ملاعب المدارس..أشواك وأتربة وساحات مهدرة..المواهب تبور!
تعاني الرياضة السعودية شح المواهب، وندرة النجوم القادرين على التشريف في محافل عالمية يرفع فيها شعار الوطن عاليا، ولعل إخفاق ألعابنا الرياضية أخيرا في أولمبياد بكين كان نتاج ضعف في التأهيل، وعدم القدرة على صناعة النجوم والمواهب الرياضية بإجماع من مختلف الأوساط الرياضية قاطبة.
"الاقتصادية" استشعارا منها بأهمية تنمية المواهب الرياضية ورعايتها منذ ولادتها، وعلى من تقع المسؤولية؟ فإنها تطرح القضية الأكثر سخونة في الوسط الرياضي، بالتغلغل في أسباب ضعف المشاركات السعودية عالميا، وكيف نكون قادرين على المنافسة في الأولمبياد المقبل والمسابقات الكروية العالمية التي لم يتبق لها الكثير.
ولعلنا نستهل حلقتنا الأولى باللبنة الأساسية لتفريخ النجوم" المدارس"، وكيف أصبح دورها هامشيا لا يقدم ما يذكر لدعم الاتحادات الرياضية السعودية، رغم أن مئات الآلاف من المبدعين بين جنباتها، عجزوا عن الوصول للنجومية، رغم موهبتهم وصغر سنهم.
كد خالد الضاحي مدير مدرسة ثانوية شرقي الرياض، أن كثيرا من الملاعب المدرسية ترابية أو مصبوبة بالأسمنت، وكلتا الحالتين تتسببان في خطورة كبيرة على أبنائنا الطلاب، وبدون شك هناك عوائق كبيرة نعانيها حالت دون تنفيذ أي منشط رياضي داخل المدرسة، فمتى كانت الملاعب مهيأة بالزراعة أو النجيل فبدون شك هناك كثير من الكوادر في المدارس من مديري مدارس، ومعلمي تربية بدنية على استعداد تام لتفعيلها.
وشددعلى أن مثل هذه الملاعب لو تمت تهيئتها في المدارس فإنه سيستفاد منها في إقامة مسابقات رياضية متنوعة، دورات للدفاع عن النفس، دورات تدريبية لتعلم السباحة، وكذا ندوات للتوعية بأهمية الالتزام بالروح العالية والأخلاق في المنافسات الرياضية المتنوعة.
وأعتبر وجود إمكانات رياضية في المدارس من ملاعب كرة قدم، سلة، يد، تنس، الدفاع عن النفس وغيرها يجعل هذه المدارس تعمل في الصيف من قبل مدربين رياضيين ينتدبون للعمل مقابل الإشراف على المواهب الطلابية، واستثمار وقت فراغها بما يعود بالنفع والفائدة فترة الصيف.
أما حسن الجبران مدير مدرسة ابتدائية فيقول:" عندما تزور أي مدرسة سواء مستأجرة، أو حتى حكومية، ابتدائية أو حتى ثانوية، فبدون شك ستجد مساحات بكر خالية لم تستثمر في المدارس، لعدم وجود الإمكانات اللازمة، كما أنه لم يتم تحفيز معلمي التربية البدنية لبذل جهود ذاتية بعمل دورات للكرة الطائرة أو حتى القدم، لذا فإننا مع كل هذه المصاعب لا نستطيع توفير جو رياضي للطلاب، فنصيب حصص التربية البدنية لا يكاد يذكر، والملعب عبارة عن مصلى، أو لإقامة مناسبات تربوية، مع عدم صلاحيته لذلك، ومع هذا وذاك فإنه من غير المستغرب أن نسمع دوما مقولة ( لدينا شح في المواهب الرياضية)، نعم لدينا شح لأننا وببساطة لم نستغل حب الطالب لحصة التربية البدنية، ولم نهيئ له تلك الفضاءات الواسعة التابعة أو الملحقة بالمدارس والتي بقيت دون استثمار أو إقامة ملاعب بها، ولم توظف بها كوادر قادرة على إخراج المواهب الكامنة داخل الطلاب.
افتحوا المجال للشركات الخاصة بالعمل في المدارس
أما عبد الرحمن التميمي, معلم, فيؤكد أنهم في مدرسة مستأجرة، و بها إصلاحات، وهذا يعني عدم احتمال إضافة عبء آخر كتجهيز ملاعب رياضية رغم الحاجة الماسة لها، ومن هنا صعب إرضاء طموح وإمكانات طلابنا الذين يتفجرون طاقات، لكنها للأسف في ساحات المدرسة الخاوية.
وناشد التميمي المسؤولين في وزارة التربية والتعليم، بدعم المدارس رياضيا أو فتح المجال للشركات الراعية بالمساهمة ببناء ملاعب في هذه المدارس، خاصة أن أغلب سكان هذه الأحياء من محدودي الدخل ولا يقدرون على دعم مشاريع رياضية في مدارس أبنائهم.
وقال:" أنقذونا هناك طاقات متقدة في كل جزء من أركان المدرسة التي يتخطى طلابها 500 طالب، لا يجدون إلا ساحة ضيقة وأرضية صلبة تعرضهم للأذى، كما لا تمكنهم إلا من ممارسة لعبة واحدة فقط هي لعبة كرة القدم، وأتمنى من المسؤولين زيارتنا ليرى بأم عينه المعاناة التي يعيشها طلابنا مابين، عدم وجود ملاعب مهيأة لهم، وبين الفراغ الذي يعانونه طيلة يومهم.
