك القارئ ولكن أين القارئ الذكي الذي يستطيع أن يستمتع بقراءة رواية أو قصة أو مقالة دون أن تجعله يُبدي في كتابته ما يجعل البيئة تلعنه, أنظر إلى روائي من أعظم الروائيين العرب هو إبراهيم الكوني, أين عاش آخر عشر سنوات من عمره أو أكثر, عاش في المنفى في سويسرا ولكنه عندما يكتب يعود إلى جذوره ويخلص, يخلص لأمه "البيئة" التي نشأ فيها وتربّي بها, ولكن برؤية خارقة ووعي مختلف عمن "يصنعون" النصوص، أو بالأصح يكذبون على أنفسهم , كذلك "أحلام مستغانمي" مرضعة الشعراء، من فرنسا تكتب عن قناطر قسنطينة وقضيتها, ومتى نخلص نحن لبيئتنا, جميل أن نكون مخلصين لبيئتنا مع تطوير أدواتنا التي تخدم بيئتنا داخل نصوصنا بها, وهذا الأهم, لا نريد أن نعيش بعقول غيرنا حياتنا الأدبية يا صديقي خصوصاً في "أرواح النصوص"، لأن غيرنا مخلص لحياته.
جيتها, يــ "عيال" وأعطتني "سما"
واستدارت "بي"، وسوّت "لي" حفل
قالت: أنت تحس؟ قلت: وكلـما
طحت بأحضانك أحس انّي طفل!
ولأن هذه الرومانسية شجاعة جدا في بيئة مغلقة، هذا يشجعنا على طرح السؤال التالي على البدوي عبد الله الكايد "تحب فتتزوج.. أم تتزوج فتحب"؟
الحب, الشعر, الأغاني, الأحلام, أشياء روحانية لم نتمكّن من ماهيتها حتى نحاصرها داخل أرواحنا، إما أن تكون بهذا الشكل أو بذاك, تتحكم بنا ونظن آثمين أننا نتحكّم بها, ولا تصدق من يقول أنه لن يحب إلا من سيرتبط بها, أو العكس، الحب يا صديقي قدر والأقدار في علم الغيب، أتعجب من أولئك البشر الذين يحددون حبهم, وأتعجب ممن يستطيعون تقييد مشاعرهم خصوصاً في الحب, الحب "قَدَر" يا صديقي!
من من شعراء جيلك تعتقد أنه يشبهك.. وهل أنت مع كثرة الشعراء أم قلتهم؟
نتشابه فقط في شيء واحد وهو أننا لا نريد أن نتشابه, بالنسبة لكثرة الشعراء, ما يهمني هو "نوعية" الشعر وليس كثرته.
قريبا من الشعر.. بعيدا عن القصيدة، هل لك محاولات "تطوعية" لبث الوعي في عالم "الشعر والشعراء" المليء بالسلبيات؟
العالم كلّه مليء بالسلبيات والإيجابيات أيضاً، وليس عالم الشعر والشعراء, لأنهم جزء من العالم، لا يستطيع الشاعر إصلاح شيء - أي شيء- لا يستطيع إصلاحه بالشعر, ربما يخدم الشاعر نفسه بواسطة قصيدة مادية, هذا ممكن, أمّا من يصلح سلبيات عالم, هذه بحاجة إلى عالم, ومؤمن بأن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم.
أنت شاعر عظيم لا يختلف على ذلك اثنان.. لكنك محبط كثيرا من البيئة الأدبية حولك.. لم؟
يا أخي أتمنّى من الله أن أكون كما أحلم, نحن نجتهد ونتعب على بناء النص أكثر من بناء العلاقات مع من نظن أنهم يهتمون بنصوصنا, بالنسبة لي يكفيني رسالة من خارج البلاد تخبرني أن مرسلها أعجبه شيء لي, هذه الرسالة بالنسبة لي أعظم من أن يكرّسني صديق, أنت تعلم أن لي أصدقاء لهم مكانتهم في الساحة ولهم منابرهم المحترمة ولكن لم ترني في صفحاتهم كما ترى غيري, والسبب أنني لا أريد أن أضع نفسي في محل شبهة "التطبيل"، رغم أنه لم يجمعني بهم إلا الشعر وبعد الشعر بدأت الصداقة. أتحسس من هذه الأشياء كثيراً, لأنني لا أريد منهم أن يظلموا الغير وإن كانوا لا يظلمون ولكن هو شعور, لأنني كنت أرى ذلك بعيني, حتى أن أحد الصحافيين قال لي في بداية مشواري وإن كنت لم أزل في بداية المشوار. يا عبد الله إن لم يكن لك صديق في الساحة ستتعب كثيراً, والمشكلة فينا نحن كصحافة سعودية, نرفض أن يتجه الشاعر إلى أي منبر خارجي ومع ذلك لا نقدم له ربع ما تقدمه المنابر الخليجية, لماذا؟!
هل بالضرورة أن يكون الشاعر العظيم إنسانا عظيما أيضا؟
صدقني لن يكون هناك شاعر "عظيم" إلا وهو إنسان أعظم، ومحروم من تعامل الناس "الإنساني" معه، حتى وإن كان إنسانا عاديا، أرى أنه يجب علي قول الحق في شاعريته حتى وإن لم يكن به إنسانية أصلاً.