"وزير" شوارع الرياض .. صاحب المعالي الذي لا يشيخ

"وزير" شوارع الرياض .. صاحب المعالي الذي لا يشيخ

في الوقت الذي لا يبدو فيه شارع الملك فيصل الشهير بـ "شارع الوزير" مختلفا كثيرا عن عشرات شوارع العاصمة، لا يمكن كذلك أن تتجاهل الشعور الذي يملؤك على نحو مقنع أن هذا الشارع يختلف عن غيره كونه ينطوي على حكايات تاريخية منحته بعدا اقتصاديا واجتماعيا مهما في مرحلة مبكرة من التقدم.
هذا الشعور يأخذ في التشكل في وعيك تضامنا مع استعادتك ذاكرتك الطفولية حينما كنت تأتي لهذا المكان فلا تكاد تتخيل حينها ما هو أفخم منه، تمر السنوات فتعود إليه لتجده كما هو في ذاكرتك يكتظ بفخامة كامنة مهيبة تجعله يضاهي الشوارع الأصغر سناً منه رغم تفوقها عليه من حيث الإمكانات الحديثة، إلا أنه ما زال في عز شبابه يذكرك بالذهب الذي يزداد بريقا كلما كان عتيقا وعريقا.

ستشعر باختلاف ما وأنت هنا حيث الاسم ذو النبرة الرسمية صاحبة المعالي، لن تكتفي فقط بمعرفة أن الرياض كانت تتمشى هنا مزهوة وهي تعلم أن هذا الشارع هو مركز تسوقها الرئيس وسفيرها المعتمد لدى المستقبل التجاري، يعود بك المشهد الذهني إلى ما قبل عقود حيث سيارات الرولزرويس القديمة تملأ جنبات الشارع/السوق، بينما الرياض وحدها تدرك أن أولوياتها لن تقف عند ذلك الحد فقط، فقد كان طريقها نحو النهضة ينطلق كل مرة من هنا، حتى قبل أن يقف برج المياه الأنيق على ضفة شارع الوزير ليمثل أجمل إطلالة على العاصمة، كان يبدو أن هذا المكان يسبق الزمن ويعتبر أن كل شيء جميل قبل وقته "أحلى".

زمنان يعيشان معاً
جميلة هي نوعية البعد الحضاري الذي يختزله هذا الشارع الوزير، تنظر إلى بناء سكني لا يختلف كثيرا عن بقية بنايات الرياض ولا يبدو قديما جدا، لتكتشف فيما بعد أنك أمام عمارة الأمير عبد الله بن سعود التي كانت في وقت من الأوقات أعلى مبنى في الرياض بأكملها وتحديدا كان ذلك عام 1383هـ، طبعا دون أن نغفل أن تشييده كان يدوياً من ألفه إلى يائه، وأنه رغم كل ذلك الوقت ما زال شامخا بجانب عمارة العزيزية الشهيرة التي تزيد طولا عنه رغم كونها تصغره بسنوات قليلة فقط، فقد جاءت بعده لكنه احتفظ بالأسبقية التاريخية التي لا يعرفها الكثيرون ولا يبدون مهتمين كثيرا أن يخبروا أحداً بها.
لافتٌ كذلك هو العمق التاريخي المتجذر هنا، المكتبة العامة العريقة التي تعد المركز الثقافي الأول في العاصمة، مسجد أم القبيس، المحكمة، الشارع الذي يضم قصر الملك فيصل الذي لم ينس مشهد مرور موكبه حين كان الناس يوقتون ساعاتهم عليه نظرا لانضباط مواعيده كما عرف عنه - رحمه الله - المباني الطينية التي تقف كما هي منذ عشرات السنين، بأبوابها المهيبة وأطراف جدارنها المزخرفة، بعد أكثر من خمسة عقود على وجوده الشرياني في قلب الرياض، ما زال شارع الوزير ينبض بحياة جديدة متجددة، ما زال يصبح ويمسي على زمنين في وقت واحد، يضع كرسيه على أحد أرصفته حينا، يشتري من أحد محلاته المترسخة في وعي المكان منذ أمد بعيد، لا أحد يستطيع أن يرفع السعر عليه فهو القيمة التي امتدت مبكرا كرداء أنيق في جسد الرياض التي كانت طفلة لا تكتفي أن تتمشى فيه فقط، الشارع الوزير كان يوقفها من وقت لآخر ليمنحها شيئا من سمات حضارتها القادمة، ليهبها بعض ما لدى الآخرين ويقول لها "كوني عاصمة كما يليق بك"!