واقترح التميمي أن تبرم توأمه بين وزارة التربية والتعليم، وبعض الشركات الرياضية بإنشاء وإقامة ملاعب تؤجر على وزارة التربية لنقل على عشر سنوات مقبلة، ومن ثم تنتقل ملكيتها للتربية.
أين نذهب بمواهب التنس والسلة والطائرة دون ملاعب؟
من جهته أكد عبد الله المازني معلم تربية بدنية أنهم يعانون الأمرين من ساحات خاوية في مدرستهم امتلأت بها الأشواك من طول الزمن، دون أن تحرك ساكنا، ثم إن ملعبنا الوحيد هو لكرة القدم، وهناك من يهوى ألعابا أخرى كالبلياردو، التنس، كرة السلة، والسباحة، وهذه الملاعب تكاد تنعدم في مدارسنا، بينما يقف هؤلاء الطلاب متفرجين تحت أشعة الشمس الحارقة إلى أن يدق جرس انتهاء الحصة ثم يغادرون وتتحول أحلامهم إلى سراب.
وطرح المازني تساؤلا: إلى من نترك أبناءنا وفلذات أكبادنا؟ هل نتركهم للضياع؟ من يصقل مواهبهم ويعيد الفرحة على محياهم؟ هناك اليتيم، والمطلقة أمه، والفقير وهؤلاء هم أكثر الفئات حاجة للرياضة، وهذا دون شك لا يتحقق إلا بتوافر مراكز رياضية متكاملة في المدارس.
دوري السلة المسائي تجربة مذهلة لن ينساها الطلاب
كما تحدث المهندس سليمان الطريف ولي أمر طلاب في مراحل دراسية مختلفة قائلا:" عن استثمار المدارس رياضيا سيسهم بفعالية في تربية النشء تربية صالحة، فالابن يأتي إلى المدرسة في الساعة السابعة صباحا ولا يخرج إلا في الواحدة، دون أن يستفيد من الفترة المسائية التي يفترض أن يكتسب فيها مهارات وخبرات رياضية، من سباحة، كرة قدم، سلة، طائرة وغيرها من الرياضات الأخرى، نظرا لأن الطلاب في سن الدراسة في مرحلة يسهل بها صقل موهبتهم، بينما قد تصعب كثيرا بعد ذلك.
وأضاف: في أحد المجمعات التعليمي تمت إقامة بطولة لكرة السلة خارج وقت المدرسة، ولاقت هذه التجربة نجاحا كبيرا، وتفاعل معها الطلاب كثيرا، كما ساهمت في كشف عدد من المواهب في هذه اللعبة، وبالتأكيد مثل هذه التجارب لن ينساها الطالب ماحيي.
العائلات الفقيرة لا تملك القدرة لتسجيل أبنائها في أندية خاصة
وفي الموضوع نفسه تحدث تركي العنزي ( 50 سنة) أب لستة أولاد والذي بدأ حديثه بقوله" إن توفير ملاعب رياضية مسؤولية وزارة التربية والتعليم بالدرجة الأولى، ولا ألوم رجال الأعمال أو حتى أطالبهم بالمسامة في هذه المشاريع، وذلك لأنهم قادرون على تلبية رغبات أبنائهم الرياضية، كما أن لدى كل منهم سائقا وخادمة، وليسوا في حاجة لأن تقوم التربية ببناء ملاعب رياضية لأبنائهم.
وأضاف: أنا أتقاضى من وظيفتي مرتب قدره 1600 ريال، فكيف أكون قادر على تأمين أندية رياضية لستة من أبنائي بما فيها من أعباء نقل وغيرها، وقد تجولت في ست مدارس في حي النسيم شرقي الرياض، ولم أجد أيا منها قادرا على تلبية رغبات أبنائي الرياضية، وأذكر أن ابني الصغير فهد يرجوني أن لا أخرجه من المدرسة في اليوم الذي تكون لديه حصة رياضية من عشقه لها، ورغم عدم ملاءمة الملعب أيضا، كما أن حصص الرياضة واحدة أو اثنتين في أسبوع واحد، وهي لا تكفي لإبراز المواهب الرياضية.
مدارس حكومية وأهلية تتفق على تهميش الرياضة
وفي صلب الموضوع تحدث الطالب حسين الحبشي في المرحلة الثانوية عن تجربته الرياضية خلال دراسته في المراحل الثلاث"الابتدائية، المتوسطة، والثانوية" بقوله:" أنا تدرجت في دراستي في إحدى عشرة مدرسة حكومية وأهلية، ورغم كل هذه السنوات لم أر سوى مدرسة واحدة فقط هي المهتمة بالنشاط الرياضي، أما بقية المدارس فملاعبها ترابية، ولا يوجد بها مدربون أكفاء.
وحمل الرئاسة العامة لرعاية الشباب مسؤولية ما يحدث من خلل رياضي في المدارس، فهي تدفع مبالغ طائلة للمدربين والحكام الأجانب، بينما لا يقدم للرياضة المدرسية أي شيء، رغم وجود مواهب كثيرة حتى في التحكيم، فعلى سبيل المثال لو مارس طالب إدارة مباريات كرة قدم طيلة 16 سنة، ثم احترف التحكيم لكان جديرا بذلك، وساهم في تشريف الوطن بقيادة لقاءات عالمية.
وامتدح وجود أكاديميات رياضية في بعض الأندية السعودية لمن تراوح أعمارهم مابين الـ 12 و18 سنة، وكان لها أثر رائع، وطالب بتخصيص 20 في المائة من الأموال التي تنفق للأندية على المدارس.