المعارض وطرح الكتب لمعالجة القضايا الإنسانية
ما الجديد في معرض فرانكفورت للكتاب؟ من الطبيعي أن آلاف الكتب الجديدة سيتم عرضها في الخريف الحالي مرة أخرى. ولكن الكتب الموضوعية التي تطرح قضايا جديدة حساسة من حيث إنها تعالج قضايا قديمة في ضوء أوضاع علمية جديدة وبشكل عاجل، تلقى اهتماماً خاصاً وبحثاً مكثفاً. إنها الكتب التي تجعل القارئ يتعثر حول بعض المصطلحات، وذلك لأن مداها الواسع يدعو إلى التساؤل حولها.
وهذا الجدل لا يبعد أثره كثيراً عما نفكر فيه لغاية الآن، والحل الذي كنا نحسب أنه وصف صائب لمشكلة ما، ليس في متناول اليد. والكتب الجديدة هي التي تحاول توضيح العديد من الأمور. وما الإيضاح منذ زمن سقراط سوى كلمة أخرى مرادفه للوصول إلى المعلومة الدقيقة لأكبر عدد من الناس. فهل هناك أي لغز حول الكتب الموضوعية الأكثر إثارة منذ زمن طويل بالمعنى الواسع للبيولوجيا، وهل تلك الكتب مسؤولة ضمن اختصاصاتها في نقل المعلومة وتوسيع فهمها؟
ومنذ فترة طويلة تطورت البيولوجيا (علم الأحياء) كعلم يحتذى به، وتتم بصورة مستمرة دراسة علاقة العلوم الأخرى به. وهناك حقيقة علمية مفادها أن العمليات الحياتية تركز على المستوى الجزيئي في الجسم، مما يجعل علم البيولوجيا نطاقاً علمياً بالغ الدقة، إضافة إلى علاقته بالأمور الاجتماعية والفلسفية، فمن الفيلسوف الذي لا يزال يريد البحث المتعلق بالعقل لا يمكنه إلا أن يأخذ في الحسبان التطور الحيوي والعصبي، ومسألة النشوء والتطور؟ وهل هناك أي عالم نفساني لا يزال يثق بقضايا الروح بدون استعمال أساليب علمية طبيعية من حيث المبدأ أيضاً؟
إن سوق الكتاب الموضوعي تبرهن على شهادة بليغة في مسألة الطرح الإبداعي للقضايا العلمية، حيث تجبر البيولوجيا العلوم الإنسانية على أن تتجادل وتتحاور معها، وأن تضع نفسها في علاقة تفاعل تسعى لفهم طبيعة الأشياء. وفي هذا يتضح أن العلوم الإنسانية في هذه المهمة تعمل في حدود طاقتها، عندما تتحرك بوسائلها الخاصة بها فقط. والواقع أن الإنسانيات مرتبطة تماماً بالبحث العلمي. وطبقاً له ينبغي للبيولوجيا من البداية أن تكوّن الإطار التصوري للعلوم الاجتماعية والإنسانية كافة.
وتطور هذا التوجه منذ انتشار ودخول البيولوجيا الاجتماعية، حيث هناك اتفاق على أن هذا التوجه يقود مباشرة إلى ما يمكن تسميته بطغيان علم الأحياء، على بقية العلوم وعلاقته البارزة خاصة بالعلوم الإنسانية. وهنالك مجالات ذات قوة تأثيرية في الفترة الأخيرة لقبول زيادة دخول العلوم الطبيعية في المجالات الخاصة بالدراسات الإنسانية من ناحية فلسفة الكتب الملائمة الموضوعة من قبل يورغن هابر ماس (بين المذهب الطبيعي والديانة)، إضافة إلى روبرت شبيمان (أهداف طبيعية، إعادة النظر من جديد حول سؤال: "لماذا").وكلا المؤلفين وضعا جزئياً وباستنتاجات مختلفة تماماً نتيجة البحث والاستقصاء بأن الإنسان نفسه أصبح متحولاً، ويدرك ويعي نفسه في الحياة اليومية أحياناً في زوايا مختبر تجريبي. والأكثر إيحاء هنا هو الاستفسار عن تعليلات علمية لمثل هذه الحدود والمعطيات.
وفي كتب مثل هذه يجمل المرء الحوار الأساسي للموضوع بالكثير من التساؤلات. إنها كتب تفتح آفاقاً جديدة لفهم النفس البشرية. وهناك محاولات جادة لزيادة عدد كتب التوضيح والكشف التي تجعل من نفسها محاولات لتخفيف عدم الأمان الذي يشعر به القارئ حين تختلط عليه الأمور بين جوانبها العلمية والإنسانية. ويجب على المرء أن يفكر ملياً بالموضوع وترجمته في عالم القراءة الذي يسعى إلى الفهم السريع. وفي الوقت ذاته يصارع القراء سوق الكتاب المزدهرة الخاصة بالمتفوقين والأشخاص الغامضين.
وبطبيعة الحال فإن تحديات البيولوجيا لا تظهر بشكل مستقل عن عالم الثقافة، حيث تتداخل معه في معظمها بشكل أفقي يجعل المرء يلاحظ تركيزاً على سير النقاش الذي يقوده الدلاي لاما منذ سنوات في علوم الإدراك. وتتداخل هنا قضايا العلم مع المعتقدات، وبالذات في محاولة تبسيط فهم التطورات الهائلة في مجال الجينات، ومحاولة تخفيف التضارب مع المعتقدات، فعلى سبيل المثال تظهر تقاليد بوذية بحيادية علمية لمصطلح الأنا الذاتية، بحيث يتم التركيز على تقليل التناقض مع نظيرتها الغربية.