شارع البطحاء.. مجرى السيول الذي أصبح شريان العاصمة
منذ أن تطأ قدماك شارع البطحاء وأنت تشعر بأنك في مكان مختلف كثيرا عن بقية شوارع مدينة الرياض، شارع يحمل الكثير من الذكريات الاقتصادية فهو مقر الكثير من الشركات والوكالات التجارية والمؤسسات. شارع تختلط فيه أقدام البشر بإطارات السيارات حركة نشطة منذ ساعات الصباح الأولى فلا مكان للكسل والراحة تشعر وأنت تتجول بين تلك المحال التجارية بأنك في عامل آخرعالم يقدر الساعات بل الدقائق. قصدنا الشارع منذ ساعات الصباح الأولى لنشهد الحركة التجارية منذ انطلاقتها. فاتجهنا للالتقاء ببعض العاملين في المحال التجارية لنعرف و نقف على انطباعهم وعلاقتهم بهذا الشارع الحيوي فلم تكن المحال التجارية في تلك الساعة المبكرة قد بدأت نشاطها سوى عدد قليل لا يتجاوز أصابع اليد فكانت فرصة لالتقاط الصور ورصد الحركة. لفتت انتباهنا أصحاب الحافلات (خط البلدة) وهم يرفعون أصواتهم ويعرفون وجهاتهم فبحثنا عن البعض منهم ممن يبدو على ملامحهم الكبر وطول التجربة لنبدأ حديثنا معهم ونعرف منهم أكثر عن هذا الشارع إلا ان محاولاتنا باءت بالفشل عندما يكتشفون أننا لا نبحث عن وسيلة للمواصلات فلا أحد منهم يملك الوقت للحديث والرد على التساؤلات فهم مشغولون بالبحث عن الركاب والتسويق لوجهتهم.
تابعنا المسير وقادتنا الخطى إلى مجمع الخياطين الذي كان شبه مستعد للحديث إلا انه فوجئ بحضورنا في هذا الوقت إذ أنهم اعتادوا على الصحافيين في رمضان والمناسبات فأخذ أحدهم يتحدث عن الفرق بين الماضي والحاضر وعندا سألناه عن المتغيرات في هذا الشارع لم تسعفه خبرته في الحديث وطلب منا الانتظار حتى يأتي الخياط وليد الذي أمضى أكثر من 35 عاما في البطحاء في هذه المهنة وفي هذا المكان.
مجرى السيول
تحدث الخياط وليد عن المناطق القديمة القريبة من تلك المنطقة التي تقع في منتصف الشارع وما زال يتذكرها ويتحسر عليها وأشار إلى مجرى السيول الذي كان يتوسط شارع البطحاء ويمتد من بداية الشارع من جهة الشمال وصولا إلى حراج بن قاسم فحولت الجهات المختصة ذلك المجرى المائي إلى مكان للصرف الصحي وأقيمت بدلا منه الكباري التي سهلت حركة المرور وانسيابيتها وذلك بعدما ازداد الزحام، ويواصل حديث قائلا: ما زالت هناك الكثير من الذكريات عالقة في ذهنه حيث كان مكانا للترفيه والاستمتاع بالمياه والسباحة. ويضيف وليد أن هذا الشارع رغم التقدم والتطور الذي تشهده المملكة وكثرة المراكز وانتشارها إلا انه محافظ على مكانته وأهميته.
السوق الشعبي
بين العديد من المحال والأكشاك الصغيرة توقفنا عند أحد أصحاب محال الكاميرات علي ممتاز الذي يعد من أوائل أصحاب المحال المتخصصة في التصوير الذي أمضى أكثر من 30 عاما في المحل نفسه فلم يتغير منذ أن استأجره من المزاد مباشرة في عام 1976م تقريبا وبمبلغ 4500 ريال. وجلسنا معه وحدثنا بلغة عربية سليمة عن تاريخ هذه المنطقة حيث قال: تعد هذه العمارة التي نجلس في أحد محالها أول مركز تجاري في الرياض حسب قوله فكانت تزخر بالمتسوقين والمرتادين خاصة أن البطحاء تعد سوقا شعبية من حيث الأسعار وتنوع البضاعة مقارنة بشارع الوزير الذي كان للنخبة.
بضائع مختلفة
ويواصل ممتاز قوله هذا المركز يعد الشريان الرئيس للتجارة في الرياض فجميع العلامات التجارية والشركات الكبرى موجودة في هذا المكان فما لا تجده في مكان آخر قد تجده هنا وبكل سهولة وعن الأسعار قال هنا تجد البضاعة الرخيصة التي لا تتجاوز الريالات المعدودة وتجد العلامات التجارية التي قد تتجاوز مئات الآلاف، فكل زوار الرياض لا بد أن يحضروا ويزوروا هذا المكان حيث إن أهمية وسط المدينة معروفة عالميا. ويستطرد قائلا: مازالت البطحاء مصدرا للكثير من المحال التجارية المنتشرة في المملكة حيث توجد مراكز للبيع بالجملة.
تنوع بشري
وأنت تسير بين المحال التجارية لا تكاد تفكر في منتج إلا وتجد مجموعة من المحال التجارية تقدم أصنافا مختلفة لذلك المنتج بدءا من الملابس إلى أدوات البناء مرورا بالأجهزة الكهربائية والإلكترونية.
الجنسيات التي تخوض عباب شارع البطحاء أيضا لا يمكن حصرها، قلما تجد جنسية غير موجودة في هذا الشارع، من آسيا تجد السوري، الأردني، الفلسطيني، اللبناني، التركي، الهندي، البنجلادشي، الباكستاني، النيبالي، الإندونيسي، الفلبيني، التايلندي، ومن إفريقيا أيضا تجد المصري، المغربي، التونسي، الجزائري، السوداني، الصومالي، الإريتيري، الإثيوبي، كثيرة هي الجنسيات التي صادفناها أثناء جولتنا في شارع البطحاء، وقد نحتاج إلى أيام لنحصر عدد الجنسيات الموجودة فعلا في هذا الشارع.
خط البلدة
تلك هي وسيلة المواصلات الأشهر في هذا المكان للوافدين بشكل خاص، حافلات بألوان واحدة يتسلم قيادتها سعوديون من مختلف الأعمار يسيرون في نظام محدد ملتزمين بالطابور والوقوف خلف بعضهم البعض انتظارا للقادمين الراغبين في الانتقال من البطحاء إلى أماكن أخرى من الرياض المترامية الأطراف.