من هو الوزير؟
يؤكد شهود عيان من الماضي أن المقصود بتسمية الشارع هو الوزير عبد الله السليمان الذي تولى أهم الشؤون الوزارية في عهد المؤسس الملك عبد العزيز - رحمهما الله - وكما يروي لنا العم عبد الله (أحد القاطنين في شارع الوزير) فقد كان الوزير الوحيد حينها، ويقال إنه من أسس الشارع حيث إنه يمتلك كثيرا من المحلات والأراضي المحيطة به.

من الإسطبل .. إلى قصب السبق
الملامح لم تكن واضحة جدا في البداية، غير أن الموقع المركزي بالقرب من بوابة الثميري يجعله مشروعا ناجحا لأي انطلاقة تشهدها المدينة التي تتلمس طريقها الحضاري، المصادفة أن الشارع الوليد جمع الميدان وفرس الرهان وقصب السبق وربما استوحى ذلك من نوعية انطلاقته في رحلة البناء.
يضيف العم عبد الله الذي عاش في شارع الوزير لأكثر من 50 عاما "كان أغلب هذا المكان يمثل إسطبلا للخيول، وفيما بعد قام شارع الوزير وتوسع حتى أصبح السوق الأشهر في ذلك الوقت، تماما كما هو الحال في المراكز التجارية المهمة كالفيصلية والمملكة حاليا، كان الشارع الرئيس في الرياض كما هو طريق الملك فهد حالياً، ومبنى البلدية الموجود فيه شهد أول خطاب للملك فيصل حين تولى الحكم، وما زال المبنى كما هو يحتفظ بصورته ذاتها منذ ذلك الوقت، ويقع على مقربة منه أول مركز للشرطة في ذلك الوقت وقد كانت تسمى حينها (النجدة)، كما كانت المكتبة العامة معلما مهما منذ افتتاحها في السبعينيات الهجرية، كذلك شهد الشارع بدايات الصحافة المؤسسية حيث اتخذت صحف "عكاظ" و"اليوم" و"المدينة" من عمارة الأمير عبد الله بن سعود مقرا لمكاتبها في الرياض".
يذكر أن شارع الملك فيصل المعروف بشارع الوزير يبتدئ من شارع الأعشى مرورا بالمعذر ويمتد حاليا إلى شمال الرياض ويصل إلى أسواق العويس وما بعدها.

الريادة التجارية والمنافسة
يشتهر الشارع الآن بمحلاته ذات الطابع النخبوي حيث تقدم أحدث العلامات التجارية العالمية، ولاسيما على مستوى الملابس، وقد حافظت الشخصية التجارية على وجودها الأساسي في الشارع إلى جانب الشخصية التاريخية، وقد أكد عدد من أصحاب المحال أن مراكز التسوق الحديثة لم تسرق جمهور شارع الوزير على الرغم من إمكاناتها المتطورة، وأشاروا إلى أن الشارع الذي يمثل أول مركز تجاري فعلي في الرياض مازال يراهن على جمهوره الذي تعود عليه، ما يجعله ينافس بقوة على المستوى التجاري، كما أن الأيام المقبلة قد تشهد افتتاح محلات ومراكز جديدة فيه.

الأكثر قراءة